الآن، ومع انتخاب مرسي والإخوان، لم تعد هنالك ذرائع لدى هؤلاء. عليهم الآن إيجاد أماكن عمل لملايين المصريين، وإطعام الجائعين. هم المسؤولون الآن عن الأوضاع المصرية.
سلمان مصالحة
هل سيُرسي مُرسي الديمقراطية المصرية؟
مهما قيل في الماضي،
أو يقال الآن عقب الانتخابات المصرية، إلاّ أنّ هنالك أمرًا واحدًا لا يمكن أن يختفي عن الأنظار. لقد دخلت مصر مرحلة جديدة لا يمكن بعد اليوم أن تعود للوراء ولحكم الحزب الواحد والشخص الواحد الذي لا يتنازل عن السلطة. لقد ذهبت إلى غير رجعة، هكذا نأمل على كلّ حال، تجربة الاستفتاء ونسبة الـ %99 للرئيس. إنّ نسبة كهذه هي تعبير عن أحد أمرين، إمّا أنّ الشعب بأسره قطيع من الأغنام، وإمّا أنّ المشكلة هي مع فساد وطغيان النّظام. كلّ من يمتلك ذرّة من بصر وبصيرة يعرف أن الحقيقة هي الشقّ الثاني من التوصيف، أي أنّ المشكلة مع النّظام.
إنّ الانتفاضة المصرية، التي بدأت منذ أكثر من عام وأدّت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالنّظام، هي في الأساس ثورة ضدّ حكم العسكر الذي اغتصب السلطة من العام 1952. هذه هي حقيقة ما جرى في مصر. وهذه هي حقيقة ما يُسمّى بـ”الربيع العربيّ“ الذي ضرب تلك الدول ذات الأنظمة العسكرية المشابهة. فليس صدفة أنّ هذا الربيع لم يصل إلى العراق مثلاً. إنّه لم يصل إلى العراق لأنّ نظام السفّاح صدّام حسين قد أطيح به قبل نشوب انتفاضات هذا الربيع. ولو كان لا يزال موجودًا لكانت انتفاضات هذا الربيع بالتأكيد قد وصلت إلى العراق أيضًا، مثلما هو حاصل في سورية التي تنزف دمًا منذ عام ونيف.
إنّ التجربة المصرية الجديدة
هي تجربة جنينية، ولذلك يجب رعايتها لكي لا يُخذل الناس بهذا التحوُّل الديمقراطي. نتيجة الانتخابات جاءت معبّرة عن وضع طبيعي وعن حقيقة الحال المصريّة. ورغم ما قيل عن فلول وما إلى ذلك إلاّ أنّ نصف الناخبين المصريين تقريبًا قد صوّتوا لصالح أحمد شفيق. ومن الجهة لأخرى صوّت النصف الآخر لصالح محمد مرسي مرشّح الإخوان. ليس هذا فحسب، بل إنّ كثيرين من المنتمين إلى قوى معارضة النّظام السابق من العلمانيين ودعاة الدولة المدنية قد صوّتوا لمرسي، وذلك كتصويت احتجاجي على مخلّفات النّظام السابق، ليس إلاّ. بكلمات أخرى، على الرئيس المنتخب الجديد أن يعي هذه الحقيقة، لكي لا يدخل في أوهام مفادها أنّ كلّ هؤلاء من أتباع تيّاره.
ولهذا السبب أيضًا،
وبهدف تحصين هذه التجربة المصرية الجديدة، فإنّ مهمّة الذين ينكبّون على صياغة الدستور المصري الجديد أن يلتفتوا إلى عدّة مبادئ يجب التركيز عليها في هذا الدستور المُزمع صياغته.
المبدأ الأوّل: يجب أن يحمل عنصر تداول السلطة بالانتخاب الديمقراطي وعنصر المساواة بين المصريين في هذا الانتخاب. وبكلمات أخرى، كلّ مصري، أرجلاً كان أم امرأة، دون فرق بين الخلفية الدينية يحقّ له أن يَنتخب ويُنتخب لكلّ المناصب. هذا مبدأ أصل للمساواة بين المواطنين، إذ بدون ذلك لا يمكن الانتقال إلى مرحلة من الدولة المتقدّمة.
المبدأ الثاني: يجب عدم التنازل عن أنّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية تتمّ كلّ أربع سنوات، وأنّ الرئيس المنتخب تنتهي ولايته بعد دورتين انتخابيتين، أي بعد ثماني سنوات في حال انتخابه لدورة ثانية. بعد هاتين الدورتين يُحال إلى التقاعد. فقط بالالتزام بهذا المبدأ يتمّ ضخّ دماء جديدة في السلطة، إذ بدون ذلك تتكلّس الشرايين ويعمّ الفساد والطغيان.
المبدأ الثالث: وهو مبدأ مركزيّ في الدولة المدنية. إنّه مبدأ فصل الدين، كلّ دين، عن الدولة. إنّ فصل الدين عن الدولة لا يعني إلقاء الدين عرض الحائط، وإنّما هو لصالح الدين في الأساس. فإذا دخل الدين في السياسة فسد هذا الدين وأفسد السياسة معه أيضًا. لهذا فإنّ الإبقاء على الدّين في خانة الفرد هو ما يُبقي الاحترام له ولصاحبه. أمّا السياسة فهي للدولة، لبناء الدولة وللعلاقات الدولية، وهي للبناء والعمران المادّي والبشري على جوانبه المختلفة والمتشعّبة.
فقط إذا تمّ الحفاظ على هذه المبادئ الكبرى بحذافيرها بوسعنا القول إنّ مصر بدأت تخطو في الاتّجاه السليم. إنّ الإصرار على هذه المبادئ والحفاظ عليها هي من مهمّة التيّارات المعارضة، بمن فيهم هؤلاء الذين صوّتوا احتجاجًا للرئيس المنتخب الجديد. إمّا بغير الحفاظ على هذه المبادئ، فإنّ مصر والمصريين سيواصلون التخبّط إلى أجل غير مُسمّى.
الآن، ومع انتخاب مرسي والإخوان، لم تعد هنالك ذرائع لدى هؤلاء. عليهم الآن إيجاد أماكن عمل لملايين المصريين، وإطعام الجائعين. هم المسؤولون الآن عن الأوضاع المصرية. فإذا لم يقدّموا ذلك للشعب المصري، فإنّ الشعب بانتظارهم، فالانتخابات الديمقراطية بعد أربع سنوات من أمامهم وميدان التحرير من ورائهم.
أليس كذلك؟
*
أو يقال الآن عقب الانتخابات المصرية، إلاّ أنّ هنالك أمرًا واحدًا لا يمكن أن يختفي عن الأنظار. لقد دخلت مصر مرحلة جديدة لا يمكن بعد اليوم أن تعود للوراء ولحكم الحزب الواحد والشخص الواحد الذي لا يتنازل عن السلطة. لقد ذهبت إلى غير رجعة، هكذا نأمل على كلّ حال، تجربة الاستفتاء ونسبة الـ %99 للرئيس. إنّ نسبة كهذه هي تعبير عن أحد أمرين، إمّا أنّ الشعب بأسره قطيع من الأغنام، وإمّا أنّ المشكلة هي مع فساد وطغيان النّظام. كلّ من يمتلك ذرّة من بصر وبصيرة يعرف أن الحقيقة هي الشقّ الثاني من التوصيف، أي أنّ المشكلة مع النّظام.
إنّ الانتفاضة المصرية، التي بدأت منذ أكثر من عام وأدّت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالنّظام، هي في الأساس ثورة ضدّ حكم العسكر الذي اغتصب السلطة من العام 1952. هذه هي حقيقة ما جرى في مصر. وهذه هي حقيقة ما يُسمّى بـ”الربيع العربيّ“ الذي ضرب تلك الدول ذات الأنظمة العسكرية المشابهة. فليس صدفة أنّ هذا الربيع لم يصل إلى العراق مثلاً. إنّه لم يصل إلى العراق لأنّ نظام السفّاح صدّام حسين قد أطيح به قبل نشوب انتفاضات هذا الربيع. ولو كان لا يزال موجودًا لكانت انتفاضات هذا الربيع بالتأكيد قد وصلت إلى العراق أيضًا، مثلما هو حاصل في سورية التي تنزف دمًا منذ عام ونيف.
إنّ التجربة المصرية الجديدة
هي تجربة جنينية، ولذلك يجب رعايتها لكي لا يُخذل الناس بهذا التحوُّل الديمقراطي. نتيجة الانتخابات جاءت معبّرة عن وضع طبيعي وعن حقيقة الحال المصريّة. ورغم ما قيل عن فلول وما إلى ذلك إلاّ أنّ نصف الناخبين المصريين تقريبًا قد صوّتوا لصالح أحمد شفيق. ومن الجهة لأخرى صوّت النصف الآخر لصالح محمد مرسي مرشّح الإخوان. ليس هذا فحسب، بل إنّ كثيرين من المنتمين إلى قوى معارضة النّظام السابق من العلمانيين ودعاة الدولة المدنية قد صوّتوا لمرسي، وذلك كتصويت احتجاجي على مخلّفات النّظام السابق، ليس إلاّ. بكلمات أخرى، على الرئيس المنتخب الجديد أن يعي هذه الحقيقة، لكي لا يدخل في أوهام مفادها أنّ كلّ هؤلاء من أتباع تيّاره.
ولهذا السبب أيضًا،
وبهدف تحصين هذه التجربة المصرية الجديدة، فإنّ مهمّة الذين ينكبّون على صياغة الدستور المصري الجديد أن يلتفتوا إلى عدّة مبادئ يجب التركيز عليها في هذا الدستور المُزمع صياغته.
المبدأ الأوّل: يجب أن يحمل عنصر تداول السلطة بالانتخاب الديمقراطي وعنصر المساواة بين المصريين في هذا الانتخاب. وبكلمات أخرى، كلّ مصري، أرجلاً كان أم امرأة، دون فرق بين الخلفية الدينية يحقّ له أن يَنتخب ويُنتخب لكلّ المناصب. هذا مبدأ أصل للمساواة بين المواطنين، إذ بدون ذلك لا يمكن الانتقال إلى مرحلة من الدولة المتقدّمة.
المبدأ الثاني: يجب عدم التنازل عن أنّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية تتمّ كلّ أربع سنوات، وأنّ الرئيس المنتخب تنتهي ولايته بعد دورتين انتخابيتين، أي بعد ثماني سنوات في حال انتخابه لدورة ثانية. بعد هاتين الدورتين يُحال إلى التقاعد. فقط بالالتزام بهذا المبدأ يتمّ ضخّ دماء جديدة في السلطة، إذ بدون ذلك تتكلّس الشرايين ويعمّ الفساد والطغيان.
المبدأ الثالث: وهو مبدأ مركزيّ في الدولة المدنية. إنّه مبدأ فصل الدين، كلّ دين، عن الدولة. إنّ فصل الدين عن الدولة لا يعني إلقاء الدين عرض الحائط، وإنّما هو لصالح الدين في الأساس. فإذا دخل الدين في السياسة فسد هذا الدين وأفسد السياسة معه أيضًا. لهذا فإنّ الإبقاء على الدّين في خانة الفرد هو ما يُبقي الاحترام له ولصاحبه. أمّا السياسة فهي للدولة، لبناء الدولة وللعلاقات الدولية، وهي للبناء والعمران المادّي والبشري على جوانبه المختلفة والمتشعّبة.
فقط إذا تمّ الحفاظ على هذه المبادئ الكبرى بحذافيرها بوسعنا القول إنّ مصر بدأت تخطو في الاتّجاه السليم. إنّ الإصرار على هذه المبادئ والحفاظ عليها هي من مهمّة التيّارات المعارضة، بمن فيهم هؤلاء الذين صوّتوا احتجاجًا للرئيس المنتخب الجديد. إمّا بغير الحفاظ على هذه المبادئ، فإنّ مصر والمصريين سيواصلون التخبّط إلى أجل غير مُسمّى.
الآن، ومع انتخاب مرسي والإخوان، لم تعد هنالك ذرائع لدى هؤلاء. عليهم الآن إيجاد أماكن عمل لملايين المصريين، وإطعام الجائعين. هم المسؤولون الآن عن الأوضاع المصرية. فإذا لم يقدّموا ذلك للشعب المصري، فإنّ الشعب بانتظارهم، فالانتخابات الديمقراطية بعد أربع سنوات من أمامهم وميدان التحرير من ورائهم.
أليس كذلك؟
*
نشر في: ”إيلاف“، 26 يونيو 2012
******