نتائج اختبارات دولية في الرياضيات، العلوم ولغة الأمّ:
وعلى الرغم من التحفّظات التي قد تُعرض بشأن هذه الاختبارات بصورة عامّة وبمدى كونها تمثّل الأوضاع القائمة وبمدى مصداقيّتها العلميّة، وهي أمور تلازم الكلام عن الاختبارات من ناحية مبدئية بعامّة، إلاّ أنّ هذه الاختبارات تبقى الوسيلة الأمثل لفحص الأوضاع التربوية...
سلمان مصالحة || مرّة أخرى، العرب في الذيل...
هذه المرّة سأقدّم للقارئ العربي
معلومات جديدة، ربّما لن يقرأها في وسائل الإعلام العربية من الدول ذات الشأن بالموضوع. سأخصص الكلام في هذه المقالة عن الأوضاع التعليمية في بعض المجتمعات العربية ومقارنتها بأقطار أخرى في هذا العالم. ومناسبة الحديث الآن هي التقرير الجديد الصادر عن بعض المؤسسات الدولية التي تعمل على فحص ثلاثة مجالات تعليمية لدى التلاميذ في الصفوف الرابعة والثامنة من المرحلة الابتدائية. أمّا المجالات المفحوصة فهي الرياضيّات، العلوم ولغة الأمّ.
فقد نشرت ”المنظّمة الدولية لتقييم الإنجازات التربوية“ في هذه الأيّام تقريرين حول إنجازات التلاميذ في هذه المجالات. الأوّل، اختبار پیرلز (PIRLS)، الذي يفحص تلاميذ الصفوف الرابعة الابتدائية ويتمحور حول مهارات القراءة وفهم المقروء بلغة الأمّ. والثاني، اختبار تيمز (TIMSS)، الذي يفحص الصفوف الثامنة ويتمحور حول مجال الرياضيات ومجال العلوم، وشاركت في هذه الاختبارات دول عديدة من العالم بينها دول عربية بالطبع.
وعلى الرغم من التحفّظات التي قد تُعرض بشأن هذه الاختبارات بصورة عامّة وبمدى كونها تمثّل الأوضاع القائمة وبمدى مصداقيّتها العلميّة، وهي أمور تلازم الكلام عن الاختبارات من ناحية مبدئية بعامّة، إلاّ أنّ هذه الاختبارات تبقى الوسيلة الأمثل لفحص الأوضاع التربوية. ولمّا كانت منظّمات علمية دولية لا يشكّ أحد بمصداقيّتها هي التي تنظّ٬ هذه الاختبارات، فحريّ بنا أن نأخذ تقاريرها بالحسبان لأنّها تزوّدنا بمعلومات يجدر بالقائمين على المجالات التربوية أن يتعاملوا معها بجدّية.
ولأنّ الأقربين أولى بالمعروف،
كما يقال، فقد ارتأيت أن أنوّه بداية بهؤلاء الأقربين، وأعني بهؤلاء طبعًا تلاميذ المجتمع العربي في إسرائيل. ولكن، وقبل ذلك، دعونا ننظر إلى المرتبة التي وصلتها إسرائيل في هذه الاختبارات. فقد أظهرت نتائج اختبار ”تيمز“ لسنة 2011 والذي يفحص مجال الرياضيات ومجال العلوم أنّ إسرائيل قد جاءت في المرتبة السابعة في اختبار الرياضيات من بين الدولة المشاركة في هذه الاختبارات. بينما جاءت في العلوم في المرتبة الثالثة عشرة. أمّا في امتحان ”پيرلز“ الذي يفحص مجال لغة الأمّ فقد جاءت إسرائيل في المرتبة الثامنة عشرة. وهذه المراتب هي فوق متوسّط الدول المشاركة في هذه الاختبارات والأبحاث الدولية.
لكن، تجدر الإشارة بصورة خاصّة إلى معلومات أخرى من هذه التقارير. إذ أنّه في الحالة الإسرائيلية هنالك جهاز تربوي تعليمي باللغة العربية للأقليّة العربية في إسرائيل، ولذلك يمكن الوقوف على نتائج التلاميذ العرب في هذا الجهاز مقارنة بسائر ادول المشاركة. وبالنّظر إلى النتائج يتبيّن أنّ ثمّة فجوة كبرى بين نتائج التلاميذ العرب في المدارس العربية وبين نتائج التلاميذ اليهود في المدارس العبرية. وبكلمات أخرى، لو شطبنا نتائج تلاميذ المدارس العربية في إسرائيل من هذا التقرير لجاء تلاميذ المدارس اليهودية العبرية الإسرائيلية في مرتبة أكثر تقدُّمًا بكثير مقارنة بسائر دول العالم.
