هنالك دعوات من أطراف يهودية معارضة لنتنياهو لزيادة نسبة التصويت بين العرب بغية عزل نتنياهو، غير أنّ هذه الدعوات تأتي من قبل أطراف مزيّفة لا يهمّها العرب بأيّ حال، إذ أنّ هؤلاء لا يرون الأحزاب العربية جزءًا من أيّ تشكيلة حكومية قادمة، فيما لو أسقطت نتنياهو. لأنّ هؤلاء سيسارعون في نهاية المطاف إلى تشكيل ائتلافات حكومية تاركين العرب خارج اللعبة...
سلمان مصالحة ||
دعوة لمقاطعة لعبة الانتخابات الإسرائيلية
الإسرائيليّون إلى صناديق الاقتراع لانتخابات الأحزاب وممثّليها في البرلمان
الإسرائيلي، الكنيست. تجدر الإشارة إلى أنّ هؤلاء الناخبين يشملون أيضًا
العرب في إسرائيل الذين يشكّلون ما يقرب من عشرين بالمائة من المواطنين في
إسرائيل. حسب الاستطلاعات التي تُنشر تباعًا في الأسابيع الأخيرة لا يبدو أنّ
شيئًا ما سيتغيّر. إذ، يتّضح من هذه الاستطلاعات أنّ ما كان حتّى الآن من
ناحية الكُتل البرلمانية الرّاهنة هو ما سيكون أيضًا بعد الانتخابات. الشيء
الوحيد والطّفيف الّذي قد يتغيّر هو الانتقالات الدّاخليّة ضمن الكُتل
الحزبيّة، ليس إلاّ، وهو ما حصل بالفعل من قِبَل بعض أعضاء الكنيست، حيث
انتقل البعض إلى أحزاب أخرى ضمن ما يُسمّى الكُتلتين الكُبريين، أي كتلة
الأحزاب اليمينية والكتلة الأخرى من الأحزاب المعارضة للحكومة الحالية.
غير أنّ الحديث عن معارضة إسرائيلية فيه الكثير من الدّجل السياسي. إذ لو
نظرنا إلى تشكيلة هذه الـ”معارضة“، لرأينا أنّها كانت ولفترة قريبة جزءًا من
ائتلاف حكومة نتنياهو بالذّات. هذا ما فعله وزير الدّفاع الإسرائيلي، إيهود
باراك، الّذي كان زعيمًا لحزب العمل، إذ انفصل عن حزبه مع عدّة أعضاء كنيست
وانضمّ إلى حكومة نتنياهو. هذا ما فعله أيضًا رئيس حزب ”كاديما“ (أي، قُدمًا،
إلى الأمام)، شاؤول موفاز، الّذي انضمّ إلى ذات الحكومة قبل مدّة ليست طويلة،
ثمّ عاد وانفصل عنها. غير أنّ حزب ”كاديما“ هذا في صراع بقاء، بعد عودة تسيبي
ليڤني للساحة السياسية وتشكيلها حزبًا جديدًا هو ”هتنوعاه“ (أي، الحركة) وإذا
نظرنا إلى رئيس حزب ”يش عتيد“ (أي، ثمّة مستقبل) الّذي يدّعي تمثيل الطبقة
المتوسّطة فإنّه لا يُخرج من الحسبان إمكانية الانضمام إلى حكومة نتنياهو
الـ”عتيدة“. كذا هي الحال مع حزب العمل الحالي بقيادة ”يحيموڤيتش“ الّتي
اضطرّت أخيرًا للتصريح بعدم النيّة للمشاركة في حكومة نتنياهو، بعد أن رفضت
التّصريح بذلك في بداية الحملة الانتخابية.
هنالك كتلة كبيرة مؤلّفة
من ثلاثة أحزاب دينيّة يهوديّة. حزب ”البيت اليهودي“ وهو وريث حزب
الـ”مفدال“ (أي، الحزب الديني الوطني) التاريخي الّذي يتزعّمه الآن نفتالي
بينيت، وجه جديد وشابّ. هذا الحزب يبتلع الآن الكثير من أصوات حزب نتنياهو-
الليكود المندمج مع حزب ليبرمان - يسرائيل بيتينو. هذا الحزب الديني هو حزب
يميني متطرّف، وهو ما يمكن أن نُطلق عليه حزب المستوطنين في المناطق
الفلسطينية المحتلّة، كما وله امتدادات أخرى داخل المجتمع الإسرائيلي بعامّة.
إذ أنّه حزب غير منعزل عن الحياة المعاصرة، ويشارك في العمل والحياة
الاقتصادية وينخرط أفراده في الجيش.
أمّا الحزبان الدينيّان الآخران فهما ينتميان إلى التيّار الأصولي
الـ”حريدي“، أحدهما ”أشكنازي“ لليهود الغربيين والآخر ”سفرادي“ لليهود
الشرقيين. وهذا التيّار على شقّيه هو تيّار يتّصف بالانعزالية عن الحياة
المعاصرة، ويمكن أن نسمّيه بالسّلفي، إذ ينصبّ جلّ اهتمامه على دفع أجيال
شابّة إلى الانعزال وتكريس حياتها إلى دراسة العلوم التوراتية فقط. ولأنّ
طبيعة هذه التيّار هي طبيعة أصوليّة، فهي ضدّ تحديد النّسل ولذلك فأعدادها
تتزايد باضطراد، وفي الوقت ذاته فهي أجيال منعزلة عن الحياة المعاصرة ولا
تشارك في العمل تقريبًا وأفرادها لا يخدمون في الجيش، وقد أضحت عالة على
طبقات المجتمع الإسرائيلي الأخرى من دافعي الضرائب، وخاصّة من أفراد الطبقة
الوسطى الّتي تُحرّك الاقتصاد عادة.
ولكنّ هذه الأحزاب تشارك منذ تأسيسها في الائتلافات الحكومية المختلفة ولا
تتشكّل حكومات بدون مشاركتها فيها. ولهذا فهي تشكّل ضاغطًا على كلّ الحكومات
بغية الحصول على مخصّصات مالية كبيرة لجمهورها الآخذ بالتزايد، وهو الأمر
الذي بدأ يُنهك الطبقة المتوسّطة ويثير التذمّر لدى شرائح كبيرة.
لهذا السّبب، خرجت أصوات كثيرة
في السّنوات الأخيرة تُحذّر من هذا الوضع الّذي يُضعضع الحالة الاقتصادية
والاجتماعية الإسرائيلية. لقد كانت هذه الأصوات جزءًا من الحراك الاحتجاجي
الذي شهدته إسرائيل أيضًا عقب انتفاضات ”الربيع العربي“ التي اجتاحت المنطقة.
غير أنّ هذا الحراك لم يتحوّل إلى حراك سياسي مبنيّ على أسس متينة لمواجهة
الواقع الإسرائيلي المستجدّ، فتفرّق هذا الاحتجاج وانفضّ واندسّ أفراده في
الأحزاب القائمة، أو في قوائم حزبيّة جديدة. غير أنّ هذا القوائم لم تأت بأيّ
جديد، بل تبدو باهتة كسابقاتها.
وماذا بشأن ما يُسمّى ”الأحزاب العربية“؟
إنّ ما يجري على الساحة العربيّة لا يختلف كثيرًا عمّا يجري في الساحة
اليهوديّة. إنّ التسمية ”أحزاب عربيّة“ التي تُطلقها وسائل الإعلام العبريّة
على بعض الأحزاب الناشطة بين الجمهور العربي هي تسمية خاطئة، وهي نابعة من
طبيعة وتكوين الدّولة الإسرائيلية منذ قيامها، ومنذ قرار التقسيم الصادر من
الأمم المتّحدة بتقسيم منطقة الانتداب البريطاني إلى دولة “يهوديّة“ ودولة
”عربية“. وهكذا فإنّ كلّ ما هو خارج عن الإجماع الصهيوني يُحال فورًا إلى
الخانة العربيّة، أي الـ”غير يهوديّة“.
غير أنّ الجمهور العربي لا يمكن أن يُوضع في سلّة واحدة. فمنذ البداية كان
هنالك تيّاران اثنان في أوساط العرب الذين بقوا في الوطن. التيّار التقليدي
على مخاتيره التقليديّين الّذي سارع إلى الإنضواء في أحزاب السلطة الصهيونية
الجديدة. وهنالك التيّار الشيوعي الّذي دعم قرار التّقسيم ومبدأ تقرير المصير
للشعبين، بل وأكثر من ذلك، طالب في بداية الخمسينات من القرن الماضي، على
لسان توفيق طوبي ورفاقه الشيوعيّين من منصّة الكنيست، في أن ينخرط العرب في
الجيش الإسرائيلي كجزء من مبدأ المواطنة.
هنالك أربعة تيّارات ناشطة هذه الأيّام
بين الجمهور العربي. التيّار الأوّل هو تيّار الحمائل والقبائل التقليدي
الّذي تتغيّر ولاءاته بتغيّر الحكومات وهو تيّار لا تعنيه القضايا العامّة
بأيّ حال، إذ ينصبّ جلّ اهتمامه على الحصول على فتات من موائد السلطة، كلّ
سلطة، ولن نتطرّق إليه في هذه المقالة. أمّا التيّار الثّاني، فهو ورثة الحزب
الشيوعي الإسرائيلي القديم، أي بمثابة الحزب الموازي لحزب العمل في الوسط
العربي. وهؤلاء الورثة لا زالوا في الساحة وهم يشكّلون العمود الفقري لحزب
”حداش“ (أي، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، وهذا الحزب بتعريفه لذاته
هو حزب يهودي-عربي بمرشّحين يهودًا وعربًا، كما إنّ نائبًا من نوّابه
النشيطين هو شيوعي يهوديّ. هذا الحزب الشيوعي هو حزب ديني في جوهره، ودينه
وديدنه هو كراهية أميركا والغرب ليس إلاّ، ولهذا فهو يعبّر بصراحة ووقاحة عن
دعمه لنظام البعث الفاشي، أو أيّ نظام إجرامي آخر حاملاً شعارات الممانعة
ومحاربة الإمبريالية، وهي الشعارات التي لم تعد تنطلي على أحد.
وهنالك تيّار ثالث، هو حزب ”بلد“ (أي، التجمّع الوطني الديمقراطي). وهو حزب
ذو توجّهات قومويّة أنشأه في الأساس في سنوات التسعينات من القرن الماضي
منشقّون من خرّيجي الحزب الشيوعي الإسرائيلي ذاته، وبعض الشخصيّات الأخرى ذات
النزعة العروبية. وهو تيّار بمثابة الموازي للحزب الليكود بين العرب. لقد نشأ
الحزب بقيادة عزمي بشارة الّذي طرح على الساحة شعار ”دولة المواطنين
الإسرائيليين“، وذلك قبل أن يهرب إلى التنظير في عرين حمد، إن لم نقل في قلب
العروبة القابض في أكبر قاعدة أميركية في جزيرة العرب ولسان حالها الفضائي.
وفي ذلك حقّ القول الشعبي: ”سبحان اللّي بيغيّر ما بيتغيّر“.
والتيّار الرابع هو تيّار انعزالي عربي. فإذا كانت التيّارات السابقة تشمل
كافّة طوائف المجتمع العربي، فإنّ هذا التيّار هو تيّار فئويّ، بمعنى أنّه
تيّار يتألّف من طائفة واحدة من الجمهور العربي. فإذا علمنا أنّ الجمهور
العربي يتشكّل من طوائف مختلفة، فإنّ هذا التيّار - الحزب - مقصور فقط على
المسلمين والإسلامويين، وهو الموازي للأحزاب الدينية اليهودية المتطرّفة.
إنّه حزب انعزالي من منطلق عربي، إذ لا تجد في صفوفه ولا بين ناخبيه أفرادًا
من سائر الطوائف العربية، وأعني بذلك من الطائفتين المسيحية والدرزية. بكلمات
أخرى، إنّ هذا الحزب، وبتركيبته الطائفية الواضحة، يخدم في نهاية المطاف
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ويخدم الأيديولوجية الصهيونية التي عملت طوال
عقود على تفتيت المجتمع العربي في إسرائيل وتذريره إلى طوائف وقبائل متناحرة.
بل، أكثر من ذلك فإنّ هذا الحزب بتركيبته الدينية الانعزالية يخدم دعاة
الدّولة ”اليهودية“ في الجانب اليهودي في نهاية المطاف.
بخصوص كلّ هذه الأحزاب، تجدر الإشارة إلى أنّها ومنذ عقود طويلة ترسل إلى
الكنيست بين 9 إلى 11 نائبًا. وكلّ هذه الأحزاب تتناحر فيما بينها على أصوات
العرب، فإذا ازداد العدد عند حزب منهم فإنّه ينقص من عند الآخرين، وهكذا كان
على مرّ السنين الطوال. وإذا استعرنا مقولة منسوبة إلى مارك توين لتوصيف حالة
الناخبين العرب، فإنّه لو كانت الانتخابات بين العرب لتؤثّر على مجرى
السياسات في إسرائيل لما كانت إسرائيل سمحت لهم بأن يشاركوا فيها.
دعوة لمقاطعة الانتخابات:
لكلّ هذه الأسباب مجتمعة، ولأسباب أخرى يطول الحديث عنها نشرت أكثر من مقال
في الفترة الأخيرة في صحيفة ”هآرتس“ العبرية داعيًا العرب واليهود إلى القيام
بخطوة احتجاجية تتمثّل بمقاطعة الانتخابات المقبلة والّتي لن تغيّر شيئًا
ممّا هو قائم الآن في الساحة السياسية. والدعوة موجّهة للعرب على وجه الخصوص،
إذ لا أهميّة لتصويتهم، ولا أهميّة لإرسال نوّاب إلى البرلمان الإسرائيلي، ما
دامت جميع الأحزاب اليهودية لا تأخذ القوائم والأحزاب العربية بالحسبان لدى
تشكيل الحكومات. إنّ هذه المهزلة الانتخابية من طرف الجمهور العربي في
إسرائيل يجب أن تتوقّف، ويجب البحث عن طرق نضال شعبيّة أخرى، بهدف كشف زيف
الديمقراطية الإسرائيلية الراهنة.
هنالك دعوات من أطراف يهودية معارضة لنتنياهو لزيادة نسبة التصويت بين العرب
بغية عزل نتنياهو، غير أنّ هذه الدعوات تأتي من قبل أطراف مزيّفة لا يهمّها
العرب بأيّ حال، إذ أنّ هؤلاء لا يرون الأحزاب العربية جزءًا من أيّ تشكيلة
حكومية قادمة، فيما لو أسقطت نتنياهو. لأنّ هؤلاء سيسارعون في نهاية المطاف
إلى تشكيل ائتلافات حكومية تاركين العرب خارج اللعبة.
لهذا السبب، وقبل الذّهاب إلى صناديق الاقتراع، هنالك ضرورة ملحّة إلى تربية
اليهود وتربية العرب أنفسهم في هذه البلاد على حقيقة كون العرب في إسرائيل
جزءًا أصيلاً من هذا الوطن، ومن هذه الدولة بالمواطنة المدنية المعترف بها
قانونيًّا على الأقلّ، ويجب أن يكونوا جزءًا من سلطات هذا الوطن، كلّ سلطات
هذا الوطن بحكوماته ووزاراته المختلفة.
ولهذا السّبب، فما دامت الحال على هذا المنوال، فقد دعوت بالعبرية في صحيفة
”هآرتس“، وها أنذا أدعو هنا بالعربية إلى مقاطعة الانتخابات
الإسرائيلية.
والعقل ولي التوفيق!
*
نشر: ”إيلاف“، 20 يناير 2013
0 تعليقات:
إرسال تعليق