سلمان مصالحة ||
بشرى سارّة - فتوى علمانيّة
كثرت في الآونة الأخيرة الفتاوى،
وهذا بلا شكّ دليل ناصع ساطع قاطع على حيرة كبيرة وجد النّاس أنفسهم فيها جرّاء طبيعة الحياة المتسارعة في هذا العصر المُعَوْلم. والحقيقة أنّه لا بأس في ذلك، ما دامت كلّ هذه الفتاوى تتطرّق إلى أمور سخيفة، أو مثيرة للضّحك في الكثير من الأحيان. فما من شكّ في أنّ إثارة الضّحك في نفوس بني البشر لها ميزات صحيّة لا بأس بها، كما أنّ الطبّ الحديث يوصي بالضّحك كوسيلة للتّخفيف عن آلام المرضى. لذلك درجت مستشفيات كثيرة في العالم على استحضار المهرّجين إلى أروقتها، وذلك بغية إشاعة الضّحك لدى المرضى النّزلاء، وخاصّة لدى الأطفال منهم.
ومن بين تلك الأمور الّتي تثير الابتسامات نذكر، على سبيل المثال فقط، ما قد أشيع في الصّحافة العربيّة قبل مدّة. فقد صدرت فتوى بتحريم الإنترنت على المرأة، وذلك: "بسبب خبث طويّتها، وأنّه لا يجوز للمرأة فتح الإنترنت إلاّ بحضور مُحْرم مُدْرك لعُهْر المرأة ومَكْرها". (نقلاً عن بعض الصحف العربيّة). وإزاء أخبار من هذا النّوع، لا يسأل أحد بشأن خُبْث طَوايا هؤلاء من الرّجال، أو عُهْرهم ومَكْرهم. كذلك، وقبل زمن ليس ببعيد شاعت على الملأ "فتوى إرضاع الكبير" وتناقلتها وسائل الإعلام العربيّة والأجنبيّة، فرسمت الابتسامات والضّحك ليس على وجوه الأقارب من العرب فحسب، بل أيضًا رسمت الابتسام على وجوه الأباعد من الأجانب. وقد كنتُ سارعت، بعد نشر خبر الفتوى، إلى عرضها على زميلة، فقالت: وهل أنت بحاجة إلى فتاوى؟ ألست ترضع بفتوى وبدون فتوى؟ ثم أضافت مبتسمة: لا بأس عليك، فزميلاتك، على ما يبدو، مؤمنات بالفطرة.
لكن، ما لنا وللابتسامات وللضّحك؟
فلو أنّ الأمور اقتصرت على هذه الفتاوى لضحكنا ومضينا في طريقنا غير آبهين بها. غير أنّ ما يثير الحفيظة هو توقُّف الكثيرين عند هذه المضحكات بينما يدسّون، كالنّعامات، رؤوسهم في الرّمال، أو يعبّرون بأصوات خفيتة تكاد لا تُسمع عندما يتعلّق الأمر بالأمور الأخطر الّتي تنضح بها فتاوى أُخَر.فعلى سبيل المثال أيضًا، لا زال هنالك، في هذا العصر وفي هذه الأيّام، من يُشغل نفسه بأسئلة من هذا النّوع: "هل المسيحيّ كافرٌ؟". بل ويتمّ استصدار فتاوى بهذه المسائل "المصيريّة".
لنقرأ معًا ما يُفتي به يوسف القرضاوي:"كُفْر اليهود والنّصارى من أوضح الواضحات بالنّسبة لأيّ مسلم، وممَّا أجمعتْ عليه الأمّة على اختلاف مذاهبها وطوائفها، طوال العصور، لم يُخالف في ذلك سُنّيّ ولا شِيعيّ ولا مُعتزليّ ولا خارجيّ، وكل طوائف الأمّة الموجودة اليوم من أهل السّنة والزيدية والجعفرية والإباضية، لا يَشُكُّون في كُفْر اليهود والنّصارى، وكلّ مَن لا يُؤمن برسالة محمد... وسرُّ ذلك: أن كُفْر اليهود والنّصارى لا يدلّ عليه آيةٌ أو آيتان أو عشرة أو عشرون، بل عشرات الآيات من كتاب اللّه، وعشرات الأحاديث عن رسول الله (ص). كما يشهد بذلك كلّ مَنْ قرأ القرآن أو درس الحديث... وأنا أقصد بالحُكْم عليهم بالكُفْر: ما يتعلَّق بأحكام الدّنيا، فالناسُ ينقسمون عندنا إلى قسمين لا ثالثَ لهما، إمّا مُسلم وإمّا كافرٌ، فمَنْ ليسَ بمسلم فهو كافرٌ. ولكنّ الكفَّار أنواعٌ ودرجاتٌ، منهم أهلُ الكتاب ومنهم المشركون، ومنهم الجاحدون الدهريُّون، وكذلك منهم المسالمون، ومنهم المحاربون، ولكُلٍّ منهم حُكْمُه... وعليه فإنّ أهلَ الكتاب من حيثُ العقيدة، أي حيث ينقسمُ النّاسُ إلى مؤمنين وكُفّار، هم في عداد الفريق الثاني، والله أعلم " (عن: الموقع الرسمي ليوسف القرضاوي ).
ومعنى هذا الكلام الصّريح، المُوثّق بفتاوى، هو أنّ البشريّة من غير المسلمين، بقضّها وقضيضها، كافرةٌ ويجبُ التّعامُل معها على هذا الأساس، وبموجب أحكام الكُفّار في الإسلام، وهي أحكام لا تخفى على أحد من ذوي البصر والبصيرة العارفين ببواطن الأمور المُثيرة.
وإذا كُنتم تظنّون
أنّي أُلقي الكلام على عواهنه، فهاكم المثال التّالي: يطلب أحدُهم الاستفسار بشأن قضيّة تُشغل بالَه، على ما يبدو، كثيرًا في هذا العصر والأوان، فيسأل: "ما حُكْمُ أهل الكتاب في الوقت الحاضر في الإسلام؟ هل هم مؤمنون أم كافرون؟" وسرعان ما ينزوي المتفقّهون ويجلسون لتدارس المسألة، ثمّ يخرجون علينا بفتواهم. فماذا يقول هؤلاء؟
لنقرأ معًا: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:أوّلاً: "فقد دلّ القرآنُ والسنةُ والإجماعُ على أنّ من دانَ بغير الإسلام فهو كافرٌ ودينُهُ مردودٌ عليه، وهو في الآخرة من الخاسرين. قال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، وقال تعالى: "إنّ الدينَ عند الله الإسلامُ".ثانيًا: وجاءَ النصُّ القاطعُ بأنّ أهلَ الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد (ص)، أو أشركوا مع الله غيره، أو جحدوا بنبوة نبيّ من الأنبياء أنّهم كفرةٌ ولا يَدْفعُ عنهم الكُفرَ إيمانُهم أو التزامُهم بكتابهم. فلو آمنوا حقًّا بالنبي والكتاب لآمنوا بجميع الأنبياء والرسل... فَكَوْنُهم أهلَ كتابٍ لا يَمْنعُ من كَوْنِهم كُفّارًا، كما نطق بذلك كتابُ الله." (عن: إسلام ويب، مركز الفتوى)
وإذا كان ثَمّ من يظنّ
أنّ هذه الفتوى تتطرّق إلى مسائل تراثيّة تاريخيّة وإلى سياق تاريخي قديم أكل الدّهر عليه وشرب، فهو مخطئ. إذ تستمرّ الفتوى في النّظر والتّمحيص وتدارس الموضوع، فتقول: "إذا تقرّر هذا، فأهلُ الكتاب الموجودون في عصرنا صنفان:
الصنف الأوّل: "صنف بلغته دعوة الإسلام وسمع بالنبي (ص) ولم يؤمن به، فهؤلاء كُفّار في الدنيا، مُخلّدون في النّار في الآخرة إنْ ماتوا على كُفْرهم. والدليلُ على ذلك الآيات المذكورة آنفاً، وقول النبي (ص): (والّذي نفسُ محمد بيده، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالّذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النّار) رواه مسلم...." (انظر: صحيح مسلم).
والصنف الثاني: "صنف لم تبلغهم دعوة الإسلام ولم يسمعوا بالنبي (ص)، فهؤلاء على فرض وجودهم في هذا الزّمان الّذي تقدمت فيه وسائل المعرفة والاتّصال، اخْتَلَفَ العلماء في حُكْمهم في الآخرة، وأرجحُ الأقوال أنّهم يُمْتَحنون في عرصات القيامة، فمنهم المُوفّق النّاجي ومنهم الخاسر المُوبق. أما حُكْمهم في الدّنيا فهم كُفّار باتّفاق أهل الإسلام، تَجبُ دعوتُهم وإيصالُ الهدى إليهم، وتجري عليهم أحكامُ الكُفّار من أهلِ الكتاب."ثمّ تخلص الفتوى إلى القول الفصل التّالي: "وجميعُ ما سبقَ يُعَدّ من الأمور المعلومة بالاضطرار من دين الإسلام، فمن أنْكرَ كُفْرَ اليهود والنّصارى أو شَكّ في ذلك فهو كافرٌ.....". (فتوى رقم 2924، نقلاً عن: موسوعة الفتاوى، الشبكة الإسلامية).
ومثال آخر، من نوع آخر:
ها هو القرضاوي آنف الذّكر ذاته يُفتي بشأن زواج المرأة المسلمة من شخص شيوعيّ قائلاً: "وإذا كان الإسلامُ لم يُجِزْ للمسلمة أن تتزوّج بأحد من أهل الكتاب -نصراني أو يهودي- مع أن الكتابي مؤمن باللّه وكتبه ورسله واليوم الآخر في الجملة، فكيف يُجيز أن تتزوّج رجلاً لا يدين بألوهية ولا نبوة ولا قيامة ولا حساب؟. إنّ الشيوعي الذي عُرفَتْ شيوعيته يُعتبرُ في حُكْم الإسلام مارقًا مرتدًّا زنديقًا، فلا يجوزُ بحالٍ أنْ يَقْبلَ أبٌ مسلمٌ زواجَهُ من ابنته، ولا أنْ تَقْبلَ فتاةٌ مسلمةٌ زواجَها منه وهي ترضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً وبالقرآن إمامًا."
بل يذهب القرضاوي إلى أبعد من ذلك في فتواه بشأن الشّيوعي، فيقول: "وإذا كان متزوجًا من مسلمة وَجَبَ أنْ يُفَرّقَ بينه وبينها، وأن يُحالَ بينه وبين أولاده، حتى لا يُضلّهم، ويُفسد عليهم دينَهم. وإذا ماتَ هذا مُصِرًّا على مذهبه فليس بجائز أن يُغسلَ، أو يُصَلّى عليه، أو يُدفن في مقابر المسلمين. وبالجُمْلة يجب أنْ تُطبّق عليه في الدّنيا أحكامُ المرتدّين والزّنادقة في شريعة الإسلام" (عن: موقع القرضاوي في شبكة الإنترنت).
فإذا كانت هذه هي حال
أهل الكتاب، أو الشّيوعي العربي، في المنظور الإسلامي، فما بالكم بالآخرين من بني البشر، مثل الصّينيّين واليابانيين والكوريين والتّايلنديّين والهنود وسائر الأقوام على وجه هذه الأرض. وكيف ينظر الإسلامويّون إلى هؤلاء النّاس، علمًا أنّ هؤلاء البشر ليسوا "أهل كتاب" بمنظورهم؟ يبدو أنّ أحدًا لا يجرؤ على طلب فتوى بهذا الشأن، لعلمه أنّها ستكون أكثر عُنفًا، فتشكّل فضيحةً مُعولمة مدوّيةً. إذن، إذا كانت هذه هي الحال، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، كما تشير الاقتباسات الّتي أثبتناها أعلاه، فما الحلّ مقابل هذا العداء الصّارخ، الّذي تنضح به هذه الفتاوى، لبني الإنسان من غير المُسلمين؟
لم يعد، والحال هذه، من سبيل أمامنا، سوى التّأكيد على وجوب فصل الدّين عن الدّولة دستوريًّا، وحظر الأحزاب الدّينيّة في العالَم بأسره، وأيًّا كانت تلك الأديان. كما ننصح سائر بني البشر بالعمل على هدي الفتوى التّاليّة:
فتوى علمانيّة
سألني سائل: "نلاحظ في السّنوات الأخيرة رحلات كثيرة يقوم بها زعماء عرب،
أو شيوخ، "علماء" متفقّهون، من الّذين يُكفّرون سائر بني البشر، حيث يأتون
إلى بلاد الكُفْر طلبًا للعلاج لدى أطبّاء الكفّار، فما حُكْم
هؤلاء؟"
وفي الإجابة على سؤال السّائل الكريم يقول العبد الحقير، الفقير إلى رحمة عقله:
"الحُكْم في هذه المسألة ليسَ بالأمر الهيّن كما قد يتبادر إلى الأذهان. فلمّا كُنّا نؤمن بوحدة بني البشر ووحدة الكون والوجود في كلّ زمان ومكان، ولمّا كُنّا لا نفرّق بين البيضان والسّودان، بين السُّمْران والشُّقران، أو بين الذّكور والنّسوان وبين الإنس والجان، فإنّا نرى واجبًا على من كان من ملّة الإنسان أن يَنْزعَ فورًا إلى علاج من جاءه طالبًا العون ودون لفّ أو دوران. وذلك، بشرط أن يتمّ إبلاغ هذا الجائي دعوتنا إلى وحدة بني البشر لا يُكفّر فيها أحدهم الآخر. فإن قبلَ هذه الدّعوة وارتدعَ عمّا هو فيه من ضلالة وبهتان صار له ما لنا، وله أن يحلّ بين ظهرانينا مُعزّزًا مُكرّمًا مُطَبّبًا. وإنْ لم يرجع أو يرتدع عن دعاواه التّكفيريّة، أو إنْ لم يقبل ما ندعوه إليه من محبّة بني البشر على اختلاف مللهم ونحلهم في السّر والإعلان، فإنّا نقول بجواز تطبيبه لمرّة واحدة فقط، بشرط أن يغرب عن أعيننا، وبلغتنا الشّعبيّة أن "يُرينا عَرْضَ أكتافه"، وألاّ يعود إلى ديارنا بعد اليوم. وبدل ذلك نشير عليه بالتّداوي في بلاده العامرة، ومنذ الآن، ببَوْل البعير أو رَوْث السّعْلاة والضّبعان".
والعقلُ وليّ التّوفيق.
وفي الإجابة على سؤال السّائل الكريم يقول العبد الحقير، الفقير إلى رحمة عقله:
"الحُكْم في هذه المسألة ليسَ بالأمر الهيّن كما قد يتبادر إلى الأذهان. فلمّا كُنّا نؤمن بوحدة بني البشر ووحدة الكون والوجود في كلّ زمان ومكان، ولمّا كُنّا لا نفرّق بين البيضان والسّودان، بين السُّمْران والشُّقران، أو بين الذّكور والنّسوان وبين الإنس والجان، فإنّا نرى واجبًا على من كان من ملّة الإنسان أن يَنْزعَ فورًا إلى علاج من جاءه طالبًا العون ودون لفّ أو دوران. وذلك، بشرط أن يتمّ إبلاغ هذا الجائي دعوتنا إلى وحدة بني البشر لا يُكفّر فيها أحدهم الآخر. فإن قبلَ هذه الدّعوة وارتدعَ عمّا هو فيه من ضلالة وبهتان صار له ما لنا، وله أن يحلّ بين ظهرانينا مُعزّزًا مُكرّمًا مُطَبّبًا. وإنْ لم يرجع أو يرتدع عن دعاواه التّكفيريّة، أو إنْ لم يقبل ما ندعوه إليه من محبّة بني البشر على اختلاف مللهم ونحلهم في السّر والإعلان، فإنّا نقول بجواز تطبيبه لمرّة واحدة فقط، بشرط أن يغرب عن أعيننا، وبلغتنا الشّعبيّة أن "يُرينا عَرْضَ أكتافه"، وألاّ يعود إلى ديارنا بعد اليوم. وبدل ذلك نشير عليه بالتّداوي في بلاده العامرة، ومنذ الآن، ببَوْل البعير أو رَوْث السّعْلاة والضّبعان".
والعقلُ وليّ التّوفيق.
0 تعليقات:
إرسال تعليق