أمنون كابليوك || خبايا الحزب الشيوعي الإسرائيلي


فبراير 1958 -

من أرشيفات الصحافة العبرية:



أمنون كابليوك ||

خبايا الحزب الشيوعي الإسرائيلي


”في إحدى الأماسي الباردة من شهر يناير المنصرم التأم في أحد البيوت في الناصرة ناشطو ماكي (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) العرب في شمال البلاد في اجتماع سرّي. المجتمعون، الذين تمّ فحصهم جيّدًا فيما إذا كان بينهم «غير موثوقين» من شأنهم إعلام آخرين بما سمعت آذانهم - انتظرتهم مفاجأة كبرى: عضو الكنيست توفيق طوبي، من سكرتاريا ماكي هاجم بشدّة خطّة بعض القومويّين العرب في ماكي لإقامة «حزب التحرير الوطني». لقد حذّر طوبي العناصر الانشقاقيّة في ماكي، بأنّ طريقهم ستجلب لهم كارثة، وأضاف معزّزًا أقواله: «إنّكم مخطئون إذا كنتم تعتقدون أن الاتحاد السوڤييتي يدعم خطوة من هذا النوع»، وطالب بـ «مواصلة النضال في صفوف ماكي».


لقد كانت خطوة طوبي هذه حلقة ضمن سلسلة جهود بذلتها قيادات ماكي لمنع القومويين العرب في حزبهم، ذوي النفس القصير والخطط العالمية، من إنشاء حزب عربي قوموي باسم «حزب التحرير الوطني» (وهو اسم يذكّر بـ«عصبة التحرر الوطني» - الحزب الشيوعي القوموي في الشارع العربي بفترة الانتداب، بعد الانشقاق الذي حصل في الـ PKP - الحزب الشيوعي الفلسطيني - عام 1943). على هذا الحزب أن يكون يساريًّا، لكنّه ليس ”مُكبّلًا“ مثل ماكي - ليس من ناحية قومية (الضرورة بالأخذ بنظر الاعتبار الرفاق اليهود، الذين لا يوافقون دائمًا مع الخطّ القوموي العربي)، وليس من ناحية عالمية (الحاجة إلى قول «آمين» لكلّ رمشة عين من ممثّل سوڤييتي).

الاتّصال بقومويين غير حزبيين

أعضاء المجموعة القوموية-العربية-الماكيّة، التي يقف على رأسها القومويّان صليبا خميس وإميل حبيبي، قد اتّصلوا بعدد من القومويين غير الحزبيين، مثل يني يني، رئيس المجلس المحلي في كفر ياسيف؛ الأديب حبيب قهوجي، مُعلّم (ممتاز!) للغة العربية في مدرسة ثانوية في حيفا، والذي دُفع إلى النزعة القوموية من قِبَل … الحكم العسكري، الذي عمل على طرده من عمله في مدرسة بالناصرة؛ وكذلك - بولس فرح، في الماضي أحد قياديي ««عصبة التحرر الوطني»، تلميذ في مدرسة الدعاية في الاتحاد السوڤييتي، ومندوب «مؤتمر العمّال العرب» إلى مؤتمر باريس (1945) للاتحاد العالمي للنقابات المهنية، وبينما هو اليوم، بعد قيام دولة إسرائيل (التي عاد إليها في سبتمبر 1949، بعد أن كان هرب مع موجة اللاجئين) - رجل أعمال غير ناجح: صاحب مقهى وبعد ذلك صاحب نادي بلياردو وبعد ذلك صاحب مكتبة وهو اليوم صاحب صالون حلاقة. باختصار - شخصية غريبة، كانت أشغلت في الماضي وظائف مركزية، بينما هي اليوم تحاول العثور على موقع لها - لكن دون نجاح. القوموي العربي إلياس كوسا لم يحضر لأنّه من مؤيّدي أميركا (وفي الماضي كانت له علاقات مع القنصلية الأميركية في حيفا). مع شخص على شاكلته لم يرغب الـ«وطنيّون» الكبار أن يجروا اتّصالًا.

يقظة الإنتلجنسيا

إنّ يقظة قومويي ماكي العرب للعمل في إطار خاص وغير مُلزِم مثل ماكي، مرتبطة باليقظة العامّة للإنتلجنسيا العربية الإسرائيلية، التي حصلت بسبب عاملين اثنين - سياسة الحكم العسكري من جهة أولى، وإنجازات الحركة القومية العربية، من جهة أخرى. بدأت هذه الإنتلجنسيا باليأس من إمكانية تغيير سياسة الحكم العسكري تجاه الأقلية العربية، غير أنّ رمزها ليس خورتشوف، المعلّم الأيديولوجي لـ ماكي، وإنّما عبد الناصر. أبو القومية العربية. ليس الاتحاد السوڤييتي هو الذي يمثّل نموذجًا بنظرهم، مع أنّ بعضهم يقدّره، وإنّما مصر وسورية.

بين التعبيرات العلنية الأخيرة لهذا التوجّه، والذي بدأ يتغلغل إلى أوساط كثيرة، كان اجتماع «اتحاد الكتاب والمثقفين العرب»، الذي انعقد في الناصرة في الشهر الماضي. الكتاب، وهم من كافة شرائح الجمهور العربي في البلاد تقريبًا، طالبوا علنًا بدعم الحركة القومية العربية الناهضة بقيادة عبد الناصر. لقد طلب حبيب قهوجي، وهو من قرية فسوطة، الجمهور بدعم «مُخلّص الشرق الأوسط، عبد الناصر، الذي يعمل على إنقاذ الشعوب العربية من نير الاستعباد». بولس فرح هاجم إسرائيل، «خادمة الاستعمار»، وأسمع آخرون أمورًا مشابهة.

في ذلك الاجتماع كان حاضرًا إميل حبيبي، نائب في الكنيست عن حزب ماكي، وكما يُروَى فقد أثار فيه الاجتماع «مشاعر جيّاشة» وشكّل دفعة إضافية لخطّته، وهي إنشاء حزب عربي «يظهر على الساحة». حبيبي هو «شخص واقعي» ويعلم أنّ حركة قوموية ناهضة كهذه ستؤدّي إلى هبوط أسهم ماكي.  أحد العرب المتطرّفين في ماكي نبّهه إلى أنّه إذا سُمح لحزب عربي قومي بالظهور في الانتخابات في البلاد، فإنّه سيسلب تقريبًا جميع الأصوات من حزبه!

وهنالك نقطة أخرى، لا تقلّ أهمية: بخلاف ما يعتقده البعض لدينا، لا يوجد لـ ماكي أيّ تأثير على الأحزاب الشيوعية في الدول العربية. على العكس من ذلك: القيادات العربية في هذا الحزب تواجه في بعض الأحيان نقدًا من القيادات الشيوعية في البلاد العربية، مثل خالد بكداش ورشدي شاهين، وذلك لكونهم يتواجدون في حزب واحد مع اليهود. بالإضافة إلى ذلك: فإنّ كّلًا من صليبا خميس وإميل توما قد وُجّهت لهما أصابع الاتّهام لأنّهم «تجرّؤوا» على الاقتران بنساء يهوديّات!

هكذا حصل، إذن، أنّ إميل حبيبي وزمرته قد قرّروا اعتلاء الحصان القوموي المكشوف والتنازل عن الحصان المُقنّع، ماكي. لقد سئموا من التواجد في حزب غير معترف به ليس فقط من قِبَل حركات التحرّر الوطنية في البلاد المجاورة، وإنّما أيضًا من قبل الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية التي تتجاهل ماكي كلّيًا منذ صفقة الأسلحة المصرية-التشيكية، رغم الجهود التي يبذلها ماكي للتكيُّف مع كلّ خطوة يتّخذها الحكّام العرب ضدّ إسرائيل (المثال الأخير - قبولهم القرار الأخير ضدّ إسرائيل الذي اتّخذه «مؤتمر التضامن» في القاهرة).

صليبا خميس «النجم الصاعد» -
صليبا خميس ومحمود درويش

غير أنّ الأمر المثير هو أنّ الشخص المركزي بين قومويي ماكي العرب الناشطين بهذه القضية هو بالذات صليبا خميس، من الناصرة، وهو شخصية معروفة جدًّا في الشارع العربي لكنّه غير معروف للجمهور اليهودي، ما عدا كونه تزوّج من امرأة يهودية. صليبا خليل خميس، من الطائفة اليونانية الأرثوذكسية، من مواليد 1922، وعضو اللجنة المركزية في ماكي، هو اليوم بطل يخطب خطبًا نارية ضدّ كلّ من لا يدعم رأيه، غير أنّ أهل الناصرة يتذكّرون جيّدًا أنّ أوّل من تعاون مع الحكم العسكري في الناصرة هو صليبا خميس نفسه. وكمكافأة له على ذلك فقد مُنح مُسدّسًا وكان يحمله علنًا في الشارع متمنطقًا به على خاصرته.

كانت بدايات نشاطه في فترة الانتداب في صفوف «عصبة التحرر الوطني» (الحزب الشيوعي في الشارع العربي). في العام 1945 انتُخب سكرتيرًا لفرع العصبة في الناصرة وكذلك عضوًا في اللجنة المركزية لـ«مؤتمر العمّال العرب»، وأشغل فيه أيضًا منصب سكرتير.

بعد احتلال جيش الدفاع الإسرائيلي الناصرة وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي انتُخب مُجدّدًا سكرتيرًا للفرع الشيوعي في المدينة. إنّه يُثبت نفسه كمُنظِّم مجتهد، حيث نجح في ترسيخ الفرع الشيوعي في المدينة؛ كما إنّه، ومن خلال تنظيمه لدورات مركزية لـ ماكي سوية مع ناشطين آخرين ينجح في جلب انتصار لظ ماكي في الناصرة في انتخابات الدورة الثانية للكنيست. بعد المؤتمر الـ 12 لـ ماكي (منتصف 1952) يرتقي من سكرتاريا المنطقة إلى عضوية اللجنة المركزية، ويتقدّم على فؤاد خوري ومنعم جرجورة (هذا الأخير فُصل من عضوية اللجنة المركزية). في أبريل 1954، وإثر التغييرات الشخصيّة في اللجنة المركزية لـ ماكي، انتُخب صليبا عضوًا في اللجنة المركزية. مع ظهور نتائج انتخابات الكنيست الثالثة، التي خيّبت آمال ماكي، أدخل الحزب تغييرات على تركيبة اللجان المحلية واللوائية. منطقة الناصرة لم تأتي بالنتائج المرجوّة ونُصّب صليبا خميس مجدّدًا على قيادة لواء الناصرة بدل فؤاد خوري. صليبا خميس هو خرّيج مدرسة ثانوية ويعتبر من أصدقاء فؤاد نصّار، زعيم الحزب الشيوعي الأردني غير-القانوني. في هذه الأيام يعمل محرّرًا لصحيفة ماكي العربية، «الاتحاد»، التي تصدر مرّتين في الأسبوع.

رؤيا إميل حبيبي
حبيبي، ميكونيس، طوبي، فلنر

الأكثر شهرة في الشارع الإسرائيلي هو النائب في الكنيست إميل حبيبي، وهو الثاني من ناحية الأهمية في المجموعة القوموية في ماكي، ومن جيل صليبا خميس. لحبيبي، البروتستانتي، ماضٍ غنيّ بالنشاط المعادي للصهيونية في فترة الانتداب، وإذا رغبتم في معرفة لماذا هو متذمّر لهذه الدرجة ومليء بالكراهية في دولة إسرائيل، ما عليكم سوى العودة لتصفّح مجلّدت المجلّة المؤيّدة للشيوعية «الغد» التي صدرت بفترة الانتداب وقراءة مقالاته حول قضية الصراع اليهودي-العربي. فها هو يكتب في «الغد» (بتاريخ 30.11.45، بالضبط بعد سنتين من قرار التقسيم): «لا يوجد حلّ للمعضلة الفلسطينية إلّا إذا فهمت الجماهير اليهودية بصورة واضحة لا تقبل التأويل أنّ أهداف الصهيونية لن تتحقّق أبدًا، وبكلمات أخرى:
أ. لن يكون اليهود في يوم من الأيام أكثرية في فلسطين!
ب. الدولة اليهودية لن تُقام في فلسطين.

إبّان الانشقاق في الـ PKP (الحزب الشيوعي الفلسطيني) عام 1943  أيّد حبيبي رضوان الحلو (موسى). في شهر سبتمبر 1946 خرج إلى لبنان وتحدّث إلى الشيوعيين اللبنانيين بخصوص مشاركة «عصبة التحرّر الوطني» في اللجنة العربية العليا.

حبيبي هو كاتب بليغ (وفي الكثير من الأحيان - فظّ)، غير أنّه اشتغل بالصحافة (بما يعنيه هذا المصطلح). في حينه حرّر «الاتحاد» وفي نهاية 1945 حرّر أسبوعية «المهماز» التي كان يملك %20 من أسهمها. لم تنجح الصحيفة وأعلن حبيبي إفلاسه، غير أنّه لم يُلقِ القلم من يده.

ترك حبيبي إسرائيل إبّان المعارك وعاد إليها بعد انتهاء الحرب. قام بالتوجّه إلى أشخاص في حزب مپام (حزب العمّال الموحّد) طلبًا للمساعدة، وبعدئذ قام بمهاجمتهم بوقاحة. في ماكي «عثر على منصب له». في المؤتمر الـ 11، عام 1949، انتُخب مع طوبي عضوًا في اللجنة الدائمة وفي لجنة تثقيف الكوادر. عندما كان م. ڤلنر مشغولًا  بتنظيم «الدورة القصيرة للحزب الشيوعي في الاتحاد السوڤييتي» أشغل حبيبي موقعه كرئيس لجنة تثقيف الكوادر. بالإضافة إلى ذلك تمّ تعيينه في المكتب السياسي. بعدئذ دخل الكنيست وبدأ يترقّى في سلم ماكي ويمثّله في المؤتمرات المنعقدة خارج البلاد.

التراجيديا: إميل توما
إميل توما

عندما بدأ الغليان القوموي الأخير في صفوف ماكي اهتمّ المعنيّون بالأمر في السؤال: ما هو الموقف الذي سيتّخذه إميل توما، المُثقّف والأكثر موهبة من بين كلّ عرب ماكي، خرّيج كامبريدج والشخص المركزي في الحركة الشيوعية العربية في البلاد إبّان فترة الانتداب. وحقًّا أثار موقفه الاستغراب: لقد وقف إلى جانب توفيق طوبي وضدّ الحركة الانشقاقيّة.  سبب الاستغراب ليس فقط أنّه يمشي مع خصمه (… وقريبه؛ توما هو صهر - شقيق زوجة - طوبي) وإنّما لأنّ قومويًّا مثل توما يقوم بتقييم آخر للوضع مختلف عن تقييم صليبا خميس وإميل حبيبي. هكذا حصل، أنّ توما بالذات، الذي هاجم طوبي في محادثات شخصية في مارس 1951 بسبب «مجاراته الوضع وطأطأة رأسه التي ظهرت بخطابه العبري الأوّل في الكنيست»، هو بالذّات يقف الآن سدًّا منيعًا أمام التيّارات العكرة في ماكي، بل وحاول إغلاق مجلّة ماكي الأدبية «الجديد» - التي كان يحرّرها - أمام هذه الرياح.

إميل جبرائيل توما كان من مؤسّسي «عصبة التحرّر الوطني»، وأشغل منصب سكرتيرها العام، وحرّر «الاتحاد»، وفيها أشاع كراهية واضحة ومعاداة للصهيونية. في العام 1945 شارك بوصفه موفدًا من «عصبة التحرّر الوطني» في مؤتمر الحزب الشيوعي البريطاني. في العام 1946 حاول الانضمام إلى اللجنة العربية العليا سوية مع الدكتور بديري من القدس، لأجل تعزيز التأثير الشيوعي. في العام 1947 كان عضوًا في اللجنة القومية العربية في حيفا وفي نفس العام أجرى مفاوضات مع المفتي في لبنان لإجراء «انتخابات ديمقراطية» للجنة العربية العليا.

في أپريل 1948 يخرج إلى لبنان وهناك يُسجن بتهمة نشاط شيوعي. بعد سنة يعود إلى البلاد سرًّا، تقبض الشرطة عليه، غير أنّه يُطلق سراحه بكفالة من صليبا خميس، سكرتير فرع ماكي في الناصرة.

إملاء النقد الذاتي
اعتراف إميل توما  بأخطائه

يحاول توما العودة إلى النشاط في ماكي، غير أنّ الأبواب موصدة أمامه لأنّهم لم ينسوا له انحرافاته الخطيرة في المسألة القومية. يفرضون عليه كتابة نقد ذاتي كشرط لقبوله في ماكي. يُروى أنّه قدّم نقدًا ذاتيًّا غير أنّه لم يكن كافيًا بنظر اللجنة المركزية لـ ماكي، وتقوم اللجنة المركزية بإملاء نقد ذاتي عليه وبإجباره على التوقيع عليه. في ذلك النقد الذاتي يعترف بكلّ أخطائه.  لقد ذُكر هناك، بين سائر ما ذُكر: «عاملان اثنان أعاناني على إعادة فحص نشاطي في الحزب: قرار مكتب الإعلام في الپوليتبيرو بشأن وضع الحزب اليوغوسلاڤي (1948) والقرار المشترك للحزب الشيوعي الإسرائيلي و«عصبة التحرر الوطني»بشأن الوحدة العالمية للحركة الشيوعية (1948). في السنوات 1946-1948 أُسّست سياسة »عصبة التحرر الوطني» على الوحدة القومية بدل هيمنة البروليتاريا وطالبت بوحدة مع الأحزاب العربية البورجوازية. لقد نبع هذا الخطأ من تقييمي الخاطئ بأنّ الحركة القومية العربية هي القوة الوحيدة في حركة التحرير في فلسطين». بعد اعترافه هذا يُقبل كعضو بسيط في الحزب وطوال سنوات يراقبون خطواته. على ما يظهر فإنّه هو الذي اختير ليكون كبش فداء (وربّما أيضًا لتخوّف رفاقه من أنّه سيبرز فوقهم نظرًا لمواهبه؟ ماكي ليس نظيفًا من ظواهر من هذا النوع!).

ليس العرب فقط هم من راقب خطواته؛ وإنّما اليهود أيضًا، مثل شخص واحد يُدعى دروكمان، حيث التزموا بصورة خاصّة بمنع انتخابه لمؤسّسات ماكي. بعد مؤتمر ماكي الـ 12 يبدأ صعوده البطيء وفي مؤتمر ماكي الـ 13 (الذي انعقد في العام االمنصرم) يسمح توما لنفسه بأن يكون أحد اثنين من المندوبين اللذين يتحفّظان على القرارات. على الرغم من ذلك، حين جاء وقت الحسم تذكّر توما بلا شكّ النقد الذاتي الذي أُملي له في حينه من قِبل قيادات ماكي فيخرج ضدّ التوجّهات الانشقاقية، ولا يجب الاستهانة بوزن توما الشخصي وتأثيره.

إميل توما يعمل كما ذكرنا بتنسيق مع توفيق طوبي، «الثاني بعد ميكونيس». ومن خلفهم يشاهد هذه اللعبة بقلق كلّ من ميكونيس، سنيه وڤيلينسكا. هؤلاء نشروا قبل أسبوعين بيانًا في «كول هعام» ورد فيه أنّ شخصيّات عامّة بينها نوّاب كنيست وناشطي هستدروت ينتمون إلى مپاي قد حذّروا عددًا من ناشطي ماكي من مغبّة مغامرات إرهابية في المناطق العربية في إسرائيل. «هذه التوجّهات التي جاءت بإيعاز من الـ شين بيت تشهد على مؤامرات استفزازية وملاحقات ضدّ الحزب الشيوعي الإسرائيلي وغايتها زرع الفرقة وعدم الثقة في صفوفه».

غير أنّ الحقيقة هي أنّ زعماء ماكي، أكثر من كونهم يخشون ال شين بيت فإنّهم قلقون جدًّا من نجاح مجموعة القومويين العرب، والنشر في «كول هعام» الذي جاء بتوقيع المكتب السياسي لـ ماكي لم يكن إلّا للتغطية على ذلك.
*
في وقت كتابة هذه السطور، لا نعرف بعد ما هو القرار النهائي للقومويين - هل هو إنشاء حزبهم الجديد أو الانتظار. لكن من الواضح أنّ حساب صليبا خميس وشركاؤه هو حساب خاطئ، مثلما أنّ حساب «الشيوعي الجديد» موشي سنيه كان خاطئًا من ناحية أخرى. يرى هؤلاء بمخيّلتهم الحركة القومية العربية تجتاح الشرق الأوسط بأسره، فيختصرون الطريق.  حريّ بهم أن يسألوا مرّة موشي سنيه كيف وصل إلى صفوف ماكي. عندئذ سيفتح الدكتور فمه ويروي لهم، كيف أنّه في تلك الأيام القاتمة من نهاية 1952 توقّع هو أيضًا قروب الـ«خلاص» (بسبب التوتّر الدولي الذي تعاظم جدًّا آنئذ) وسارع «لإعداد الكوادر» - وتبلبلت حساباته في النهاية فانجرف إلى صفوف ماكي مع عدد ضئيل من المنتخبين.

من الجدير أيضًا، من الجدير جدًّا، أن ينصتوا إلى هذه القصّة وأن يتعلّموا منها درسًا.“

نقلا عن: «عل همشمار»، 7.2.1958
***
مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!