وبالطبع، فقد قفز
رجال السياسة والتربية العرب في إسرائيل على هذه النتائج التي تُظهر الفجوة الكبرى بين التلاميذ العرب والتلاميذ اليهود، وعزوا ذلك إلى التمييز السّلطوي القائم تجاه الأقليّة العربيّة في إسرائيل. في هذا السياق، تجدر الإشارة أوّلاً إلى حقيقة وجود هذا التمييز في التعامل مع الوسط العربي في إسرائيل، وهو تمييز قائم منذ عقود طويلة ويجب التنويه إليه والعمل الدؤوب على وقفه. لكن، من جهة أخرى، إنّ هذا التمييز، المشار إليه من جانب رجال السياسة، بصورة شعبوية هو جزء من الحقيقة المتعلّقة بنتائج هذه الاختبارات الدولية، ولكنّه ليس كلّ الحقيقة.
كيف نعرف أنّ هذا جزءٌ من الحقيقة فقط؟
لهذا الغرض، يجدر بنا أن ننظر إلى المراتب التي احتّلتها الدول العربية المشاركة في هذه الاختبارات الدولية. فمن قراءة التقرير الدولي يتبيّن أنّ التلاميذ العرب في الدول العربية يحتلّون أدنى المراتب في قائمة الدول المشاركة. وبذلك، لا يمكن أن نعزو وجود تلاميذ الدول العربية في الحضيض إلى تمييز إسرائيلي أو ”صهيوني“ ضدّهم في دولهم العربية. أليس كذلك؟
ليس هذا فحسب، بل إنّ تقرير المنظّمة الدولية يكشف لنا أنّ التلاميذ العرب في إسرائيل يتقدّمون على سائر التلاميذ من الدول العربية الأخرى.
فلو نظرنا إلى نتائج اختبار ”تيمز“ في الرياضيات، على سبيل المثال فقط، فإنّنا نجد أنّ الدّول التي احتلّت المراتب الأولى هي: كوريا الجنوبية، سنغافورة، تايوان، هونغ كونغ، اليابان، روسيا، إسرائيل، فنلندا، الولايات المتحدة وإنكلترا. ولدى فرز التلاميذ العرب في إسرائيل، يتبيّن أنّهم يأتون في مرتبة متوسّطة من الدول المشاركة. أمّا المراتب الأخيرة من قائمة الدول المشاركة فقد احتّلتها كلّ من الدول الآتية: قطر، البحرين، الأردن، فلسطين، السعودية، إندونيسيا، سورية، المغرب، عُمان وغانا. كذلك هي الحال في مجال العلوم، فقد جاءت نتائج الاختبار لتضع الدول العربية المشاركة تحت المتوسّط وفي الحضيض مقارنة بسائر الدول ومن بين هذه الدول: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الأردن، تونس، السعودية، سورية، فلسطين، عمان، قطر، لبنان والمغرب.
ولو فحصنا نتائج لغة الأمّ في اختبار ”پيرلز“ فإنّنا أمرًا آخر لا يقلّ أهميّة وحريّ بكلّ من يملك ذرّة من بصيرة ومسؤولية تربوية أن يتفكّر فيه. ففي المراتب المتقدّمة من الدول المشاركة لا يوجد أيّ مجموعة من التلاميذ العرب، إذ أنّ العرب جاؤوا مرّة أخرى في آخر القائمة، وهم: العرب في إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة، قطر، عمان والمغرب. لقد جاءت إسرائيل في المرتبة الثامنة عشرة في اختبار لغة الأمّ. أمّا بحذف التلاميذ العرب، فإنّ التلاميذ اليهود يحتلّون المرتبة الثالثة في لغة الأمّ مقارنة بسائر الأقطار.
وخلاصة القول:
إنّ هذه النتائج التي نشرتها المنظّمة الدولية يجب أن تستثير كلّ أصحاب النوايا الحسنة في هذه الأمّة، إذا تبقّى هنالك أناس بهذه الميزة أصلاً. إذ لا يمكن مواصلة دسّ الرؤوس في الرمال العربية وعزو كلّ فشل عربي إلى مؤامرات الآخرين.
يجب النّظر بجديّة في هذا المأزق التربوي، كما يجب الوقوف على أسبابه وهي كثيرة ومتعدّدة بدءًا من المأزق اللغوي العربي المتمثّل في هذا الفصام الشديد بين لغة الكتابة العربية وبين اللهجات التي لها أوّل وليس لها آخر. إنّ هذا الفصام اللّغوي، في رأيي، هو أحد أهمّ الأسباب لهذه الإعاقة التربوية في المجتمعات العربية من المشرق للمغرب. وهذا، ناهيك عن الأميّة المتفشية في قطاعات واسعة من المجتمعات العربية.
وإذا كانت القراءة شبه معدومة في المجتمعات العربية مقارنة بسائر الشعوب، فلا يمكن لهذه المجتمعات أن تركب قطار التقدم البشري. وإذا أضفنا إلى كلّ ذلك، الأساليب التقليدية في التعليم العربي الذي يُكرّس النّقل بدل إعمال العقل، فإنّ الحال العربية ستبقى على ما هي عليه، وسيظلّ العرب في مؤخّرة الشعوب ناعمين في ذلك الحضيض.
إنّ نتائج هذه التقارير الدولية يجب أن تضيء إشارات حمراء أمام المسؤولين العرب في كلّ مكان.
والعقل ولي التوفيق!
*
نشر: ”إيلاف“، 13 ديسمبر 2012
ملاحظة: لمراجعة التقارير يمكن العودة إلى موقع الاختبارات في الإنترنت. انقر هنا.
***
مرّة أخرى، العرب في الذيل... بقلم فاروق عيتاني
ردحذفبدءًا من المأزق اللغوي العربي المتمثّل في هذا الفصام الشديد بين لغة الكتابة العربية وبين اللهجات التي لها أوّل وليس لها آخر. الأساليب التقليدية في التعليم العربي الذي يُكرّس النّقل بدل إعمال العقل، ما يعتبره الاستاذ مصالحة من الاختلاف في اللهجة بين الفصحى و العامية ويستبطن منه إحلال الاخيرة مكان الاولى هي مجرد دعوة ايدولوجية تقوم على على كره الذات وجلدها واعتبار العربية الفصحى سبب التأخر. وهي دعوة معروفة منذ القرن الماضي عملت على إحلال العامية محل الفصحى أو كتابة العربية بحرف لاتيني.وهي لن تكون سوى عامية تمس المفردات ،ذلك لأن بنية اللغة ليست تعريب مفرداتها ، بل طريقتها في تركيب الجملة وتركيب الالفاظ.وهذه العاميات ، من عامية سعيد عقل إلى عاميات في المغرب او مصر او الجزيرة العربية أو لبنان لم يكتب لها القدرة على النجاح ، كما أن وظيفة اللغة ليست التوصيل و هو ما تفتقده العاميةلضيقها إنتشارها بل الاهم تأثيرها في صياغة الافكار و تكوين الهوية. أمّا موضوع التعليم فواقعنا أننا بلا تربية و بلا تعليم بل و في أميّات لا تنحصر . وهذه موضوعها ليس مزمنا فحسب ، بل يكاد يكون ميؤسا منه.بسبب تحولنا الى استنساخ نماذج تربية - تعليم غربية بعدما ثبت فشلها في الغرب بنحو نصف قرن كموضوع طريقة " الجشطلايت ".. وحول هذه النقطة يمكن مراجعة ما كتبه الدكتور نعيمان عثمان عن واقع " تربية بلا تلعيم في المملكة السعودية . ليت الباحث وجّه إهتمامه الى موضوع الترجمة ، فهذا أحد أكبر اسباب تخلفنا.ترجمة تنهض بها مؤسسات ضخمة تنقل معظم ما ينتج في العالم المتفوق دون التدقيق في أختيار : علم لا ينفع أو جهل لا يضر االمعرفة به .و العقل المعرفي ولي التوفيق
يبدو أنّ الأستاذ فاروق عيتاني يعاني هو الآخر من مشكلة فهم المقروء. لا أدري على أيّ أساس يستند في كلامه ويصل إلى نتيجة مفادها أنّي أدعو إلى تغليب العامية على الفصحى. أنصحه بقراءة المادّة ثانية وبرويّة. كلّ ما في الأمر أنّي أشير إلى هذا المأزق اللّغوي العربي، وهو بنظري أحد أهمّ الأسباب للتدهور المعرفي الحاصل لدى هذه الشعوب. وتصبح المشكلة أكثر عواصة إذا أخذنا بالحسبان تدهور القراءة في العالم العربي، كما تشير إليه الأبحاث الدولية بين فينة وأخرى.
ردحذف