ما أشبه الليلة بالبارحة؟
بعض الفقرات المقتبسة من مقالة لأمين الريحاني من كتاب ما وراء البحار، مكتبة الهلال، مصر 1922.
”الحرية وحدها لا توحدنا“
”... إنّنا لا نصير أمّة راقية حرّة بكلّ معنى الكلمتين إلاّ متى صار أدباء المسيحيين وأدباء المسلمين يتباحثون في أيّ موضوع كان، دينيًّا أو سياسيًّا أو اجتماعيًّا، دون أن يثير ذلك في شعب الملّتين غبار الجهل وسموم التعصّب. بل إذا كان لا يحقّ للمسلم أن ينتقد المسيحيّين في شؤونهم العموميّة والاجتماعيّة ولا للمسيحي أن ينتقد المسلمين، فلسنا والله بأمّة واحدة، وليس وطننا بذاك الوطن المجيد الجامع الذي يعبد في هيكله كلّ أبنائه على اختلاف المذاهب والعناصر والجنسيّات. بل إذا كنّا لا نتجرّد عن صبغاتنا الدينية في شؤوننا الوطنية والاجتماعية، فحريّتنا أيّها النّاس كلمة مقولة، وإخاؤنا لفظة غير معقولة، والمساواة عندنا قاعدة باطلة مرذولة.
نعم سيّدي، إذا كان إخواننا المسلمون لا يساعدوننا في نشر التعاليم الحرّة في الأمّة، إذا كانوا لا يؤيّدون قولاً وفعلاً آراء آباء الحرية والدستور، إذا كانوا لا يردّدون صدى أحرار المغرب وعلمائه ومن ينحو اليوم في الشرق نحوهم من الأحرار الأصفياء والعلماء، فعبثًا يحاول أبطال الدستور والحرية تجديد حياة الأمّة، والمسلمون العنصر الأساسي في الأمّة. وأمّا انتصار الجيش فلا مجدٌ عظيمٌ فيه إن لم يتبعه انتصار في العلم والتهذيب، لأنّ الجيش وإن دمّر معاقل الحكومة الاستبداديّة، فنصره لا يزيل الجهل الذي أسّست عليه تلك الحكومة، وما زال الجهل سائدًا في الأمّة.
سيّان عندي إن كانت الحكومة فرديّة استبدادية أو حرّة نيابية، إن لم تباشر الحكومة في تدمير حصون الجهل، إذًا يعود الجهل فيدمّر حصون الحكومة، ولا يتمّ لها ذلك إلاّ في تأسيس المدارس العمومية الوطنية مجرّدة عن كلّ صبغة دينية، حيث أولاد المسلمين والمسيحيين واليهود والدهريّين يتلقنّون كلّ العلوم على أستاذ مدني واحد، وتحت سقف واحد ومن كتاب واحد وعلى طريقة وطنية واحدة... وعبثًا نحاول توحيد العناصر المتعدّدة في الأمّة إذا كان التعليم لا يوحّد على هذه الطريقة الوطنية الجامعة الحرّة...“.
مصدر: أمين الريحاني، ”الحرية وحدها لا توحدنا“، ما وراء البحار، نخبة مقالات لكتّاب من أعضاء الرابطة القلمية، تقديم: توفيق الرافعي، مكتبة الهلال، مصر 1922 ص- 15-17).
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق