الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

رد على سلمان مصالحة


أرشيف (2007):

أما بعد فهذا رد مقتضب على بعض ما جاء في مقالة المدعو سلمان مصالحة في مجلة إيلاف الإلكترونية والتي عنونها "كيف نقرأ سورة الفاتحة":

سبط الجيلاني ||

رد على سلمان مصالحة



بصفتي من حفظة القرآن الكريم والمشتغلين بعلم القراءات القرآنية وممن تشرف بخدمة القرآن لا أجد بدا من الرد على المقالة المذكورة، لما فيها من التجني الواضح، والجهل الفاضح؛ وعذرا للصراحة، ولكن لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها في بعض المواقف، ولا سيما عندما يصل الأمر إلى حد التطاول على القرآن الكريم.

أولا: يزعم الكاتب تلميحا إلى أن قدسية القرآن تمنع المسلم من اكتشاف ما اكتشفه جنابه في سورة الفاتحة من هنات مزعومة، لأن تقديس النص يمنع من يقدسه في ظن الكاتب من استعمال عقله، وأحب أن أطمئنه إلى أن الأمر ليس كما ظن، فالقرآن حض المسلم على استعمال عقله، وقد مر منذ نزل القرآن أربعة عشر قرنا من الزمان تعاقب فيها ما لا يحصى من أذكياء العالم والعباقرة والعلماء من المسلمين المشهود لهم بالحرص على استعمال عقولهم، التي كانت بلا أدنى شك أكبر من عقل كاتب المقال المسكين، وقد أشبع هؤلاء النص القرآني دراسة وتمحيصا وتحليلا، فلا يوجد كتاب نال ما ناله القرآن الكريم من العناية والدرس، فهل فات أولئك الفطاحل الأعلام الذين لا يشق لهم غبار في اللغة والنحو والأدب وسائر علوم العربية والعلوم العقلية أمور بخطورة ما ذهب إليه صاحبنا في قراءته المتحاملة لسورة الفاتحة، التي يتلوها كل مسلم مرات عديدة كل يوم.

ثانيا: من الواضح أن الكاتب لا حظ له من علم القراءات، ولا اطلاع له على كون القرآن نزل بقراءات تختلف في بعض الوجوه، وقد وصلنا منها عشر قراءات متواترة، رواها عن رسول الله ما لا يحصى من الخلق، وحفظوها عن ظهر قلب عبر العصور دون تغيير حرف واحد منها، وانصرف إلى تقعيدها وبيانها وتفصيلها وتعليلها والتأليف فيها جم غفير من أهل العلم، فوجود بعض الاختلاف بين القراءات المتواترة لا يهول العالم وإن أشكل على مثل صاحبنا من الأغرار، فكل ذلك بالوحي، وكل ذلك نقل إلينا بأسانيد متصلة بدقة لا يرقى إليها الشك، ولكن كم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم.

ثالثا: الخلاف المشهور بين أهل العلم في عد البسملة من آيات الفاتحة لا يطعن في كونها ثابتة متواترة، فلا خلاف في كون البسملة من القرآن، ولكن الخلاف هل تحسب عند العد من آيات الفاتحة أم أنها نزلت في أولها وليست منها، كما نزلت في أوائل سائر سور القرآن باستثناء سورة التوبة، فليست البسملة معدودة من آيات أي سورة أخرى سوى سورة النمل (التي لا تعد البسملة التي نزلت في أولها من آياتها، ولكن تعد البسملة التي في وسطها من آياتها). وقد حاول الكاتب استخدام هذا الخلاف المشهور في شأن عد آيات الفاتحة، ليشكك القارئ في القرآن ويوهمه احتمال الخطأ والتحريف فيه، وما هذا إلا دليل على جهل الكاتب بعلوم القرآن، أو هو محاولة خبيثة منه للتهويل والتشويش على ضعفاء المسلمين وجهالهم.

رابعا: قول الكاتب:"أنّ النّصّ المشهور للقرآن قد تعرّض على مرّ السّنوات إلى عمليّة تحرير حتّى وصل إلى هذا الإجماع بخصوص النّصّ الّذي بين أيدينا" محاولة أخرى لإيهام القارئ أن القرآن الثابت المتواتر الذي يحفظه مليارات المسلمين عبر التاريخ قد تعرض للتغيير عبر العصور، بحيث لا يوثق بأنه وصلنا كما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة، وهذا غاية الجهل أو الخبث من الكاتب، فمن درس تاريخ القرآن بإنصاف حتى من غير المسلمين يشهد بأنه لا يشاركه كتاب آخر في دقة نقله وعدد من حفظه بحروفه من البشر، مما يجعله الكتاب الوحيد الذي يمكن أن يركن المرء إلى اعتياصه على التحريف، وبالتالي فالقرآن الذي وصلنا متواترا هو النص الذي أنزل على رسول الله بحروفه وحركاته وسكناته دون تبديل أو تحريف أو تغيير.

خامسا: حاول الكاتب أن يشكك في فصاحة القرآن، وفصاحة الفاتحة بالتحديد، من خلال عرضه للأصل المزعوم لكلمتي صراط ورحمن، فهذا الذي نقله عن أصلهما ليس مسلّما ولا ثابتا، كما أنه معلوم عند أهل العلم أنه يوجد أصلا خلاف بين اللغويين هل في القرآن كلمات أعجمية معربة أم لا، ومن المعلوم أن الكلمة قد تكون من أصل غير عربي ثم تدخل جسم اللغة وتصبح جزءا منها ولا يطعن أصلها بعد أن انخرطت في سلك اللغة في فصاحتها، فاللغة ليست شيئا جامدا، بل هي أشبه بكائن حي يكبر ويتطور ويزداد مع الزمن، كما أن ما لمح إليه الكاتب من احتمال وجود شبيه لكلمة رحمن في بعض لغات الأوائل لا يجعلها غير عربية الأصل. ثم من أين قرر الكاتب أن وجود أصل غير عربي للكلمة يتنافى مع الفصاحة والبيان. أضف إلى ذلك أن النص قد يكون في غاية الفصاحة ككل وإن لم تكن كل كلمة فيه هي الأفصح على الإطلاق بمفردها، فاختيار الكلمات في النص يخضع لاعتبارات غير كونها في أعلى درجات الفصاحة، كملاءمة جرسها للسياق وغير ذلك.

سادسا: حاول الكاتب أن يشكك في حكمة وصف غير المسلمين بالمغضوب عليهم والضالين، وفي الحكمة من تحفيظ الأطفال ذلك، وهذا تعرض منه لأصل عقيدة الإسلام وتشكيك في حقيتها، وأكتفي بشأن ذلك أن أقول له: من قال إن الحوار الذي تخشى عليه من حفظ الأطفال لسورة الفاتحة هو الحق الذي لا محيد عنه، لقد قامت الدلائل الكثيرة على حقية عقيدتنا، وليس هذا مجال بيانها، وللكلام تتمة، وللحق صولات وجولات.


كتبه خادم القرآن الكريم


سبط الجيلاني


--
إيلاف، 16 سبتمبر 2007

***

اقرأ: سلمان مصالحة | كيف نقرأ سورة الفاتحة


إقرأ أيضًا:
فهم المنطوق، مسائل تراثية وأبعاد راهنة


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع