من الأرشيف- سبتمبر 1982
هذا نص قديم، لم يُنشر في كتاب.
كنت قد نشرته باسم ”سلمان سلمان“ نُشر أوّلًا في صحيفة ”الاتحاد“ الحيفاوية في 24 سبتمبر 1982، ثمّ نُقل ونشر أيضًا على غلاف مجلة ”فلسطين الثورة“ إبّان حصار بيروت.
أعيد نشره الآن بعد رؤية مشاهد المدينة وناسها إثر الانفجار الهائل الذي ضربها.
***
سلمان مصالحة
بيروشيما
من أينَ لكِ تلكَ العناقيدُ
تَدَلّتْ مِنْ عَيْنيكِ
أَنْتِ
أيّتها الصبيّةُ المُحتفِلةُ بِعُرسِ الدّم؟
كيفَ فَقَأَتْ عينيكِ حَبّاتُ العِنَب؟
بَيروتُ
يا مدينةَ ادّموعِ والحَطَب،
حينَ تختنقينَ أيّتها العروسُ
تتنفّسين حُرّيتي
حُرّية الإنسان المُحاصر.
كيفَ آلَ المصيرُ في شوارعكِ المَلْغُومة؟
بيروتُ
أيّتها الطّفلة المُعاقةُ العملاقةُ،
أيّها الفَتَى العملاق،
يَصُبُّ على شفتيكَ اليابستين
حديثُ النّدَى.
بيروتُ
أنتِ آخرُ المَدَى
امْطِرِي أيّتها الغمائمُ السُّودُ نَدَى
يبلُّ شفاهَ الصّبايا
امْطِريها هدايا.
وأنتِ أيتها الحنفيّة المَخنوقة،
ماذا ستقولين للأطفال، للشجر؟
بيروتُ
أيّتها المدينة المُعضلة،
كيفَ يُصارعُ نصفُكِ نِصْفَكِ
أزيحي عن العُروبة هٰذا النّصيف
لتظهرَ مساوئِها المُنْتِنَة.
كيف تصارعين السُّحب العنقوديّة لوحدك؟
بيروتُ
عيناكِ العناقيدُ الملغومة
تقولين
يُعيد التاريخ نفسَهُ.
لماذا؟
لماذا يعيد التاريخ نفسَهُ؟
أيّتها الطفلة المحروقة
أيتها الطفلة المبتورة
أيتها الطفلة المختوقة
اسمعي عن طفل واحد
في وطنٍ واحد
حمل الأحداقَ رصاصًا
يُطلقُهُ في الوطن المحروق
ينظرُ في الأفق القاصي
والقاسي
وتنفرط االدموع من عينيه
ويلتطم النهرُ على خدّيه، الأيسر والأيمن.
”ناصر“
الولدُ الباحثُ عن والدهِ
يُحبّه الجنودُ حُبًّا جمًّا
فيغدقون عليه الهدايا
من خبز ومن ماء
لكنّهم نخروا فيه الطفولة.
بيروتُ
يا عروسَ القصائد
ومشكاة الأساطير،
حين يُشدّ الخناقُ على عُنقكِ
تجحظُ عيناكِ الحمراوان
لتُبصري عدوّك من كلّ جانب.
بيروتُ
يا عدوّة بيروت.
ممّن تنتظرين الفرج
أيّتها المدينة المغدورة
أيّتها الصبيّة المَوْءُودة
تحت رمال الصمت النّفطي
والصمت العنقودي،
لمن تُغنّين في هذا الليل
الموشكِ على التمزُّق
ولمن ترفعينَ آهاتك المُتقطّعة
بتقطُّع أنفاس الرصاص.
بيروتُ
أيّهتا السردابُ المُضيءُ،
بيروتُ
يا مدينةَ الخلاصِ
هل نبكي أم نضحك
أم كلّ شيء على ما يرام؟
شكرًا، لك بيروت، جزيلًا
شكرًا للشوارع المُلتهبة
شكرًا للحمم المُضيئة
شكرًا للنساء والشيوخ والأطفال
شكرًا لبيروت الظلال والفرح.
مرّت على الأحياء بسماتُ قُزح
وتهاوت في الرصيف
كانت البسمة ملقاةً على رمل الطريق
والعيونُ
تُبصر المجدَ الذي ينهارُ
في وضح النهار،
وتغنّي الانتصار.
بيروتُ
أيّها الطفل الذي في الليل ذهب
في غبار المعركة
أو عجاج المعركة،
بيروتُ
أنتِ التي يسمّونك في القواميس ضحيّة،
أنت القضيّة،
والأمل.
*
سبتمبر 1982
تعليقات فيسبوك:
تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.
0 تعليقات:
إرسال تعليق