مقالة من عام 2005:
سلمان مصالحة ||
أمّة عربيّة بائدة ذات رسالة دائدة
مثلما اختفى النّظام البعثي الفاشي في بغداد بين ليلة وضحاها، وذهب ليختبئ في جحر في الأرض، هكذا آن الأوان أن يذهب البعث الشّامي إلى الجحيم، وإذا شاءت الأقدار أن يكون ذلك بعون من العالم الحرّ والدّيمقراطي، فليكن ذلك. النّظام العربي بأسره، ممالك وإمارات وسلطنات وجمهوريّات وراثيّة، والنّظام العربي بأسره من مجتمعات وتقاليد ومعتقدات، يجب أن يذهب إلى الجحيم وإلى الأبد. لم يعد أحد يطيق هذا الوضع المزري. التّغنّي بالشّعارات الزّائفة طوال قرون قد أزهقت أرواح البشر على مللهم ونحلهم وأفقرت البشر في مناطق تُعدّ من أغنى بقاع الأرض. لم يعد أحد في هذا العصر يصدّق هذا الدّجل العربي.
نحن أمّة على مفترق طرق فإمّا أن ننظر
إلى أنفسنا بالمرآة ونرى قبحنا وإمّا فلن تكتب لنا الحياة أبدًا. نحنُ أمّة
تُقدّس الماضي على موروثه الإجرامي، بل أكثر من ذلك إنّنا نُربّي الأجيال الجديدة
في البيت وفي المدرسة، في وسائل الإعلام وفي دور العبادة على هذا الموروث الّذي
آن الأوان إلى نفضه وإلى طحنه وإلقائه في سلّة مهملات التّاريخ البشري.
نحنُ أمّة
عنصريّة وقد ترعرعنا حضاريًّا على كراهية العجم، والعجم هم الأغيار بلغة هذا
العصر. نحنُ أمّة عنصريّة لأنّنا كُنّا نتغنّى في الصّبا بشعر المتنبّي: "لا
تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معه - إنّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ"، فعلّمونا في
المدرسة أن تهتزّ مشاعرنا فرحًا بهذه العنصريّة الشّعريّة. هكذا في المدرسة وهكذا
في الشّارع وهكذا في كلّ زاوية من بقاعنا من المحيط إلى الخليج.
نحن أمّة عنصريّة
لأنّنا ملل ونحل وطوائف وقبائل تربّي أبناءها على الكراهية طوال قرون، بينما ترفع
في العلن شعارات الإخاء الزّائفة. لم يعد هذا الكلام ينطلي على أحد.
نحن أمّة
قبيحة تتغنّى بجمالها الزّائف، غير أنّ العالم من حولنا يرى قبحنا على حقيقته.
آه، ما أقبحنا.
انظروا كيف أنّنا نحن أكثر الأمم حديثًا عن الشّرف والكرامة. أليس
في هذا خير دليل على انعدام الشّرف والكرامة لدينا. إذ لو كنّا حقًّا شرفاء
وكرامًا لما احتجنا إلى التّغنّي بكلّ هذه الشّعارات. لو كنّا حقًّا شرفاء
وكرامًا لأشعنا أنوارهما على من حولنا. نحن أمّة ذكوريّة لا شرف لنا من ذواتنا
نحن، بل نضع كلّ هذا الشّرف في النّساء. إنّ من لا ينبع شرفه من ذاته هو فلن يكون
شريفًا أبدًا، مهما تغنّى بهذا الشّرف الزّائف.
إنّ ما نشيعه اليوم في العالم من
حولنا هو الإرهاب والتخلّف فقط. هذه هي صادراتنا العربيّة إلى العالم اليوم. ألا
تخجل هذه الأمّة بهذا الإرث الّذي نخرته الأرضةُ فتتطاير شررًا يحرق الأخضر
واليابس عندنا، وعند جيراننا في هذه البشريّة المنكوبة بنا وبحضارتنا البلهاء.
غالبية مثقّفينا ومفكّرينا خانوا شعوبهم بصمتهم على هذا الإرث الإجرامي والّذي
ينزف دمًا وتخلُّفًا منذ قرون طويلة. ألم يئن الأوان لإجراء جلسة واحدة حقيقيّة
لحساب النّفس؟ ألم ييأس أحد بعد من هذا الوضع؟
ها أنا أدعو القرّاء اليوم إلى
اليأس. اليأس هو مفتاح الولوج إلى سواء السّبيل. وسواء السّبيل ليس بالمعنى
الدّيني الّذي يرفعه الدّجّالون من فقهاء الظّلام. سواء السّبيل الّذي أرمي إليه
هو إعمال العقل، هذه النّعمة الّتي أغدقتها علينا الطّبيعة. العقل يوحّدنا
بَشَرًا، وكلّ ما سواه يفرّقنا مللاً ونحلاً هي أقرب إلى الحيواناتِ المفترسة
منها إلى البشر. فالعقل، والعقل وحده، هو ميزتنا البشريّة، وكلّ ما سواه، من
معتقدات دينيّة وتقاليد بائدة، هو ميزتنا الحيوانيّة من عصور التّخلُّف البشري
السّحيقة.
نحن بحاجة إلى ثورة أتاتوركيّة في العالم العربي تفصل الدّين عن
الدّولة وعن المجتمع العامّ بصورة جذريّة. نحن بحاجة إلى ثورة أتاتوركيّة تحظر
قيام أحزاب دينيّة تفرض أيديولوجيّاتها على المجتمع وعلى الشّارع. نحن بحاجة إلى
ثورة ذهنيّة تقوم بإرجاع العفريت الدّيني والطّائفي إلى القمقم ودفنه في أسفل
سافلين.
لا توجد طريق أخرى للخروج من هذه المزبلة الحضاريّة.
إذا كان لديكم طريق
أخرى، هيّا أرشدونا!
* نشرت في: إيلاف -
18 فبراير 2005