سلمان مصالحة ||
من شبّ على شيء
اللغة، كلّ لغة، هي الوعاءالذي يحفظ فهم الناس للكون من حولهم. إنّها تجريد صوتي مُجمَع على مدلولاته بين البشر. فدونما إجماع كهذا لا وجود للّغة ولا وجود لذلك الخيط الّذي ينتظم فيه المجموع ككيان لغويّ حضاريّ. ولهذا فإنّ في اختلاف الإجماع اللّغوي على مدلولات الأصوات اختلافًا وتباينًا بين الإرث الحضاري للمجموعات البشريّة.
من هذا المنطلق، فإنّ فهم الأسس التي تنبني عليها المصطلحات في اللّغة يزوّدنا بمفاتيح لإدراك تطوّر المفاهيم البشريّة التي جُرّدت وسُكبت في هذه الأوعية اللغوية.
فعلى سبيل المثال،
إنّ مفهوم المصطلح ”شعب“ يختلف بين مجموعة بشريّة لغويّة، وبين مجموعات أخرى أجمعت على مدلولات أخرى للأصوات. وفقط لمجرّد إلقاء نظرة عابرة يمكن العودة مثلاً إلى مادّة ”شعب“ (people) في قاموس أوكسفورد الإيتيمولوجي بغية الوقوف على مدلولات المصطلح وتطوّر مفهومه عبر القرون. كذا يمكن أيضًا العودة إلى مادّة ”شعب“ في المعاجم العربيّة للتعرّف على مدلولاته في الذهنيّة العربيّة. وكذا يمكن النّظر في مصطلحات مثل ”أمّة“ أو ”وطن“.
ما هو معنى الـ“دولة“؟
يمكننا الوقوف على الفرق الشاسع بين أصل وتطوّر الحقول الدلالية للمصطلح “state“ في اللغات اللاتينية وبين تلك التي للمصطلح ”دولة“ في اللغة العربية. فالمصطلح “دولة“ في العربيّة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بذهنيّة الصّراع القبلي على السّلطة. فها هو الجوهري في الصحاح يسرد لنا معنى المصطلح: ”الدَوْلَةُ في الحرب: أن تُدالَ إحدى الفئتين على الأخرى. يقال: كانت لنا عليهم الدَوْلَةُ... وأَدالَنا الله من عدوّنا من الدَوْلَةِ....“. وفي لسان العرب أيضًا نجد: ”إِنما الدَّولة للجيشين يهزِم هذا هذا ثم يُهْزَم الهازم، فتقول: قد رَجَعَت الدَّوْلة على هؤلاء...“.
نلاحظ، إذن، الفرق في مفهوم الدولة كما هو متجذّر في الذهنيّة العربيّة، مقارنة بلغات ومفاهيم الشعوب الأخرى.
على العموم، وفي سياقنا نحن فإنّ الأمثال العربية تختزل تجارب هذه الأمّة المسمّاة ”عربيّة“ على مرّ قرون من الزّمن. ولهذا يمكننا القول إنّه ومثلما علّمتنا الأمثال العربيّة فـ“من شبّ على شيء شاب عليه“. أوليست هذه هي حال الأصقاع العربيّة التي يُطلق عليها مصطلح ”دول“؟ إنّ الشّعوب العربيّة ومنذ القدم، أي منذ ظهورها على مسرح التاريخ لم تتبدّل لديها هذه المفاهيم.
ولو نظرنا إلى ما هو حاصل
في هذه الأصقاع العربيّة في الشّهور الأخيرة فإنّنا نجد أنفسنا أمام ذات الذهنيّة التي لم يطرأ عليها تغيير. فها هو النّظام السّوري الإجرامي الاستبدادي يثبت كلّ يوم من جديد أنّ سورية ليست كيانًا سياسيًّا يمكن أن يُطلق عليه مصطلح ”state“، وإنّما هو ”دولة“ بالمعنى العربيّ للمصطلح، أي مزرعة قبليّة تُحمى بالحديد النّار، ولا معنى للدولة ولا للشعب بأيّ حال من الأحوال. وفي الحقيقة كذا هي الحال في سائر أقطار العربان، من مشرق العرب إلى مغاربهم. فلا دولة بمعنى الدولة ولا شعب بمعنى الشعب وإنّما هي شراذم قبائل متصارعة لم تخرج بعد من الطبّع البَرِّي، ولم ينتقل أفرادها أو لم يتطوّروا إلى الطبع البِرِّي.
هذه هي التربة الصحراوية التي نبت العرب وزعماؤهم - أكباشهم بلغة العرب القديمة - فيها، يعيشون في ربوعها وينقلونها معهم أنّى حلوا وأنّى ارتحلوا.
ولمّا كانت هذه هي الحال، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، فإنّ الاستعمار أفضل للبشر من كلّ هذه الذّهنيّات العربيّة المتصحّرة.
والعقل ولي التوفيق!
*
اولا، ليس لدي اعتراض على محتوى المقال الا عند نقطة الاستعمار. هنا يجب ان نتوقف فكل الاستعمارات سواء الداخلية او الخارجية هي مرفوضة والحل مقاومتها ومحاولة الإتيان بوعي جديد وهذا هو النضال برأي في معناه الواسع.
ردحذفثانيا لم افهم ماذا تريد ان تقول او ربما اعاني صعوبة في قراءة هذه العبارة " شراذم قبائل متصارعة لم تخرج بعد من الطبّع البَرِّي، ولم ينتقل أفرادها أو لم يتطوّروا إلى الطبع البِرِّي." فهل انت تريد القبائل وافرادها ان تخرج من الطبع البري او تنتقل وتتطور الى الطبع البري!! ولماذا نطالبهم الخروج من طابع والعودة اليه مرة اخرى..هل هناك شيء لم افهمه ارجو الإيضاح.
عمت مساءً
محمد ابو عزيز
الأستاذ محمد أبو عزيز،
ردحذفأشكرك على تعقيبك. بالطبع أوافقك على الجزء الأوّل منه، ولم يكن غرضي سوى التنبيه والتساؤل بشأن هذه الحال العربية التي تدفع إلى اليأس أحيانًا.
أمّا بخصوص الجزء الثاني منه، فالبَرّي (بفتح الباء) نسبة إلى البَرّيّة وهي الصحراء. بينما البِرّي (بكسر الباء) فهي نسبة إلى البِرّ وهو الخير والإحسان.
وعمت نهارًا!
سلمان
حسنا استاذ سليمان لم اشاهد كسرة الباء يبدو انني بحاجة الى تغيير نظارتي..
ردحذفشكرا على التوضيح
محمد ابو عزيز
على ما يبدو أنّك حقًّا بحاجة إلى استبدال النظّارات. لا أدري من أين أضفت الياء إلى اسمي.
ردحذفسلمان
د.سلمان ..؛تحياتي
ردحذفإنها القَبَلِيّة ,والمزاج الصحراوي يالضرورة؛التي تُحتّمُ على "المخلوقين" هناك
أتعلم د.سلمان؛سيبدو غريباً ومُسْتَهجناً لو تصرّف من وُلِدوا هناك-في الصحارى- كبَشرٍ وكمتحضّرين!!
ليست لديّ مشاكل مع الله؛لدي مشاكل مع أولئك الذين يتحدّثون بإسمه!!
قُلتُهَا وها انا ذا أكررها؛
الإله الله الإبراهيمي المُحمّدي فالإسلامي؛هو بمثابة نكاح العقلية الصحراوية لحَرّ وجفاف وقسوة الصحراء,ونكاح ضيق الأفق للقبلية والعقائدية والهمجية للعقلية الصحراوية لكل ما تَقَدّم..ونكاح المجتمع الذكوري لعقول استهواها ذلك الإله الشّادّ على أيديهم القائل بما يدور في نفوسهم؛والناتج أو المولود هو إله يحمل كل الصفات المتناقضة التي لا يمكن حصرها من النرجسية إلى التكبر والقسوة والمزاج العكر إلى العبثية والحساسية المفرطه؛مروراً بالشغف للدمار والتعطش للدم والذبائح والعفو عند المقدرة والبطش وإزهاق كل من لا يتبع تخاريفه وإتّباع مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"..ببساطة شديدة كل ما هو سلبي وغير إنساني ويفوق كل تصورات الإجرام البشري!!!
تحياتي
د.سلمان
ردحذفأستأذنك إذْ أود إضافة مدونتكم إلى قائمة المدونات في مدونتي.
تحياتي