الأربعاء، 5 أغسطس 2020

بيروشيما



من الأرشيف- سبتمبر 1982



هذا نص قديم، لم يُنشر في كتاب.

كنت قد نشرته باسم ”سلمان سلمان“ نُشر أوّلًا في صحيفة ”الاتحاد“ الحيفاوية في 24 سبتمبر 1982، ثمّ نُقل ونشر أيضًا على غلاف مجلة ”فلسطين الثورة“ إبّان حصار بيروت.


أعيد نشره الآن بعد رؤية مشاهد المدينة وناسها إثر الانفجار الهائل الذي ضربها.

***

سلمان مصالحة

بيروشيما


من أينَ لكِ تلكَ العناقيدُ
تَدَلّتْ مِنْ عَيْنيكِ
أَنْتِ
أيّتها الصبيّةُ المُحتفِلةُ بِعُرسِ الدّم؟
كيفَ فَقَأَتْ عينيكِ حَبّاتُ العِنَب؟
بَيروتُ
يا مدينةَ ادّموعِ والحَطَب،
حينَ تختنقينَ أيّتها العروسُ
تتنفّسين حُرّيتي
حُرّية الإنسان المُحاصر.
كيفَ آلَ المصيرُ في شوارعكِ المَلْغُومة؟

بيروتُ
أيّتها الطّفلة المُعاقةُ العملاقةُ،
أيّها الفَتَى العملاق،
يَصُبُّ على شفتيكَ اليابستين
حديثُ النّدَى.

بيروتُ
أنتِ آخرُ المَدَى
امْطِرِي أيّتها الغمائمُ السُّودُ نَدَى
يبلُّ شفاهَ الصّبايا
امْطِريها هدايا.

وأنتِ أيتها الحنفيّة المَخنوقة،
ماذا ستقولين للأطفال، للشجر؟

بيروتُ
أيّتها المدينة المُعضلة،
كيفَ يُصارعُ نصفُكِ نِصْفَكِ
أزيحي عن العُروبة هٰذا النّصيف
لتظهرَ مساوئِها المُنْتِنَة.
كيف تصارعين السُّحب العنقوديّة لوحدك؟

بيروتُ
عيناكِ العناقيدُ الملغومة

تقولين
يُعيد التاريخ نفسَهُ.
لماذا؟
لماذا يعيد التاريخ نفسَهُ؟
أيّتها الطفلة المحروقة
أيتها الطفلة المبتورة
أيتها الطفلة المختوقة

اسمعي عن طفل واحد
في وطنٍ واحد
حمل الأحداقَ رصاصًا
يُطلقُهُ في الوطن المحروق
ينظرُ في الأفق القاصي
والقاسي
وتنفرط االدموع من عينيه
ويلتطم النهرُ على خدّيه، الأيسر والأيمن.
”ناصر“
الولدُ الباحثُ عن والدهِ
يُحبّه الجنودُ حُبًّا جمًّا
فيغدقون عليه الهدايا
من خبز ومن ماء
لكنّهم نخروا فيه الطفولة.

بيروتُ
يا عروسَ القصائد
ومشكاة الأساطير،
حين يُشدّ الخناقُ على عُنقكِ
تجحظُ عيناكِ الحمراوان
لتُبصري عدوّك من كلّ جانب.

بيروتُ
يا عدوّة بيروت.
ممّن تنتظرين الفرج
أيّتها المدينة المغدورة
أيّتها الصبيّة المَوْءُودة
تحت رمال الصمت النّفطي
والصمت العنقودي،
لمن تُغنّين في هذا الليل
الموشكِ على التمزُّق
ولمن ترفعينَ آهاتك المُتقطّعة
بتقطُّع أنفاس الرصاص.

بيروتُ
أيّهتا السردابُ المُضيءُ،
بيروتُ
يا مدينةَ الخلاصِ
هل نبكي أم نضحك
أم كلّ شيء على ما يرام؟
شكرًا، لك بيروت، جزيلًا
شكرًا للشوارع المُلتهبة
شكرًا للحمم المُضيئة
شكرًا للنساء والشيوخ والأطفال
شكرًا لبيروت الظلال والفرح.

مرّت على الأحياء بسماتُ قُزح
وتهاوت في الرصيف
كانت البسمة ملقاةً على رمل الطريق
والعيونُ
تُبصر المجدَ الذي ينهارُ
في وضح النهار،
وتغنّي الانتصار.

بيروتُ
أيّها الطفل الذي في الليل ذهب
في غبار المعركة
أو عجاج المعركة،

بيروتُ
أنتِ التي يسمّونك في القواميس ضحيّة،
أنت القضيّة،
والأمل.
*
سبتمبر 1982




مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع