سلمان مصالحة
إدمان الجنس يؤدّي إلى الاكتئاب
للمرّة الأولى يصدر تقرير
عن الأمم المتحدة يتعلّق بالسعادة البشرية في دول العالم المختلفة. لقد أجرى البحث لصالح المنظمة الدولية فريق من الباحثين في معهد الأرض التابع لجامعة كولومبيا. يتطرّق البحث إلى كيفية رؤية بني البشر في مناطق مختلفة من العالم لمعيشتهم في بلدانهم ومدى شعورهم بالسعادة.
يظهر التقرير أوّلاً وبصورة غير مفاجئة بالطبع أنّ الدّول السعيدة هي عادة دول غنيّة. ولكن، ورغم ذلك فإنّ ثمّة عوامل أخرى أكثر أهميّة من الدّخل المالي تؤثّر على مدى السعادة. من بين هذه العوامل، عامل التكافل الاجتماعي، عامل انعدام الفساد وعامل الحرية الفردية.
كذلك، وبصورة غير مفاجئة يتضح من التقرير أيضًا أنّ البطالة تؤثّر جدًّا على حالة البؤس البشرية. غير أنّ التقرير يشير إلى أنّ الشعور بالأمان والعلاقات الإنسانية في مكان العمل هما عاملان باعثان على الرضى أكثر ممّا يبعثه المرتّب الذي يتقاضاه الفرد. كما أنّ السلوكيّات البشريّة اللّطيفة، كالعادة، تبعث على السعادة لدى بني البشر.
ويتّضح من التقرير أنّ الحياة العائلية المطمئنّة وفرص الزواج هما عاملان مهمّان في تكوين سعادة الأهل والأبناء. وفيما يتعلّق بالفرق بين الرجال والنساء فإنّ النساء في الدول المتقدّمة أقلّ سعادة من الرّجال، بينما لا يظهر فرق كهذا في الدول الفقيرة.
هذه هي على العموم الخطوط العريضة لنتائج البحث الفريد. وقد تمّ تدريج ”شعوب العالم“ المختلفة، والمقصود بالطبع ”دول العالم“ لأنّ الشعوب غير الدول.
تدريج السعادة لدى الشعوب:
استنادًا إلى التقرير، فقد تصدّرت الدول الاسكندناڤية قائمة الدول التي شعوبها هي الأكثر سعادة في العالم، حيث احتلّت الدنمارك المركز الأوّل، ثمّ تلتها فنلندا والنرويج، ثمّ سويسرا والسويد ونيوزيلندا وأستراليا وإيرلندا. وجاءت الولايات المتحدة في المكان الحادي عشر، وإسرائيل في المكان الرابع عشر.
وبطبيعة الحال يهمّ القارئ العربي المراتب التي تمّ تدريج الدول العربية فيها من ناحية سعادة الشعوب. أليس كذلك؟ حسنًا. فإذا علمنا أنّ تعداد دول العالم في هذا الأوان يقارب الـ 200 دولة، فأين جاء ترتيب سعادة الشعوب العربية مقارنة بسائر الأمم؟
فلو عدنا إلى التقرير وفحصنا قائمة الـ 20 دولة الأولى في تقرير السعادة، فإنّنا لن نعثر إلاّ على دولةعربية واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي جاءت في المكان الـ 17. ولو نظرنا في قائمة الـ 50 دولة الأولى فسنعثر على السعودية والكويت وقطر فقط. بينما اختفت عن الأنظار كلّ دول الشعارات الرنّانة عن العروبة والممانعة وما إلى ذلك من تهريج الاشتراكية والقومجية.
كيف تعاملت الصحافة العربية مع التقرير؟
في الحقيقة، لقد أثار البحث، نتائجه وأخباره بعض الفضول العربي لديّ، فوجدت نفسي متعقّبًا الطريقة التي تعرض فيها الصحافة العربية هذا البحث ونتائجه. والحقيقة أنّي بملاحقتي للخبر فقد عثرت على العجب العجاب في صحافة الأعراب.
من الواضح أن الصحافة العربية في الدول التي اندرجت في قائمة الدول الخمسين الأولى قد تطرّقت للتقرير، وذكرت مكانة شعوبها في التدريج الدولي. بينما الدول التي غابت عن هذه القائمة فقد نشرت خبر التقرير وذكرت أسماء دول كثيرة بينما لم تتطرّق إلى مكانة بلادها فيه. وكأنّ النّاس والقرّاء لديهم ليسوا بحاجة إلى معرفة مكانة بلدهم في هذا البحث الدولي.
فعلى سبيل المثال فحسب، ها هي الصحافة الأردنية تنشر خبرًا عن البحث، وهو خبر منقول عن وكالة أنباء أردنية هي ”بترا“، فماذا نقرأ في هذه الـ”سخافة“ الأردنية؟ الخبر المنشور في الأردن هو بعنوان: ”ماليزيا من أكثر الدول سعادة في العالم“. كيف يكون هذا، بينما ماليزيا ليست في قائمة الخمسين؟ لا ندري. بل، أنكى من ذلك فهذه السخافة الأردنية لا تذكر مكانة الأردن في القائمة.
وكذا هي الحال، وعلى هذا المنوال، مع الصحافة العربية. ففي مصر ينشرون أخبارًا عن التقرير دون أن يذكروا مرتبة مصر المحروسة ”أم الدنيا“ في القائمة. وعلى هذه الحال قس مع سائر الصحافة العربية، فكلّ يغنّي على بلاد أخرى، ولكنّه لا يغنّي على بلده، أو على ليلاه. ليس هذا فحسب، بل إنّ وسائل الإعلام لم تتطرّق إلى موقع إسرائيل في تدريج السعادة. إذ أنّها ”كيان مزعوم“ طبعًا، ولا محلّ لها، لا من الإعراب ولا من الأعراب.
وهكذا نرى أنّ خلاصة
هذا البحث، ووضع الشعوب العربية من ناحية تدريج السعادة مقارنة بشعوب الأرض الأخرى، ثمّ تعامل الصحافة العربية بخصوص هذا البحث ونتائجه تكشف بصورة لا يرقى إليها شكّ عن حال البؤس العربية المزمنة.
وإذا كانت الحال على هذا المنوال، وهي كذلك بلا أدنى شكّ. ولمّا كانت إسرائيل في المكان الرابع عشر، فهي تتقدّم على الجميع إذن في هذه المنطقة. ولمّا كانت إسرائيل تجمع أيضًا معها المواطنين العرب، فيمكننا القول إذن: إنّ العرب من مواطني إسرائيل هم أكثر الشعوب العربية سعادة على الإطلاق. وربّما كان من المفروض أن يكون هذا هو عنوان المقالة، وعنوان الصحافة العربية. أليس كذلك؟
وقد يسأل سائل، وما علاقة العنوان بالمقالة؟
والجواب على ذلك: مثلما أنّ هذا الموقع، ”إيلاف“، يعلم على ما يبدو ببواطن القارئ العربي، فيضع زاوية ”نساء إيلاف“ في مكان بارز على صدر صفحته الأولى، لا لشيء إلاّ لشدّ انتباه المراهقين والمراهقات من القارئين والقارئات، الشائخين منهم والشائخات، فهكذا هي الحال مع هذا العنوان. فلا علاقة للعنوان بالمقالة، إنّما جاء العنوان لمعرفة عبدكم الحقير ببواطن الذهنية العربية، وهو ما سيدفع الكثيرين، بلا شكّ، إلى القراءة المتمعّنة.
فمن يدري، لعلّ وعسى، وربّما يعلق بالذهنية العربية المتكلّسة شيء ممّا ينوي الكاتب إيصاله للقارئ العربي. وقد يضيف هذا الكلام إلى عالمه البائس بسمة واحدة، أو مسحة بسيطة من السعادة التي يفتقر إليها، أو ربّما يزيد طينه بلّة، ويكيل صاعًا من الحزن على سعادته المضمحلّة.
والعقل ولي التوفيق.
*
نشر في: ”إيلاف“، 17 أپريل 2012
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق