الاثنين، 21 نوفمبر 2011

نكتة الربيع العربي



الخروج من السّبات لا يأتي بالعودة إلى تعدّد الزوجات، بل بتحديد النّسل وبتزاوج العرب مع المدنية المعاصرة...

سلمان مصالحة


نكتة الربيع العربي


سارع الكتاب والمحلّلون العرب،
مثلما هي الحال دائمًا، إلى تبنّي مصطلح الربيع العربي الذي أشاعته الصحافة الأجنبيّة بخصوص الانتفاضات التي ضربت بعض الأقطار العربية، دون سواها. والحال هذه ليست جديدة، فكثيرًا ما تقع عين المرء حتّى على ترجمات للجغرافيا العربية والتاريخ العربي والأسماء العربية من اللغات الأجنبية منشورة مشوّهة بالأخطاء في الصحافة العربية على طول العالم العربي وعرضه. فالكتّاب والمحرّرون لا يكلّفون أنفسهم عناء الفحص والتدقيق فيما يكتبون وينشرون وهكذا يختلط حابلهم ونابلهم بحابل ونابل القرّاء الذين يمرّون على كلّ هذه الأخطاء مرّ الكرام.

هذه هي أيضًا حال هذا
”الرّبيع العربي“، كما يسمّونه، والذي ملأ الشّاشات، أجنبية وعربية، دون أن يتفكّر أحد فيما هو جارٍ في الحقيقة على الأرض. مرّة أخرى يترجم العرب توصيف أحوالهم دون أن يكلّفوا هم أنفسهم النّظر إلى ما هو جارٍ في ساحاتهم. إنّها حال مضحكة مبكية حقًّا. إذ كيف يتبنّى مثلاً كلّ هؤلاء الطائفيّين في بلدهم الحديث عن ربيع عربيّ بينما هم غارقون حتّى أخمص قدميهم في وحل الطائفيّة، كما هي حال لبنان، على سبيل المثال لا الحصر؟ بل وأكثر من ذلك، كيف يتحدّث كلّ هؤلاء عن ”ربيع عربي“، في الوقت الذي تتحوّل فيه هذه الانتفاضات إلى حرق للكنائس، كما حصل في مصر؟ وكيف يمكن الحديث عن ”ربيع عربيّ“ عندما يخرج عبد الجليل في ليبيا وبعد مقتل العقيد بتصريح أوّل يكشف أنّ كلّ همّه هو إعادة العمل بالشريعة وبتعدّد الزّوجات؟

ولكي لا يُفهَم من كلامي
كما لو أنّي أقلّل من أهميّة هذه الانتفاضات، أقول إنّ جميع أنظمة الاستبداد العربيّة، على شتّى تنويعاتها الملكية والجمهورية، يجب أن تذهب إلى الجحيم. كما أودّ التأكيد على أنّ الخروج ضدّ الاستبداد، كلّ استبداد مهما كان منبعه، هو بلا شكّ خروج مبارك. إنّه مبارك على وجه الخصوص في الحال العربية التي لم تعرف في يوم الأيّام عيشًا خارج الاستبداد. لكن، يبقى السؤال الذي لا مناص من طرحه حول ما يجري في هذا العالم العربي التي تذرو فيه الرّياح الغربيّة كثبان هذه الشّعوب العربيّة فتتحرّك هذه الكثبان في هذه البقعة الشاسعة من الأرض دون أن يعرف أحد أين ستحطّ الرّحال.

فهل هذا هو الرّبيع العربيّ؟
من الملاحظ أنّ هذه الانتفاضات قد نشبت بالذّات في البلاد التي تتّبع أنظمة حكم ”جمهوريّة“. وهي جمهورية شكليّة طبعًا لم تنبن على أيّ أسس جمهورية أصلاً. بل وأكثر من ذلك، لقد ضربت هذه الانتفاضات تلك الأنظمة التي أشبعت النّاس شعارات كاذبة حول العروبة والوحدة والاشتراكية والصمود والتصدّي والمقاومة والممانعة وما إلى ذلك من بلاغة بليدة تدغدغ عواطف العامّة من النّاس، في الوقت الذي كان ينصبّ فيه جلّ اهتمامها على تخليد السلطة القبلية والطائفية حاكمة مستبدّة بالحديد والنّار.

بكلمات أخرى، يمكننا القول إنّ هذه الانتفاضات هي في الحقيقة ضدّ هذه العروبة الزّائفة التي لم تزرع شجرًا، لم تبنِ حجرًا ولم تخلق بشرًا أحرارًا. لقد وضعت هذه الأنظمة نصب أعينها وطرًا واحدًا هو تلقُّف الحكم والاستفراد به إلى أبد الآبدين. إنّها تسير في ذلك على هدي السّلف السالح، منذ أن ظهر هذا السّلف على مسرح التاريخ. يكفي العودة إلى هذا التاريخ العربي لمعرفة ما آلت إليه حال هؤلاء الخلفاء، إذ أنّ الغالبيّة العظمى من هؤلاء الخلفاء قد لقوا مصيرًا كمصير القذّافي من القتل والسحل والتمثيل بجثثهم.

يكفي هنا أن نورد هذه الرواية
عن خطبة أبي سفيان لبني أميّة، مشبّهًا السّلطة بالكرة، إبّان خلافة عثمان بن عفّان: ”يا بني أميّة! تلقّفوها تلقُّف الكرة. فوالّذي يحلف به أبو سفيان: ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولاقيامة“. هذه هي حقيقة الصّراع على السّلطة في هذا التاريخ العربي والإسلامي. وهو التاريخ الذي يتبجّح به الإسلامويون على اختلاف مشاربهم في محاولة لدغدغة عواطف العامّة. يعرف الجميع ماذا كان مصير عثمان في نهاية المطاف. إنّه مصير شبيه بمصير القذّافي بعد قرابة ألفية ونصف من السنين.

حتّى هذه اللّحظة، لا نرى
بشائر حقيقية لربيع عربيّ. لا نرى برامج وخططًا تهدف إلى إخراج هذه الأمّة من سباتها. الخروج من السّبات لا يأتي بالعودة إلى تعدّد الزوجات، بل بتحديد النّسل وبتزاوج العرب مع المدنية المعاصرة. يجب التأكيد على أنّه لن يحصل تزاوج عربي مع المدنية دون تطليق الماضي العربي بالثّلاثة.

لقد كنت ذكرت في الماضي إنّ العرب هم أكثر شعوب الأرض احتياجًا إلى ثورة أتاتوركية تفصل الدين عن الدولة. إذ أنّه فيما يخصّ العرب، فليس أبو سفيان وأمثاله، بل إنّ أتاتورك بالذّات هو الحلّ.
***
نشرت:
”إيلاف“، 21 نوڤمبر 2011
_________________

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

سلمان مصالحة

وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

”سورية تختلف عن مصر،
وعن تونس“، هذا ما صرّح به بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة التليغراف، ولم يكتف بذلك، بل أضاف: ”التاريخ مختلف، والسياسة مختلفة“. هذا الكلام ليس جديدًا. لقد كرّر الأسد الآن ما كان صرّح به قبل شهور في مقابلة سابقة مع ”وول ستريت جورنال“، وقد تطرّقت لذلك آنئذ في مقالة لي بصحيفة ”هآرتس“ العبرية.

ما من شكّ في أنّ الرئيس بشّار الأسد كان قد ترعرع، كما ترعرع غيره في هذه البقعة من الأرض، على كلّ تلك الشعارات العاطفية القائلة: ”أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة“، والتي أثبتت الأيّام زيفها وزيف رافعيها.

لقد ذكرت في حينه أنّ الأسد على حقّ. نعم، فسورية تختلف عن تونس وتختلف عن مصر. ففي تونس رحل زين العابدين ولم يأمر الجيش التونسي بقمع التونسيين المنتفضين. وفي مصر استقال، أو استُقيل، مبارك ولم يُؤمَر الجيش بأيّ حال بإطلاق النّار على المنتفضين المصريين.

نعم، سورية تختلف عن تونس وعن مصر. بل وبشّار الأسد يختلف عن زين العابدين بن علي وعن حسني مبارك. فبمجرّد إجراء مقارنة أو موازنة بسيطة ممّا جرى في الآونة الأخيرة بينه وبينهما، سيتّضح لكلّ ذي بصر وبصيرة أنّ الكفّة ستميل لصالحهما، بينما هو أكثر شبهًا بسيف الإسلام القذّافي. الفرق الوحيد بينه وبين سيف الإسلام هو أنّ هذا الأخير كان على وشك أن يرث رئاسة والده العقيد، بينما بشّار الأسد قد ورث فعلاً رئاسة أبيه الذي استبدّ بسورية عقودًا طويلة مستخدمًا النّار والحديد. ولقد مضى على الوراثة أكثر من عقد من الزّمان حتى الآن.

والآن، يبدو أن هنالك حاجة
إلى دراسات معمّقة، وفي مجالات معرفية مختلفة، لفهم حقيقتنا نحن العرب. فها أنذا أجد نفسي مضطرًّا إلى اقتباس بيت من شعر المتنبّي وإلباس حالنا العربيّة به في هذا الأوان، إذ يمكننا القول:
لكلّ داء دواءٌ يُستطبّ به - إلاّ ”العروبة“ أعيتْ من يداويها.

ولماذا أسوق هذا الكلام الذي لا يبدو أنّه سهل على الأسماع؟

والإجابة على هذا التساؤل
ليست سهلة هي الأخرى، إذ يبدو أنّ أمراض ”العروبة“ فعلاً قد أعيت من يداويها. فطالما سمعنا عن الأجيال العربية الجديدة تلك التي وصلت إلى مواقع ووظائف سلطانية مرموقة أو غيرها، وعن الآمال المعلّقة عليها. طالما كُتب وأشيع أن هذه الأجيال التي درست في جامعات العالم المتحضّر قد تعلّمت شيئًا من هذا التحضُّر لدى تلك المجتمعات.

ولكن، وعلى ما يبدو، فإنّ ثمّة أمورًا عصيّة على الأفهام، وهي التي بحاجة إلى إجراء دراسات معمّقة حولها من أجل فهم أصولها. إذ يتبيّن بعد سنين طوال أنّ التحضُّر الذي يحاول هؤلاء الظهور بلباسه ليس سوى قشور. وهذه القشور سرعان ما تتطاير مع أوّل تجربة يخوضها هؤلاء في مجتمعاتهم. إذ يبدو أنّ هذه المجتمعات العربيّة هي أكثر شبهًا بالثقوب السّوداء الفلكيّة التي تجذب وتبتلع كلّ شيء ولا تدع أيًا منها يرسل أيّ بصيص نور، أيّ بصيص أمل.

هكذا، وبين ليلة وضحاها، أضحى الليبيّون المنتفضون ضدّ العقيد في عرف ابنه سيف الإسلام الذي درس في الغرب كما هو معلوم، جرذانًا. وهكذا أضحى السوريّون في عرف زبانية بشّار الأسد، وهو الدكتور المتخرّج من جامعات الغرب، مندسّين وما إلى ذلك من توصيفات. ولذلك فهو يرسل جيشه وعصاباته لقتلهم وسحلهم في الساحات.

هكذا، إذن. بعد أن يعود هؤلاء من الغرب حاملين شهادات عليا ،وما شابه ذلك، فإنّهم يعودون إلى أصولهم وكأنّ كلّ تلك السنوات في الغرب قد ذهبت هباء. فهل الطّبع العربي البَرِّي يغلب التطبُّع البِرِّي؟

نعم سورية تختلف
عن مصر وعن تونس. إنّها أكثر شبهًا بالعراق للتّعدّد القبلي، الطائفي والإثني فيها وما ينساق مع هذا التّعدُّد من عصبيّات إثنيّة وطائفيّة. فمثلما اختزل سفّاح العراق صدّام حسين بلاد الرافدين بشخصه وبزبانية قبيلته وطائفته والمنتفعين، كذا هي الحال مع سفّاح الشّام الذي يختزل سورية بشخصه وبزبانية قبيلته التي رفعت شعار العروبة الكاذب. وها هو أخيرًا يكشف عن زيف هذا الشّعار البعثي، فلا أمّة واحدة ولا رسالة خالدة، فسورية تختلف عن مصر وعن تونس. نعم، سورية هي عائلة واحدة ذات وسادة بائدة. هي نظام مافيوزي في نهاية المطاف وليس أيّ شيء آخر.

ولأنّ سورية تختلف
عن مصر وعن تونس، فحريّ بالمعارضة السوريّة أيضًا أن تكون على قدر المقام، كما يقال. وهذا يعني أنّ عليها أن تكون بالمرصاد لكلّ أولئك المهووسين من إسلاميين تكفيريين على اختلاف مشاربهم، كالقرضاوي ومن هم على شاكلته من أصحاب العمائم التي أضحت أكثر شبهًا بكواتم عقول على الرؤوس. هؤلاء الذين يصرخون ليل نهار في منابر التكفير المختلفة في مشارق العرب ومغاربها باثّين سموم الكراهية الطائفيّة والدينيّة في أذهان العامّة.

ولهذا اقتضى الحذر أيضًا من أمثال هؤلاء وقبل فوات الأوان. إذ أنّ هؤلاء وبسمومهم تلك يقومون يتفتيت ما تبقى من خيوط رابطة لهذه المجتمعات. وهي خيوط واهية في الأصل على كلّ حال، فبدل تقويتها يقومون بتمزيقها بسمومهم المبثوثة في النسيج المجتمعي العربي.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت في: إيلاف، 31 أكتوبر 2011
________________

الخميس، 8 سبتمبر 2011

منتهى العجب في أحوال العرب


سلمان مصالحة ||

منتهى العجب في أحوال العرب

من الأمثال الشعبيّة، نعرف مقولة ”كالغريق الذي يتشبّث بحبال الهواء“. ولعلّ في هذه المقولة ما يوجز الحال التي آلت إليها الأوضاع العربيّة في العقود الأخيرة. والحقيقة أنّ هذه الحال قد بدأت مع انحسار الاستعمار الغربي وحصول هذه المنطقة العربية على ما يسمّى ”الاستقلال الوطني“، في هذه البقعة أو تلك وانتظام هذه الدول الوليدة في مؤسّسة أنشأها لها الاستعمار، ونعني بها المؤسسة التي تدعى ”جامعة الدّول العربيّة“.

لم تكن هذه الجامعة جامعةً للعرب في يوم من الأيّام، وإنّما كانت مجرّد منتدى يلتئم فيه أصحاب ”الجلالة والفخامة والسموّ“ لالتقاط الصور وتوزيعها على الإعلام الرسمي العربي لتخدير النّاس. لم يكن في كلّ هذه المؤتمرات جلالة. لم تكن فخامة ولم يكن سموّ في يوم من الأيّام، بل كان عامّة العرب يشهدون مسرحيّات من ”المراجل اللغوية“ ومن ”المهازل الدّعويّة“.

لقد تطرّقت في الماضي إلى هذه الجامعة ووقفت على سخفها منطلقًا من النّظر إلى موقعها على الإنترنت. ولقد كشفت آنذاك عن أنّ موقع الجامعة العربية يترجم موادّ موقعه عن اللغة العبريّة بالذّات. وها أنا أعود إلى موقع هذه الجامعة بعد تسلّم نبيل العربي الأمانة الجديدة. فماذا نجد؟ لقد تبدّل الموقع شكليًّا، لونًا وهيئة، غير أنّه لا يزال ضحلاً وركيكًا كسابقه. فهل هي ضحالة وركاكة هذه الأمّة؟ قد يكون. وعلى ما يبدو فإنّّهم في هذه الجامعة لا يقرؤون، إذ أنّه وبحسب هذا الموقع لا يزال الاستيطان الإسرائيلي قائمًا في قطاع غزّة، بل ويذكرون عدد المستوطنين الإسرائيليين في قطاع غزّة. هذه هي جامعة دول العرب. إذن، والحال هذه، ليس صدفة عدم وجود أيّ جامعة عربية ضمن التدريج الدولي لأفضل 500 جامعة في العالم. لا بأس فللعرب جامعتهم التي تشهد على مستواهم، والمهمّ أن تعمل هذه الجامعة على دعوة ”أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ“ لمؤتمرات الدردشة، ولتخرج بعدئذ ببيانات الدروشة.

لقد أغرق الاستبداد ”الثوري“ العربي الأقطار العربية ”الثورانيّة“ في بحر من الجهل بواسطة إشاعة الشعارات العاطفية المستندة إلى بلاغة عربية تليدة وبليدة يترعرع عليها العرب في مدارسهم دون مساءلتها. ولهذا، فهي منطبعة في ذهنيّاتهم نقشًا في البشر كالنّقش في الحجر. فما من عجب، إذن، إذا جهل العرب ”فوق جهل الجاهلينا“.

أمّا العرب الغارقون
في بحر من الجهل والاستبداد فإنّهم يحاولون التّشبّث بحبال ولو كانت هذه مصنوعة من هواء ومن ريح. أمّا هذه الحبال فقد تأتي ”بما لا تشتهي السّفنُ“. وفي أوضاع العرب المتأزّمة، لا أسهل من أن ينحي العربي باللائمة على أيّ طرف خارج ذاته ويُعلّق على هذه الأطراف الخارجية أسباب فشله. كذا تفعل الأنظمة وكذا يفعل عامّة النّاس. طالما شجّعت الأنظمة الاستبدادية ”الثورانية“ تلك البلاغة التي أشاعت ثقافة المؤامرات الخارجية بغية دغدغة العواطف فتلقّفت هذه الشعارات شرائح واسعة من الخاصّة والعامّة. وحقيقة الحال هي أنّ هذه الأنظمة المستبدّة كانت مشغولة ببقائها على صدور النّاس ليس إلاّ. لم تبنِ هذه الأنظمة دولاً ولم تخلق شعوبًا، بل استبدّت بالبشر والشجر والحجر. ولقد تعاونت مع هذه الأنظمة المستبدّة شرائح واسعة ممّا يُطلق عليهم مصطلح ”المثقّفين“ من تيّارات قومويّة ويساريّة على اختلاف مشاربها بغية الفوز ببعض الفتات من موائد اللئام المتشبّثين بسلطات الاستبداد التي ترفع شعارات ”المقاومة“ و“الممانعة“ وما إلى ذلك من مصطلحات ورثت في هذا العصر مصطلحات ”الصمود“ و“التصدّي“ التي أكل عليها الدهر وشرب.

بين أحمدي نجاد وطيب أردوغان:
وها هو العالم العربي المترامي الأطراف، والمتراخيها أيضًا، قد وجد نفسه بعد عقود طويلة من الاستقلالات ”الوطنية“ في سفينة هشّة بعد أن نخرتها جرذان الأنظمة القبليّة تتلاطمها الأمواج العاتية من كلّ الجهات. لقد ورد في المأثور العربي قديمًا: "الشعوب جمع شعب بفتح الشين وهو أعظم من القبيلة وتحته القبيلة ثم البطن ... فمضر وربيعه وأمثالهما شعوب. وقريش قبيلة وبني عبد مناف بطن وبنو هاشم فخذ" (أنظر: ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل).

إنّه عالم عربي قبليّ على وشك الغرق يحاول التشبّث بكلّ شيء، فمرّة تجتذبه سفينة أحمد نجاد بشعارات ”الشيطان الأكبر والأصغر“، ومرّة تجتذبه سفينة أردوغان بشعارات ”فكّ الحصار عن غزّة“. وكلّ واحد منهما، وهما من غير العرب، يفعل ذلك باسم فلسطين طبعًا، لأنّ هذا الشعار طالما استُخدم كالطُّعم الذي يدغدغ العواطف بغية اصطياد القبائل العربية، وعلى وجه الخصوص مقابل سفينة الغرب وإسرائيل. لقد ذكر ابن جزي ذاته في معرض تعريف مصطلح الشعب أنّ: ”الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل".

وها هي ”الشعوب“ أي القبائل، العربية
تنتفض ضدّ هذه الأنظمة العربية. إنّها انتفاضات عربيّة شعبيّة ضدّ مخلّفات الاستبداد الناصرية والبعثية والقوموية وبقيّة أذرعها السرطانية في العالم العربي. حتّى هذه اللحظة، لا نعرف المنحى الذي ستتخذه هذه الانتفاضات. حتّى هذه اللحظة، لا يمكن أن نسمّي هذه الانتفاضات باسم ”ثورات“. لأنّ الثورة الحقيقية هي هدم ركائز الماضي الاجتماعية والسياسية والثقافية ووضع أسس جديدة ومتينة لبناء جديد. الثورة الحقيقية يجب أن تؤدّي إلى إحداث قطيعة مع الماضي، على ما يمثّله هذا الماضي من نعرات قبليّة، طائفيّة، دينية وعرقيّة. في هذا الماضي وفي هذا التراث تكمن جذور الاستبداد، وما لم يتمّ تجفيف هذه الجذور فإنّ أشجار الاستبداد هذه ستنمو من جديد بصورة أو بأخرى عاجلاً أو آجلاً. ولذا وجب الحذر.

والعقل ولي التوفيق
*

نشر في: ”إيلاف“، 8 سبتمبر 2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 25 أغسطس 2011

جاء دورك، يا فلان!


سلمان مصالحة

جاء دورك، يا فلان!

من الواضح أنّ
صفحة العقيد البليد التي تُطوى هذه الأيّام في ليبيا، ما كانت ستنتهي بنجاح بدون دعم من القوى الغربيّة التي تغير طائراتها منذ شهور في محاولة لكسر شوكة الترسانة العسكرية التي عمل عليها هذا ”الكاتب والفيلسوف والمنظّر“، كما كان يحلو له توصيف نفسه. وهو الذي وصل إلى حكم ليبيا بانقلاب عسكري وظلّ حاكمًا طوال أربعة عقود ونيّف.

كذلك، من الواضح
أنّ كلّ ذلك ما كان ليتمّ لولا خروج أبناء الشعب الليبي كاسرين هم أيضًا جدار الخوف أسوة بجيرانهم التونسيين والمصريين. لقد أناخ هذا العقيد البليد كلكله على صدور الليبيّين عقودًا طويلة سائرًا على نهج سلف من ”عسكر العربان“ الذين اغتصبوا السلطان رافعين شعارات غايتها فقط دغدغة الوجدان ليس إلاّ.

ومن الواضح أيضًا
أنّ الانتفاضات العربيّة هذه التي تشهدها أقطار بعينها في ”العالم العربي“، إنّما هي انتفاضات ضدّ مخلّفات هؤلاء العسكر الذين اغتصبوا السلطان في الأقطار العربية التي خرجت من الاستعمار الغربي القصير الذي خلف الدولة العثمانية التي امتدّ سلطانها على العرب قرونًا من الزّمان.

ليس صدفة، إذن،
أنّ شرارة هذه الانتفاضات العربية قد قفزت على تلك الأقطار التي يحكم فيها الملوك والأمراء في عالم العرب. إنّ هذه الظاهرة جديرة بالنّظر فيها بتؤدة وبتبصّر جذورها، وذلك بغية عبورها إلى برّ عربيّ آمن لما هو آت من زمان.

في هذا السياق، يمكن
القول إنّ هذه الأنظمة التي أُطلق عليها جمهورية، وشاء العقيد البليد التفرّد باستخدام جمع الجمع - أي الجماهيرية، لم تكن في حقيقة الأمر جمهورية، بدءًا بعسكر عبد الناصر وانتهاء بانقلابات عسكر البعث في سورية والعراق وسائر عساكر البلدان العربية. الشعارات الرنّانة الطنّانة لدى هذه الطغم العسكرية كانت شيئًا، بينما الواقع كان شيئًا آخر مختلفًا تمامًا.

لقد حوّل هذا العسكر
تلك الأقطار إلى إقطاعيّات للحزب الواحد والزّعيم الواحد الأحد إلى يوم يبعثون. وفي الحقيقة شكّلت كلّ تلك الأحزاب بشعاراتها الطنّانة مجرّد غطاء لسلطان الاستبداد القبليّ والطائفيّ، يحكم بالحديد والنار ويحزّ رقاب العباد. وفوق كلّ ذلك، فقد نهب هؤلاء الموارد الوطنيّة وأقطعوها للمقرّبين من محازبين وقبليين آخرين، بينما عاش سائر النّاس في الحضيض. لم يأت هؤلاء العسكر بأيّ جديد، اللهمّ إلاّ بالطغيان الجديد المتلبّس بشعارات ”ثورية“ و“عروبية“ وما إلى ذلك من بلادة بليغة. وهذه هي بالضبط البلاغة التي تُفضي برافعيها إلى وصف أبناء الشعب بالـ“مندسّين“ أو بالـ“جرذان“.

ولو أجرينا مقارنة
بين هذا النوع من الأنظمة، وبين الأنظمة العربية الأخرى، الملكية، لرأينا أنّ تلك الأنظمة الملكيّة كانت أرحم بالعباد من مُدّعي ”الثورية“ ومُدّعي ”العروبية“. وهكذا يمكننا القول إنّ أنظمة العسكر التي ربخت على صدور الناس في بلاد العرب كانت بصورة أو بأخرى شبيهة بالـ“حَمْل“ المجتمعي العربي خارج حدود التقاليد النكاحيّة العربيّة.

ولهذا، يمكننا أن نصف
حال الإطاحة بهذه الأنظمة العسكريّة القبليّة العربيّة كنوع من ”القتل على خلفيّة شرف العائلة“. وهذا هو تقليد عربيّ لا زال قائمًا في المجتمعات العربيّة. وبكلمات أخرى، ليس فقط أنّ هذا العسكر قد اغتصب الشّعوب العربيّة وسرق الأوطان، بل إنّه قد فعل ذلك خارج حدود تقاليد العرب، وهي تقاليد أميل إلى الملكيّة منها إلى الجمهورية، وذلك بسبب الطبيعة القبليّة لهذه المجموعات البشرية التي تنتمي إلى الحضارة المسمّاة عربية.

وعندما أقول ذلك،
فلست أعني أنّ الأنظمة الملكية العربية هي أنظمة متنوّرة، بل أقول ذلك مقارنة بهذا الاستبداد العسكري والقبليّ والجرائم التي تقترفها الأنظمة الأخرى. أمّا بخصوص الأنظمة الملكية العربيّة التي تتلاءم مع الطبيعة العربية منذ ظهور العرب على مسرح التاريخ، فلا يمكن أن تبقى هي الأخرى على ما هي عليه الآن. بل يجب أن تنزع إلى العبور للملكية الدستورية على غرار الملكيّات الأخرى القائمة في أوروبا وفي أماكن أخرى من العالم. وإذا لم تفعل ذلك، فمصيرها هي الأخرى إلى زوال طال الزّمن أو قصر.

والآن، جاء دور فلان
الذي يقوم منذ شهور بإرسال دبابات عسكره وببوارج بحريّته لقصف أبناء شعبه المنتفضين ضدّ هذا الاغتصاب السّلطوي البعثي القبليّ المستمرّ هو الآخر في سورية منذ عقود. لقد جاء الآن دور انقلاع هذا النّظام الفاشي إلى غير رجعة.

أمّا مصير الانتفاضات العربيّة،
فلا يسعنا سوى القول: لن تستقرّ أحوال هذه البلدان التي انظلقت فيها شرارات التغيير إلاّ بالتحوّل إلى أنظمة مدنيّة معاصرة. ومعنى ذلك، الوصول إلى إجماع شعبيّ بدولة المواطنة المتساوية الواحدة التي تفصل الدين عن الدولة، وإلى إقرار دستور يسمح بتعدّد الأحزاب وإفساح الحريّات العامّة لكلّ المواطنين. وفي الوقت ذاته، يجب الوصول إلى إجماع أيضًا بحظر الأحزاب الدينية والعرقية والطائفية، لأنّ كلّ هذه الخلفيات هي البذور التي تخرج منها أوبئة المجتمعات العربية التي تفتك بها منذ قرون. وفي الوقت ذاته، يجب تحديد مدّة الرئاسة لدورتين انتخابيّتين لا تتعدّان عشر سنوات، يُحال بعدها الرئيس إلى التقاعد.

لقد آن الأوان أن يشيع في الثقافة العربية مصطلح ”الرئيس السابق“ وهو على قيد الحياة، بدل تخليد مصطلحات ”الطاغية“ و”الرئيس الراحل“ أو ”الرئيس المقبور“.
وما لم يتمّ ذلك، فلن يتغيّر شيء في بلاد العرب.

والعقل ولي التوفيق
*
______________

السبت، 13 أغسطس 2011

أسماء اغبارية | أين الجمهور العربي؟

إن هذه المرحلة الجديدة ستقبر التعصب القومي العربي والخطاب المتطرف داخل اسرائيل، تماما كما بدأت تقبر التعصب القومي اليهودي وتحشره في الزاوية. ان التعصب والانغلاق القومي العربي لم يحقق أي انجاز بل على العكس، عزل الجماهير العربية....

أسماء اغبارية | أين الجمهور العربي؟
(دور الشباب العرب في الحراك الاجتماعي الاسرائيلي)

بنفس شعار الثورة العربية وبنفس النغمة والوتيرة ردّد 150 الف متظاهر في انحاء اسرائيل باللغة العبرية مطلبهم: "الشعب يريد عدالة اجتماعية"، وطالبوا بنيامين نتانياهو بالاستقالة. كانت هذه اكبر مظاهرة على خلفية اجتماعية اقتصادية عرفتها البلاد. وكنت بين من تزاحموا في شوارع تل ابيب في ذلك اليوم، السبت 30/7، وكانت هذه اول مرة اشعر فيها، وانا اليافية، بان هذا البحر الهادر من الجماهير يستوعبني ويقبلني بل ويردد الهتافات بعدي، وقد تلاشت فوارق القومية والدين والجنس، ولو ليوم واحد.

ليس امرا بديهيا ان تتبنى تل ابيب، نيويورك الشرق الاوسط، شعارات العالم العربي، وتستلهم ثوراته وتطرح مطالب شبيهة جدا أمام زعمائها وتصدمهم هذه الصدمة التي لا يعرفون بعد كيف يستوعبونها او يواجهونها.

بعد المظاهرة التي استمرت اربع ساعات وانتهت بعد منتصف الليل، جلست الى احد قادة الحراك الشبابي، ريجيف كونتاس، وحدثني بلغة عربية مصرية متكسرة ومع ذلك واضحة، بانهم استمدوا الإلهام من ميدان التحرير في القاهرة. وقال ايضا ان الشرق الاوسط هو بيته وليس اوروبا والولايات المتحدة. لا شك ان هذا الحراك الاحتجاجي يعبر عن تحول عميق في الوعي الاسرائيلي لدى شرائح تتزايد في الاتساع، والتي فقدت ثقتها بالديمقراطية الزائفة وبالساسة الفاسدين.

لقد تجرأت الجماهير الاسرائيلية ان تخرج للشوارع، وان تضع جانبا خوفها على "دولتها" من اعدائها العرب المتربصين بها وتتنازل عن حاجتها لإظهار "التماسك" اليهودي، الصهيوني، الاسرائيلي سمّه ما شئت، مقابل البحر العربي الذي يهدد بابتلاعها. وكان اول من كسر هذا الخوف وهذا التقليد السياسي، هو الشعوب العربية نفسها عندما وضعت هي ايضا خوفها ومفاهيمها السياسية التقليدية جانبا، وحددت ان انظمتها العربية بغض النظر إن كانت موالية لاسرائيل او معادية لها - هي عدوها الاساسي وان خطابات المقاومة جاءت لتغطي على اهداف الانظمة وهي إدامة حكمها واستعباد شعوبها ونهب ثروات البلاد. لم تعد الشعوب تشتري الشعارات التي تعتبر اسرائيل العدو الاوحد، ولا! لا اقول ان العرب صاروا يحبون اسرائيل او احتلالها البغيض او عنصريتها، ولكن اقول ان الاجندة الاجتماعية-الاقتصادية هي التي تحرك ملايين العرب وتدفعهم للموت في سبيل الحياة.

الشباب الاسرائيلي استوعب ان هناك خطابا عربيا جديدا، لا التحريض الأعمى ضدهم الذي سيطر عليه بن لادن ونصر الله وامثالهما، وكان من السهل والطبيعي ان يتعاطفوا مع مطالب العرب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية لان القاسم المشترك كبير جدا. واذكر ان احد الشعراء الشباب من تل ابيب، روعي أراد اسمه، كتب رسالة لأخبار الادب في القاهرة مباشرة بعد اندلاع ثورة 25 يناير يقول فيها: انا فخور باني مواطن الشرق الاوسط.

خرج الشباب الاسرائيلي للشوارع على قضية بعيدة من ان تكون مسألة حياة او موت: عدم قدرة الشرائح الوسطى اليهودية على استئجار شقة ناهيك عن اقتنائها، وهذا ما جعلهم ينصبون خيمهم في جادة روتشيلد بتل ابيب، اكثر شوارع الدولة تألقا. ولكن سرعان ما اتسع الاحتجاج ليشمل كافة القضايا الاجتماعية الاقتصادية التي يواجهها اليوم المجتمع الاسرائيلي بعد اكثر من 30 عاما من اتباع اقتصاد السوق الحرة والخصخصة: غلاء الأسعار، ظروف العمل، الصحة، التعليم، حقوق الاطباء، العاملين الاجتماعيين والمعلمين، وحقيقة ان اكثر الاجراء يعيشون من الحد الادنى للاجور.

في المظاهرة نفسها عُرض فيديو قصير لنتانياهو يفاخر فيه باستقرار بلاده مقارنة بالزلزال الذي يهز العالم من شرقه لغربه بسبب الازمة الاقتصادية التي تجاوزت اسرائيل، وحظي الفيديو بهتافات مناوئة من المتظاهرين الذين عادوا لترديد شعارهم "الشعب يريد عدالة اجتماعية"، وجعلوا من نتانياهو مهزلة.

وبالفعل، كان يبدو ان شيئا لا يهدد هذا الاستقرار الثقيل لحكومة بيبي اليمينية، الأكثر تطرفا على الاطلاق. لا الفلسطينيين، لا غضب المقاومة، لا وعيد ايران، لا زعل اوباما، لا العزلة الدولية، لا المقاطعة، لا بلعين ولا نعلين، لا شيء. نقطة القوة التي ضمنت للنظام البقاء رغم الجمود السياسي، كانت النمو الاقتصادي. وخلافا لاسبانيا واليونان اللتين وقفتا عند عتبة الافلاس، لا تزال اسرائيل تتمتع بنسبة نمو مرتفعة وتراجعت البطالة فيها الى 5.7%، في حين يصل معدل الاجور الى 8000 شيكل شهريا (2400 دولار تقريبا). الى ان انكشفت الحقيقة المرة امام جماهير الطبقة الوسطى الاسرائيلية، وهي ان هذا النمو لا يتغلغل الى الاسفل، بل يتركز في شريحة ضيقة من 18 عائلة غنية صادرت منهم دولتهم.

عشرات الآلاف استفاقوا بعد موت "الحلم الاسرائيلي"، الحلم بان النجاح والمال، الكثير من المال، حليف من يجد ويجتهد. ولسان حال الشباب الاسرائيلي يقول: ها نحن تركنا الضواحي وانجرفنا الى تل ابيب، ها نحن نجد ونجتهد، وها نحن تخرجنا من المعاهد العليا والجامعات، وها نحن نفني انفسنا في ساعات عمل بلا نهاية، وبعقود شخصية، وبلا حقوق اجتماعية، المهم ان نتقدم في السلم الاجتماعي، ها نحن اليهود الشكناز، اصحاب هذه الدولة ومن يخدم في جيشها ومن يبدع ثقافتها، نصحو اليوم على "خازوق" كبير، على واقع نكتشف فيه اننا مسمرون في نقطة البداية، بالكاد ننهي الشهر بمعاشنا.

احدٌ ما سرق البلاد منا، لم تعد دولة اليهود دولتنا بل دولة الاغنياء اصحاب الرساميل الكبار، 18 عائلة تحتكر الاقتصاد وتشتري الساسة وتمص دماء الفقراء وتسحق الطبقات الوسطى تحت اقدامها. لم يعد الحلم صنع الثروات، بل تقلص الى شراء بيت صغير من غرفتين، والسترة. ولكن هيهات، فهذا صار حلما صعب المنال. سمك القرش الكبير لم يترك للاسماك الصغيرة نقطة ماء تلهو فيها. راحت السكرة وجاءت الفكرة.

لا، ليس الاحتلال ما يقض مضاجع الشباب الاسرائيلي مع انه يقلقهم، ولا السياسة الخارجية مع ان العزلة تضايقهم، ولا اقول ان اغلبهم تنازل عن الفكر الصهيوني، ولكن اجزم بأن ما دفع بهم الى الشوارع هو السياسة الداخلية التي صودرت فيها حقوقهم والمضامين الحقيقية للمواطنة والديمقراطية والحرية وموارد البلد، لصالح النخبة الرأسمالية. حالهم في ذلك حال الشباب العرب في كل من مصر، تونس، سورية، اليمن، البحرين، ليبيا وغيرها من المواقع التي لم تثر بعد لفرط القمع والهمجية. الشباب العرب ايضا وضعوا جانبا السياسات الخارجية، ولهم مواقفهم منها بالتأكيد، ولكن ليس على هذا الأمر خرجت ملايينهم الغاضبة، بل في سبيل الحق بالحياة والمستقبل.

شباب الفيسبوك الاسرائيليون، غير المسيّسين، يخرجون ضد نتانياهو والحكومات السابقة، ويخلقون بذلك المناخ لبناء يسار اجتماعي جديد. انهم يكسرون معادلة "اليمين واليسار السياسي" التقليديين، والذي كان في الحالتين يمينا اقتصاديا داعما للخصخصة. وهم في ذلك يفعلون ما فعله الشباب المصري عندما كسروا المعادلة الثنائية "إما مبارك أو الاخوان المسلمين"، وكلاهما يدعم البرجوازية والرأسماليين. يسار اجتماعي جديد بطبيعته يفتح المجال لطرح القضايا العربية لان اليهود اليوم يعانون ما بدأ العرب يعانونه من قبلهم، وهو لذلك نافذة اولى من نوعها للتواصل مع العرب والفلسطينيين.

والآن، أين العرب مواطني اسرائيل من هذا الزلزال الكبير؟ وماذا يفعلوا لكي يؤثروا عليه ويطرحوا من خلاله قضاياهم ومطالبهم. ان هذا السؤال يزداد الحاحا علما ان بعض هؤلاء الشباب يتوقعون منا ان نؤثر، وقد سألني بعضهم بعد المظاهرة - كيف يمكن ان نجذب العرب لينضموا الى الحراك؟ في اليوم التالي للمظاهرة التي افتقدتُ في خطاباتها كلمة "عرب"، تحدث في برنامج (لوندون-كيرشنباوم) بالقناة العاشرة بالتلفزيون الاسرائيلي، احد قادة الحراك، اساف ليفي، وافتتح المقابلة بالاعتذار انه لم يذكر في خطابه موضوع الأخوة اليهودية العربية، وقال ان الموضوع مهم جدا بالنسبة لهم.

لقد غنت جوليا بطرس - وين الملايين؟ وها هي ملايين العرب قد خرجت، وأتساءل - وين المليون؟ اين المليون عربي في اسرائيل؟ طريف بالفعل ان يكون اول من استلهم الاحتجاج من شباب العالم العربي هم الشباب اليهود الاسرائيليون، في حين لا يزال العرب قابعين في بيوتهم، ومن غير الواضح مما هم خائفون وماذا لديهم يخسروه سوى القيود.

اول ردود الفعل من العرب جاءت مخيّبة للآمال، ولا ترتقي لاستيعاب الحدث ولا الى فهم المرحلة التاريخية الجديدة التي دخلناها، ومن ذلك مثلا الادعاء او الشكوى: ان العرب يعانون اكثر من اليهود؛ او، اين قضايانا، مثل مصادرات الاراضي والخنق المتعمد للبلدات العربية وعدم ترخيص بناء المساكن وهلم جرا من مظاهر التمييز العنصري المعروفة والمشهود لاسرائيل بها، اين كل هذا من مشاكل الطبقة الوسطى اليهودية المدلّلة؟ وطبعا لم يغب الادعاء "الكاسح"، بان الصهيونية والتمييز العنصري والاحتلال هي مشاكلنا الاولى وهذه غير مطروحة في الحراك الشبابي الاسرائيلي.

وانا أرى ان وقت الشكوى قد ولّى وانقضى، ولا معنى للمفاخرة بكوننا ضحية وباننا اكثر مظلومين من غيرنا، كما لو كان تعريفنا كضحية عماد هويتنا. حان الوقت للخروج من التقوقع العربي. ان هذه الحركة الاحتجاجية الاسرائيلية تبادر وتطرح التغيير الاجتماعي الاقتصادي، والسؤال الذي سيكون على المجتمع العربي الرد عليه هو: هل نحن مع التغيير الاجتماعي الاقتصادي ام لا؟ هل الحركة التي تطلب العدالة الاجتماعية يمكن ان تفتح نفسها على الجماهير العربية ام لا؟ هل هي يمينية فاشية ام ان اتجاهها ديمقراطي ويساري يضمن ايضا العدالة الاجتماعية للعرب؟ اذا نظرنا الى ارتعاد فرائص اليمين الاسرائيلي وزمر المستوطنين تجاه هذه الحراك وكيف يصادر منهم ومن تطرفهم الشوارع والاجندة وعناوين الصحف، ندرك ان في هذا الحراك مكان لنا ايضا، ومن يرفض الانخراط فيه انما يفوّت علينا فرصة ثمينة للتغيير الملموس ويسبب بذلك ضررا كبيرا للوسط العربي.

إن هذه المرحلة الجديدة ستقبر التعصب القومي العربي والخطاب المتطرف داخل اسرائيل، تماما كما بدأت تقبر التعصب القومي اليهودي وتحشره في الزاوية. ان التعصب والانغلاق القومي العربي لم يحقق أي انجاز بل على العكس، عزل الجماهير العربية. فالشعب يريد التغيير فعلا، يرد المسكن، يريد التعليم، يريد الصحة، يريد العمل والخبز. أليس على الرغيف والحرية خرجت الجموع العربية؟ لقد آن الأوان للاستيقاظ والبحث عن حلفاء داخل الحركة الاحتجاجية الاسرائيلية التي تعبر عن نفس العملية التي تمر بالعالم العربي واسبانيا واليونان، وتشكل لذلك حليفا قويا لقضايانا العادلة، وتستحق الدعم منا ومن كل العرب في كل مكان، فلشعوبنا العربية أسهم فيها ولا مانع في ان نفتخر بأن شعوبنا العربية صارت تؤثر.

اليوم تقود الحراك الطبقة الوسطى، تماما كما هو حال الحراك المصري، وتشارك فيها تيارات مختلفة بعضها يساري وبعضها يميني، ولكن ما سيأتي سيكون اعظم وأعمق، وذلك عندما تعصف الازمة الاقتصادية باسرائيل ايضا. طالما ان البطالة في اسرائيل لم تصل بعد الى 20% كما هي الحال في اسبانيا، ولم يضربها الركود، فالحراك سيبقى محدودا، ولكنه يمكن ان ينتشر كالنار في الهشيم ويحقق ثورة بكل معنى الكلمة عندما يتراجع الوضع الاقتصادي وهذا مجرد مسألة وقت، لان اسرائيل ليست جزيرة معزولة عن العالم.

هناك مؤشرات وقلق بالغ في صفوف النخبة الاقتصادية في اسرائيل ازاء ازمة الديون المتفاقمة في الولايات المتحدة. وقد قال ستانلي فيشر، عميد بنك اسرائيل المركزي، في مقابلة لصحيفة "يديعوت احرونوت" (31/7) بانه اذا تراجعت مكانة امريكا كقائدة للعالم سيكون للأمر انعكاسات خطيرة على اسرائيل بكل ما تعنيه الكلمة. ويؤكد هذا ما قلناه في حزب دعم في وثيقة عام 1999 (بعنوان: القضية الفلسطينية والبديل الاشتراكي) ولا نزال نقوله، بان الوضع الاقتصادي العالمي هو المفتاح لتغيير موازين القوى بما يمكن ان يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني بالتحرر ومصلحة الشعبين العربي واليهودي بالديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، وكجزء لا يتجزأ من شرق اوسط متحرر من طغاته.

في هذه المرحلة نحن في نقابة معا وحزب دعم العمالي حسمنا خيارنا، ونصبنا خيمتنا الحمراء في جادة روتشيلد بتل ابيب، وكنا بين المبادرين لخيمة الاعتصام في الناصرة، ولنا تواجد ايضا في مخيم باقة الغربية. ساحة النشاط واسعة وهي في انتظار المزيد من المبادرات العربية لنؤثر ونغير.
*

نقلاً عن: "الصبار",
ـــــــــــــــ

الخميس، 11 أغسطس 2011

أحمد أبو مطر | من الجنابي إلى سلمان مصالحة، هل هناك أمل ...؟

أحمد أبو مطر

من الجنابي إلى سلمان مصالحة،
هل هناك أمل في مُصالحة مع العقل؟

مقالة الزميل عبد القادر الجنابي المنشورة في إيلاف بتاريخ الحادي والثلاثين من يوليو 2011 بعنوان (حصاد علوي واستفزازات أخرى)، فسّر بعض مضامينها الزميل سلمان مصالحة يوم الثاني من أغسطس 2011 في مقالته بعنوان (هل هو اليأس يا عبد القادر؟). هذا السجال الجنابي المصالحي، أعطاني دفعة من تفكير للدخول في نفس النقاش لأنّه شئنا أم أبينا، أعلنا أم أخفينا، تظاهرنا أم تصارحنا، هو الموضوع الرئيسي للصراع في أكثر من قطر عربي، رغم وجود مسببات وعوامل صراع أخرى أهم، يفترض أن تجمع الجميع شعوبا و وطوائف، إلا أنّ الأنانية العربية والاصطفاف المصلحي الفردي والطائفي منذ نهاية زمن من أطلق عليهم الخلفاء الراشدون، أي أنّ كلّ من جاء بعدهم تحت مسميات (خلفاء) عباسيين أم أمويين أم عثمانيين فهم غير راشدين، وهو ما أدّى بشكل علني لتغليب الاصطفاف المصلحي الطائفي على مواجهة الأخطار الأخرى ليست الخارجية فقط، بل الداخلية الأخطر مثل الفساد وشيوع الأمية والتخلف الذي يضع أغلب الدول العربية في خانة الدول الفاشلة، أو المستهلكة فقط بمعنى لا تنتج ما يمكن تصديره لاستهلاك الدول الكبرى، ما عدا النفط في بعض الأقطار العربية، وأيضا لا فضل للعرب في اكتشافه واستخراجه وتكريره وتصديره، فكل هذه المراحل تتم بفضل العقل والتكنولوجيا الأمريكية والأوربية.

السبت، 6 أغسطس 2011

صباح زوين | لكل جمعة اسمها وموتها

صباح زوين | لكل جمعة اسمها وموتها

الجمعات تتوالى، وجمعة بعد جمعة يتواعد معارضو الأنظمة مع موت إضافي وقتل متجدد ومباح على اجسادهم العزلاء، على أرواحهم الشجاعة وعلى صدورهم العارية، عارية سوى من الجرأة العظيمة·

صحيح أننا رأينا ما رأيناه في الحروب اللبنانية من قتل وتعذيب وقنص وقصف وخطف وويلات لا تحصى، لكن ما شاهدناه الأحد الماضي، ولا نزال، على شاشاتنا، كان أكثر مما يحتمله العقل، كان هائلا ً
وفظيعًا· أذكر ولو بغموض كبير أحداث مدينة العاصي ونواعير المياه والقناطر الرومانية الرائعة، أذكر تلك الأحداث التي حرقت الأخضر واليابس وأزهقت الأرواح قبل ثلاثة عقود، اذكر فتات ما نقلته الينا اخبار شفهية عن شهود عيان من هناك، وخشيت أن يكون ما يحدث اليوم في هذه المدينة التاريخية يبشر بما سبق وحدث فيها آنذاك· الى متى هذا الصمت الخبيث من قبل العالم الغربي والعربي؟! الى متى سيتفرجون ويغسلون ضمائرهم النائمة ببضع كلمات ليست اكثر من ”واجب“ اعلامي يشبه التنديد وليس بتنديد؟! الى متى سيبقى المحتجون معزولين عن اي دعم حقيقي؟

كل جمعة تأتي بسبتها الجنائزي وأحدها الململِم جراحه وإثنينها التحضيري وثلاثائها التظاهري الليلي وأربعائها الرابط بين بقية ايام الأسبوع الخ الخ، فيسمّون جمعتهم التالية بما يرونه مناسباً للحدث والظرف وهكذا دواليك· ما لفتني، هذا التفنن في التسميات، من جمعة الى أخرى، فما من تكرار وما من جمود· تسميات تتبارى في التشكيل والتنويع، في الطرافة والتخييل، وذلك مهما صعبت الظروف ومهما كبرت المطبات وضخمت أحجام المجازر والمخاطر· من جمعة الى جمعة، تتنوع التسميات إذاً وترافقها الشعارات والأغنيات· صحيح ان الشعارات هناك اقل تدبيراً وطرافة وحنكة من التي اطلقناها سنة 2005، لكن ما يطلقونه المعارضون العرب من اليمن الى مصر وصولاً الى سوريا بشكل خاص من تسميات لجمعاتهم، يستحق التوقف عنده والتأمل فيه· انها تسميات مليئة بالحيوية وحب الإبتكار·

ولكن عودة الى الثمن الذي يدفعه كل محب للحرية المطلقة، الحرية المشروعة، الثمن هو أن يدكّ الرصاص أجساداً عارية وبريئة من أي ذنب سوى ذنب المطلب الإنساني البديهي في العيش الكريم· الثمن هو أن يُقتل مجدداً أطفال لم يروا شيئاً من هذه الدنيا سوى الطغيان والتعذيب الروحي والجسدي· وإذا مات الجمعة الماضية طفل جديد آخر من عمر حمزة الخطيب، فقبل ايام قليلة التحقت بهما طفلة مثلهما، طفلة لم تبلغ السابعة بعد، ربما لكي تلعب معهم في جنة الطفولة المفقودة، في جنة حدائق الآخرة حيث ترتاح أرواحهم من مآسي بلدانهم المزمنة·

وساحة العاصي افتقدت حنجرة الشاب قاشوش، افتقدت صوته وتهكمه وعطشه الى الحرية، الى القول الذي لم يقله لا هو ولا الشعب اجمع قبل ذلك اليوم، يوم التظاهر والإحتجاج، وكان قبل ذلك قد انعقد اللسان طويلاً، خوفاً من العبث، وأتى هو ليفك اللسان عنه وعن كل من كان حوله، بحيوية وتفاؤل، الا انه ذهب، وقد اقتلعت منه هذه الحنجرة الذهبية لتلتحق بقافلة الشهداء، ولعله يرى هو والأطفال الشهداء وكل من سبقهم من الشباب، لعلهم يروا كلهم من فوق، يوماً ما، مصيراً أفضل لبلدانهم، وقد دفعوا ثمنه غاليًا.
*
نقلاً عن: اللواء، 6 أغسطس 2011
__________________

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

هل هو اليأس، يا عبد القادر؟

سلمان مصالحة

هل هو اليأس، يا عبد القادر؟

الصديق عبد القادر الجنابي، وهو العراقي الذي يعيش في الغربة منذ عقود ولأسباب تتعلّق بنظام بلده الآفل والتي لا تخفى على كلّ من يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة، مشغول كما نحن مشغولون جميعًا بهاجس الحال التي آلت إليه أوضاع هذه البقعة من الأرض التي سكنتها العرب منذ قرون طويلة.

وعلى الرّغم من الأمل الذي ينتاب الفرد بين فينة وأخرى لهبوب البشر من أبناء جلدتنا العرب ضدّ الظّلم والاستبداد في هذه الأصقاع العربيّة، إلاّ أنّ هذا البصيص من الأمل سرعان ما يخبو أو يكاد يخبو لما يصل الأسماع من كلام ينمّ عن دفائن خبيثة، طائفيّة دينيّة وعرقيّة، هنا وهناك.

لقد نشر الجنابي مؤخّرًا مقالة في “إيلاف” بعنوان “حصاد علوي واستفزازات أخرى”، وسكب فيها مقولات تنمّ عن حالة من اليأس. لقد استثارتني المقالة لأنّنا جميعًا، أو على الأقلّ لأنّ كثيرين منّا، يشعرون بهكذا حالات بين فينة وأخرى. وكيف لا يشعر المرء بالاكتئاب واليأس وهو يرى هذه المجازر التي تنفّذها الأنظمة مرّة والمليشيات مرّة أخرى بحقّ النّاس البسطاء في هذا القطر العربي أو ذاك؟

يبدو أن الصديق الجنابي قد بلغ به اليأس مبلغًا لا يُستهان به، من أحوال وطنه من جهة أولى ومن أحوال هذه الأمّة من جهة أخرى. ولكن، وبقدر مبلغ هذا اليأس الذي تنضح منه المقالة التي نشرها في إيلاف، كذا هو عمق الصّدق الذي تنضح به مقالته. فقط الجهلة من القرّاء سيظنّون أنّه يدعو إلى حرب طائفيّة، وإلى سفك الدماء مثلما قد تُفَسّر كلماته حرفيًّا. وفقط الجهلة سيسارعون إلى اتّهامه بالدعوة لمثل هكذا وضع وهكذا حال.

إنّه يكتب كلّ هذا الكلام لأنّه يرى ما يجري على الساحة. والحقيقة المرّة التي يجب أن تُقال علانية وعلى رؤوس الأشهاد هي أنّ الواقع العربي ومنذ قديم الزّمان دائمًا كان، وهو لا يزال حتّى هذا الأوان مشروعًا قبليًّا طائفيًّا ملتهبًاخافيًا تحت الرّماد ينتظر فرصة هبوب ريح ليظهر على السطح ويأكل الأخضر واليابس.

ولهذا السبب، لا يمكن أن ينبع هذا الكلام الذي يدوّنه الجنابي في مقالته إلاّ من يأس آخر. إنّه ”يأس شعريّ عنيف“ من حال هذه المجموعات البشريّة التي درجت طوال قرون أن تُظهر الخير شعارًا في العلن بينما هي تبطن الشرّ في السرّاء، وفيما بطن. إنّ ما يجري على الساحة العربيّة في هذا الأوان هو خير مثال على هذه الحال النفسيّة، على هذا الفصام. أنظروا إلى ما يجري في الشّام فلكم في بلاد الشّام أسوة سيّئة.

نعم، يجب أن نقول الحقيقة مهما كانت مرّة. لقد سئمنا الشعارات التي أضحت، وطوال قرون طويلة، بمثابة كواتم عقول في رؤوس العرب. إنّ دعوة الجنابي هي دعوة للمصارحة. إنّها دعوة لقول الحقيقة المرّة لتظهر تحت ضوء الشّمس بغية المصالحة مع النّفس.

والعقل وليّ التوفيق!
*
نشرت في “إيلاف”، 2 أغسطس 2011
______________

الجمعة، 22 يوليو 2011

سخافات العربان

سلمان مصالحة

سخافات العربان

(كاريكاتير جديد)
بين فينة وأخرى نجد أنّه ما من مناص من الإشارة إلى بعض الكاريكاتيرات التي تحملها لنا الأخبار عن سلوكيّات العربان. والكاريكاتير هذه المرّة يأتينا من تلك الناحية التي تُعرف بالخليج.

وهذا الخليج كما هو معروف منطقة غنيّة بالنّفط والغاز، وبالإضافة إلى ذلك فهو يعجّ بالأمراء، بالشيوخ وأصحاب السموّ من كلّ ما هبّ ودبّ، ومن كلّ من شبّ وحاز وفاز. كما إنّه تكثر فيه الأحاجي والألغاز. أحاجي الوسواس وألغاز الخنّاس.

والأحجية هذه المرّة لها علاقة بصاحب سموّ فريد. لها علاقة بشيخ ليس كسائر الشيوخ. إنّه صاحب السموّ الشيخ حمد آل نهيان من سلالة أصيلة من ملّة العربان. ولمّا كان الشيخ حمد لا يعرف كيف يصرف كلّ تلك الأموال التي تأتيه من نفط أو من غاز، فقد عقد العزم أن يكتب اسمه في الصحراء ليخلّد ذكرًا له.

ولكي لا يشكّ أحد في هذا التخليد، فقد آلى على نفسه أن يحفر الاسم في الجزيرة بحروف كبيرة تمتدّ مئات الأمتار لدرجة أنّه يمكن رؤية اسمه الحميد من الفضاء. وهكذا كان.

لا ندري كم من الوقت والمال استثمر سموّه في هذا المشروع الذي يُعلي من شأنه ومن شأن أبناء جلدته من العربان. ولعلّه سيسجّل هذا فتحًا علميًّا عربيًّا فريدًا في كتاب چنيس، مثلما عوّدنا العربان في هذا الأوان. فمرّة يسجّلون أكبر صحن حمّص، ومرّة يسجّلون أكبر صحن كنافة. مرّة يسجّلون أكبر تبّولة ومرّة أكبر فقّوسة. وها هم ما شاء الله يسجّلون أكبر اسم محفور في الصحراء.

غير أنّ ثمّة أمرًا لا مناص من الإشارة إليه في هذا الكاريكاتير العرباني الجديد. لاحظوا مدى الاعتزاز بالانتماء لدى هؤلاء العربان. لو تغاضينا بعض الشيء عن المدى الأكبر من السخف الكامن في هذا المشروع أصلاً، فإنّنا أمام ظاهرة فريدة بلا أدنى شكّ. إذ يظهر على الملأ ومن الفضاء مدى عقدة النّقص لدى هذا النوع من العربان. فحتّى الاسم، اسمه لم يكتبه بحروف لغته، لغة العربان. بل بحروف لغة الإفرنج والرومان.

وعلى ما يبدو، فهذه هي الحال مع هذه الملّة. فلا يُملّ من تقليعاتها الغريبة العجيبة، ولا من عقليّاتها الرتيبة. كذا كان وكذا يكون إلى يوم يبعثون.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت أيضًا في: "شفاف الشرق الأوسط"
____________________
قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع