سورية كحقل تجارب للأسلحة الروسية

ألا تعني هذه الحال التي يراها القاصي والداني أنّ ما يُسمّى اصطلاحًا ”عروبة“ هو مجرّد أوهام لا تستند إلى أيّ أساس متين؟

الحرب التي على الأبواب


سلمان مصالحة ||

الحرب التي على الأبواب


هل يمكن القول إنّ المنطقة قد دخلت مرحلة العدّ التنازلي لحرب قادمة؟ فلقد سبق التصعيد الحربي الذي شهدته الجبهة الإسرائيلية السورية قبل أيام تصعيدٌ إعلاميّ واسع في الأسابيع الأخيرة كان يشي بتسارع الأحداث نحو حالة حربيّة مقبلة.

صبحي حديدي || هل يخشى الشعرُ الموسيقى؟



مختارات:



صبحي حديدي ||

هل يخشى الشعرُ الموسيقى؟


البريطاني والتر هوريشيو بايتر (1839 ـ 1894)، الناقد ومؤرّخ الأدب وأحد كبار صنّاع الأسلوب في عصره، خلّف لنا عبارة مفعمة بالجاذبية والغموض واستثارة الحيرة، حول وئام أو اصطراع، وتكامل أو تنافر، أنماط التعبير الفني المختلفة: «كلّ الفنون تطمح إلى بلوغ شرط الموسيقى». وكان الرجل يدرك أنّ الموسيقى لم تصعد أو تهبط في سلّم الفنون الشقيقة، فحسب، بل مضى زمن أُقصيت فيه خارج مضمار الفنّ، نهائياً، و»تيتّمت»، كما عبّر الموسيقيّ الألماني روبرت شومان، بل لم يكن لها أب أو أمّ أو نسل، كما أكملت ليديا غوير أستاذة الفلسفة في جامعة كولومبيا الأمريكية.

وفي فصل ضمن كتاب بالغ الأهمية، صدر مؤخرًا بالإنكليزية تحت عنوان «إلحاح الفنون: الفلسفة وعلم الجمال بعد مطلع الحداثة»، تساجل غوير بأنّ الموسيقى تنازلت للشعر وللرسم عن احتكار المعنى والتمثيل والإشارة، أو تخلت عن الانخراط في «حروب العلامة» و»حروب القول» و»حروب الصورة»، لصالح التجريد الأقصى، عبر الصوت بصفة عامة، والوقع والإيقاع بصفة محددة. لكنّ هذه الخلاصة تحيلنا إلى ملفّ العلاقة بين الموسيقى والمطلق، ثمّ الأثر السحري الذي تمارسه الموسيقى على الروح، وبالتالي على الشعر بوصفه أحد أبرز الفنون التي تخاطب الروح.

هنا نموذج من محمود درويش في «فانتازيا الناي»، حيث تتكثف معادلات اللعب بين الإشارات الصوتية والدلالية، واشتباك المعنى بالإيقاع: «النايُ أصواتٌ وراء الباب. أصواتٌ تخافُ من القمرْ/ قمرِ القرى. يا هل ترى وصلَ الخبرْ/ خبرُ انكساري قربَ داري قبل أن يصلَ المطرْ/ مطرُ البعيدِ ولا أُريدُ من السنةْ/ سنةِ الوفاةِ سوى التفاتي نحو وجهي في حجرْ/ حجرٍ رآني خارجًا من كُمِّ أمّي مازجًا قدمي بدمعتها/ فوقعتُ من سنةٍ على سَنَةِ/ ما نفع أُغنيتي؟».

وكان الإغريق قد فسّروا هذه العلاقة على نحو مثير بالفعل، حين اعتبر الفلاسفة والرياضيون الفيثاغوريون أنّ «العماء السديمي» غير المحدود كان يخيّم على الكون بأسره، حتى ولدت هرمونية الموسيقى، فانتصر النظام على العشوائية، والخير على الشر، والمحدود على اللامحدود. ولأنّ الموسيقى تجلّت أولًا في أصوات الطبيعة من خرير وحفيف وتغريد، ثم لأنّ البشر صنعوا موسيقى خاصة بهم حين نجحوا في محاكاة موسيقى الطبيعة، فإنّ النقلة «التقنية» الكبرى التالية كانت ابتكار مختلف إيقاعات الشعر وأوزانه.

مثير أيضًا ذلك التباين في تفسير الثقافات لمدى ما يكمن في الموسيقى من خير أو شرّ، طبقًا لفيزيائية تكوّن الصوت أو انطلاقه، أو تشكيل النغمة وتأثيرها، الأمر الذي أفضى، أيضاً، إلى إسناد مقدار من «المعنى» لهذا الشكل أو ذاك من إيقاعات الشعر. ففي الشرق كانت النفخة متنفس الروح ومبتدأ الخلق، واحتلت آلات النفخ مكانتها كأسلحة في أيدي الشخوص الأسطورية الخيّرة، أما في اليونان فإنّ آلات النفخ كانت أداة إغواء الروح، واقتيادها إلى عوالم الشرّ السفلية. وليس التباين في التأثيرات الصوتية/ الدلالية لأوزان الشعر، بين ثقافة غربية وأخرى شرقية مثلاً، إلا انعكاس ذلك التضارب في استقبال النفخة روحياً، ثمّ جماليًا بعدئذ بالطبع.

من هذا كله تتضح علاقة وثيقة بين الموسيقى والروح، ثم بين الروح والشعر باعتباره رديف الموسيقى وتوأمها الفنّي منذ أقدم الحضارات الإنسانية. وحين نتحدث عن العلاقة بين الموسيقى والشعر فإننا غالبًا نقصد الأغنية، والمزاج الغنائي، والإنشاد، والترنيم، وما إلى هذا كله. ويجدر التذكير بأنّ العرب كانت تجزم بأنّ «مِقْوَد الشعر الغناء»، وحسّان بن ثابت صاحب بيت شهير يقول: «تغنّ في كل شعر أنت قائلُه/ إنّ الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ». ولعلّ أبسط، وربما أدقّ، تعريفات الأغنية هو ذاك الذي يصفها بأنها «قَوْل لفظي يعتمد على الموسيقى للتعبير عن المشاعر»، أي التعريف الذي يقرنها بالشعر على وجه التحديد، ويجعلها مزيجًا موفقًا من تأثير الشعر وتأثير الموسيقى.

وهكذا، في مسعى تبديد الخشية (الافتراضية، بالطبع) بين الشعر والموسيقى، هنالك تصنيفان أساسيان: الأوّل شكلي يدور حول الأوزان الشعرية، والإيقاعات، وتقسيم القصيدة إلى مقاطع قصيرة أو طويلة، واستخدام القافية، وما إلى ذلك، والثاني دلالي يتعلّق بالموضوع، واللغة المستخدمة، والعاطفة السائدة في القصيدة، وسواها. ويصعب في الواقع فصل هذه الاعتبارات إلا في أغراض التحليل النقدي، لأنها جميعًا بمثابة عوامل متكاملة تتوحّد لتحقيق درجة كافية من الاندماج بين الكلمة والنغمة، أو تتفكك فلا تُحقّق الموسيقى، ولا تُبقي الشعر على حاله الأصلية. والتقاء الموسيقى بالشعر يُعدّ الاتصال الأكمل بين قدرة الموسيقى على التعبير الإيحائي عن طريق الأنغام الدالّة المجرّدة، وبين قدرة الشعر على التعبير الإيحائي عن طريق الكلمات الدالّة المحسوسة المعنى.

وقد لا يملّ المرء، هنا، من استعادة تعبير «هيئة الصوت»، الذي أطلقه الشاعر الإنكليزي ديلان توماس ذات يوم، وأعطانا في شرحه هذا النصّ البديع: «لقد رغبتُ في كتابة الشعر لأنني، بادئ ذي بدء، وقعت في غرام الكلمات (…) لقد شدّني صوت الكلمات، ولم أكن أعبأ بما تقوله بقدر حرصي على هيئات الصوت الذي يسمّي، والكلمات التي تصف الأفعال في أذني، والألوان التي ترشق الكلمات على عينيّ».
لماذا، إذن، يُخشـــى على الشــعر من الموسيقى، أو العكس؟
*
القدس العربي، 12 فبراير 2018



نحن بحاجة إلى قائمة مشتركة، لكن مختلفة


مقالة "هآرتس" العبرية: 

بترجمة عربية في "القدس العربي":

 القائمة العربية المشتركة بتركيبتها الحالية تخدم اليمين في إسرائيل.

سلمان مصالحة ||

نحن بحاجة إلى قائمة مشتركة، لكن مختلفة


كل الاستطلاعات التي أجريت في الأشهر الأخيرة تشير إلى استقرار أو ضعف القائمة المشتركة العربية. إذ أنها ستفقد، في معظم الاستطلاعات، مقعدين من مقاعدها الـ 13 الحالية. كما هو معروف، شكلت هذه القائمة بعد رفع نسبة الحسم قبل الانتخابات الأخيرة. الخوف من أن أحد الأحزاب العربية لن يجتاز نسبة الحسم، دفع الإسلاميين والشيوعيين والقوميين العرب إلى التجمع تحت سقف بالٍ واحد من أجل الوصول إلى الكنيست وأداء يمين قسم الولاء للدولة.
كشفت الأشهر الأخيرة للجميع، على الأقل للجمهور العربي، هشاشة هذه القائمة. يتبين أن الخلافات بين مركبات القائمة تقلصت إلى درجة مضحكة.

لم تتمركز هذه الخلافات حول أمور صغيرة كشؤون المجتمع والدولة والعلاقة بين الأغلبية والأقلية في دولة ديمقراطية، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني أو وضع الأقلية العربية في الدولة. كل خلاف بين مركبات القائمة تركز في اتفاق التناوب الذي وقع بين الأحزاب للمشاركة فيها قبل الانتخابات. الموقعون على الاتفاق لم يخطر ببالهم أن أحد أعضاء الكنيست في القائمة، باسل غطاس (بلد)، سيتصرف بعدم مسؤولية قريب من الجنون، ويجد نفسه خلف قضبان السجن. عضو الكنيست هذا أفسد خطة التناوب، ومنذ ذلك الحين والشارع العربي يشهد تبادل الاتهامات والإدانات المتواصل بين مركبات القائمة، وجري يائس لأعضاء لجنة المصالحة المكونة من «مخاتير» في محاولة للجسر وحل المشكلة مدار الخلاف: مقعد في الكنيست والذي يدعي أعضاء «بلد» حقهم به.

يمكن التخمين أن هبوط مكانة القائمة في الاستطلاعات الأخيرة ينبع ضمن أمور أخرى من الاختلاف المذكور أعلاه الذي يشير أكثر من أي شيء آخر إلى قصر مدة حياة القائمة المنشغلة بألاعيب الكراسي البرلمانية. من الواضح لكل من له عقل أن القائمة في تركيبتها الحالية لا تساعد القائمة العربية بشيء، بل العكس، فهي تضع كل المواطنين العرب في سلة واحدة تقف بشكل متناقض مع السلة الأخرى ـ المواطنون اليهود.

في دولة سليمة، يسعى الجميع إلى الإسهام بدورهم بصورة متساوية في المجتمع المدني، من المحظور أن تتصرف الأغلبية والأقلية حسب قاعدة التوتر العرقي ـ القومي. في هذا الوضع لا يوجد للأقلية أي فرصة للحصول على أي شيء جدي سوى الفتات الذي ترميه لها الأغلبية القومية لأسباب خاصة بها.

أيضا لو زادت القائمة المشتركة قوتها بمقعدين آخرين، وليس هناك احتمال لذلك، فإنه لن يتغير شيء في المعادلة الحالية. لذلك فقد حان الوقت لكسر هذه المعادلة. الأقلية العربية في البلاد بحاجة إلى الدعم الذي يأتي من أوساط الأغلبية القومية. الأقلية يجب عليها البحث عن مسارات لقلوب الأغلبية. من أجل ذلك يجب إيجاد منبر يستند إلى رؤية مدنية تحيد التوترات القومية. هذا المنبر يقتضي وجود قائمة مشتركة، لكن هذه يجب أن تكون يهودية ـ عربية وتفكر بشمولية. يجب عليها أن تتطلع إلى تغيير نظام الحكم القائم وتولي وظائف تنفيذية في نظام حكم بديل.

القائمة العربية المشتركة بتركيبتها الحالية تخدم اليمين في إسرائيل. من جهة، هي تشكل راية حمراء له وشعارًا لتجنيد قبلي في الانتخابات بهدف تخليد الحكم. من جهة أخرى، هي دائما سيلقى بها إلى خارج جدار الشرعية الحاكمة في كل ائتلاف بديل يحل محل حكم اليمين. إن ادعاء «ليس لكم أغلبية يهودية» يتم رفعه دائما أمام كل ائتلاف آخر. كما هو معروف، هذا الادعاء أدى في السابق إلى قتل رئيس حكومة في إسرائيل.
هذه هي الطريق للمستقبل، وليس هناك بديل لها.

هآرتس 7/2/2018
*
نقلا عن: القدس العربي

***
For Hebrew, press here


هذا الشعب


سلمان مصالحة ||

هذا الشعب


تَلَوَّى بِهِ القَلْبُ،
مَادَتْ بِهِ النَّفْسُ.
وَحَلَّتْ دَوَاهِيهِ عَلَيهِ،
فَمَنْ يَأْسُو؟

المجلس المركزي الفلسطيني تمخّض فولد فأرًا

ها هو المجلس المركزي قد أدان وسجّل إدانته، بينما لسان حال الفلسطيني القابع تحت الاحتلال يتلعثم في فكّ المعاني الخفيّة الكامنة في هذه الإدانات...

 

سلمان مصالحة ||

المجلس المركزي الفلسطيني تمخّض فولد فأرًا


رغم الجلسات والمداولات و«طقّ الحنك» السياسي في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي انعقد مؤخّرًا في رام الله، لم يطفُ على سطح الإعلام من هذا المنتدى غير تلك المقولة العاميّة التي نبس بها محمود عبّاس موجّهًا الدّعاء إلى الرئيس الأميركي: «يخرب بيتك»، وسط قهقهة المندوبين في القاعة، وقهقهة هازئة في الشارع الفلسطيني من خطاب يستغرق أكثر من ساعتين تذهبان سدى.

فلو عدنا إلى مجمل القرارات التي انبثقت عن مداولات المجلس التي أعقبت الخطاب، فماذا نجد؟

إنّ القرارات الأخيرة التي اتّخذها المجلس المركزي هي نسخة طبق الأصل من كلّ القرارات المتّخذة في المؤتمرات السياسية العربية أكانت هذه مؤتمرات قمّة أم مؤتمرات من نوع آخر. إنّها أشبه بعلكة نافدة يتكرّر مضغها رغم أنّها قد فقدت كلّ مذاقاتها المسجّلة في ماركاتها.

وكالعادة لم يخيّب المجلس المركزي الرأي العام الفلسطيني بخاصّة والعربي بعامّة. فها هو يغرف من بئر اللغة العربية المعلوكة مفردة «الإدانة» لنظمها في بيانه النهائي، إذ يعلن: ”إدانة ورفض قرار ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل“. ليس هذا فحسب، بل وبما أنّ المفردة قد انتشلت من بئر البلاغة فها هو يوظّفها في مكان آخر مُعلنًا على رؤوس الأشهاد: ”إدانة تسريب ممتلكات الطائفة الأرثوذكسية للمؤسسات والشركات الإسرائيلية، ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك.“

طيّب، ها هو المجلس المركزي قد أدان وسجّل إدانته، بينما لسان حال الفلسطيني القابع تحت الاحتلال يتلعثم في فكّ المعاني الخفيّة الكامنة في هذه الإدانات، وكيف ستؤثّر بلاغة البلاغ هذه على أوضاعه من ناحية عمليّة.

وهنالك قرارات تبدو في الظاهر أنّها عملية وقابلة للتنفيذ الفوري. على سبيل المثال لا الحصر القرار الذي يقضي بـ«تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين». فما معنى هذا الكلام في السياسة؟ هل الاعتراف لعبة، وماذا يعني تكليف لجنة بتعليق الاعتراف؟ إنّ هذا الكلام يعني شيئًا واحدًا وهو إطلاق كلام شعبوي لامتصاص غضب شعبي، والإحالة إلى اللجنة التنفيذية لتعليق الاعتراف تعني دفن هذا الكلام لأجل غير مسمّى في أروقة لجان قد تجتمع وقد لا تجتمع فلا أحد يتعقّب سلوكيّاتها. وبعد حين يتمّ تناسي كلّ هذا الكلام، وكأنّه لم يكن.

الكلام الممجوج في هذه القرارات يظهر جليًّا فيما يخصّ العلاقات الأمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إذ نقرأ بندًا آخر من قرارات المجلس المركزي ينصّ على: «تجديد القرار بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله». وبكلمات أخرى، فالقرار ليس جديدًا، وإنّما هنالك دعوة إلى تجديده. فإذا كان ثمّة قرار، فما الحاجة إلى التجديد، وهل من جديد في علك الكلام مرّة أخرى، أم إنّه مجرّد تكرار لشعارات رنّانة لاستدرار العواطف، بينما في الواقع لا يتمّ تنفيذ شيء منها.

مثال آخر على مثل هذه القرارات يتعلّق بالمستوطنات حيث يذكر البيان الختامي للقرارات المتّخذة بندًا يقول: «استمرار العمل مع العالم لمقاطعة المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية في المجالات كافّة». بكلمات أخرى، لا جديد تحت الشمس، بل هو استمرار لقرارات سابقة. غير أنّ من يطلب من العالم مقاطعة المستوطنات، عليه أن يبدأ بنفسه بتفعيل هذه المقاطعة. والواقع يقول شيئًا آخر. إذ إنّ منتجات المستوطنات تملأ الأسواق الفلسطينية. بل والأنكى من ذلك هو عشرات آلاف العمّال الفلسطينيين أنفسهم الذين يقومون يوميًّا بالعمل في بناء هذه المستوطنات وتوسيعها.

غير أنّ قمّة السخف في هذه القرارات هو ذلك البند الذي يتطرّق إلى اتّفاقيات أوسلو، حيث يشير البيان الختامي حرفيًّا: «المجلس المركزي يقرّر أنّ اتفاقيات أوسلو لم تعد قائمة... ويدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته».

مرّة أخرى، إنّ من يدعو المجتمع إلى تحمّل مسؤولياته، عليه أن يبدأ بنفسه في تحمّل المسؤولية. وبكلمات أخرى، إذا كانت اتّفاقيات أوسلو لم تعد قائمة، فمعنى ذلك أن السلطة الفلسطينية ذاتها لم تعد قائمة، لأنّها سلطة فلسطينية قد انبثقت هي بالذات عن اتفاقيات أوسلو. لكن، وعلى ما يبدو فليس هنالك من هو أهل لتحمّل المسؤولية والإعلان عن حلّ هذه السلطة تمشيًّا مع الشعار البلاغي في القرار المتّخذ. غير أنّ هؤلاء لا يملكون الشجاعة الأخلاقية لحلّ هذه السلطة لأنّها بقرة حلوب لأصحاب الامتيازات والمنتفعين من أموال الدول المانحة.

خلاصة القول، هذه هي حال السياسة والسياسيين في فلسطين المحتلّة. وكما يُقال في الكلام الشعبي «لا يوجد على الكلام جمرك». ولهذا، ولأنّ الكلام بـ«بلاش» فلن تبلغ سيول البلاغة والبلاغات الفلسطينية الزبى.
*
الحياة، 22 يناير 2018


عبّاس عبّاس



مقالة شعرية


سلمان مصالحة ||

 عبّاس عبّاس

                   في اقتفاء أثر أبي نواس

”عَبَّاسُ عَبَّاسٌ
إذَا ٱحْتَدَمَ الوَغَى“.
وَالفَتْحُ فَتْحٌ،
وَالحَمَاسُ حَمَاسُ.

أي، نعم !


سلمان مصالحة

أَيْ، نَعَمْ!


أَيْنَ مِنِّي طائِرٌ حامَ، وَهَمّْ
أَنْ يُداوِي حَسْرَتِي، أَوْ بَعْضَ غَمّْ

كُلَّمَا دَاعَبْتُهُ طَارَ إلَى
أُفُقٍ قَاصٍ، وَأَبْقَى لِي ٱلأَلَمْ.

في البحث عن إيران أخرى


ولمّا كان الوضع العربي، وبعد كلّ التجارب العربية، ميؤوس منه، وما من بصيص أمل يظهر في الأفق، فإنّ ”الربيع الإيراني“ قد يكون أوّل خطوة للخروج من مآزق هذه المنطقة. 


سلمان مصالحة

في البحث عن إيران أخرى


”منطقتنا بحاجة إلى إيران أخرى...تلك التي تملك إمكانات واعدة لا نملكها“، يكتب الأستاذ حازم صاغية مُذكّرًا القارئ أنّ: ”الوضع العربيّ الذي يئنّ تحت وطأة الثورات المضادّة والهزائم والتفتّت من كلّ صنف لا يملك ما يقدّمه“.

وبالنّظر إلى أحوال العالم العربي، ما قبل وما بعد سنوات هذا ”الربيع“ العربي الدامي، أجدني أتّفق مع ما يرمي إليه الأستاذ صاغية من أنّه: ”ما لم يطرأ حدث كبير في إيران فإنّ شيئًا لن يتغيّر عندنا“. فما لم تخرج إيران من سيطرة الملالي وما يحملونه من أيديولوجيّات فإنّ المستقبل العربي سيظلّ رهينة لنزواتهم وأحلامهم الإمبراطورية القومية الفارسية المختبئة بأقنعة مذهبية صُنعت من حقب الماضي النازف نتيجة للقاء بين العرب والعجم.

ولمّا كان هذا المشرق العربي مأزومًا بتركيبة كياناته الإثنية والطائفية، ومأزومًا بتركيبة زعاماته الطائفيّة والقبليّة التي لم تُفلح في تأمين حياة البشر بكيانات عابرة لهذه النزعات، فإنّ هذا المشرق سيبقى عرضة للتّلاعب بمصائره ومصائر قُطّانه على اختلاف خلفيّاتهم. وسيظلّ هذا العالم العربي مسرحًا تتعارك فيه القوى الإقليمية والقوى العظمى لا يحدوها مصائر أهله بقدر ما تحدوها مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة.

كما يسعنا القول إنّه وبالنّظر إلى التجارب العربية في هذه الكيانات التي خرجت من الحقبة الاستعمارية إلى حقبة الاستقلالات الوطنية، وطوال عقود طويلة لم تُفلح زعامات هذه الكيانات في بناء دولة واحدة يمكن للإنسان العربي أن يفخر بها. وهكذا يجد الإنسان العربي نفسه محاطًا بعالم يحثّ الخطى عابرًا في قطار التقدّم على جميع الصعد، بينما يقبع هو على قارعة الطريق مُستهلكًا لفتات يلقيه إليه المسافرون من نوافذ هذا القطار السريع.

ولأنّ العرب، وعلى ما يظهر للأسف من التجارب العربية ومن التاريخ العربي، لم ينتقلوا بعد من الطّور القبلي بعصبيّاته إلى طور الشعب العابر للعصبيّات وبناء دولة المؤسّسات، فإنّ مآل هذه الكيانات هو ما يشهده القاصي والداني ممّا آلت إليها من أحوال.

إنّ الوميض الوحيد في هذا الليل العربيّ الطويل الذي يشير إليه الأستاذ صاغية يأتي من إيران ومن ناسها الذين خرجوا للشوارع في العام 2009 في ”ثورتهم الخضراء“، تلك التي قمعها الملالي مستخدمين العنف. وها هي المظاهرات ضدّ نظام الملالي تنفجر من جديد في هذا البلد العريق.

ولمّا كان الوضع العربي، وبعد كلّ التجارب العربية، ميؤوس منه، وما من بصيص أمل يظهر في الأفق، فإنّ ”الربيع الإيراني“ قد يكون أوّل خطوة للخروج من مآزق هذه المنطقة.

ما من شكّ في أنّه لو قُدّر لهذه المنطقة أن تشهد في المستقبل ثورة ديمقراطية حقيقية فإنّ إيران هي المُرشّحة الأولى لثورة كهذه، وليس أيّ كيان عربي آخر. ربّما بعد أن يطيح الإيرانيون بنظام الملالي نافضين عن كاهلهم أغلال القرون الوسطى، قد يجنح العرب إلى تقليدهم فينفضون عن كاهلهم قرونهم الطويلة وعصبيّاتهم السليلة.

قد يكون الكلام أعلاه من بنات الأحلام، غير أنّ الأحلام هي ما تبقّى للعربي في هذا الأوان. كما إنّ الأحلام هي ما لا يستطيع أيّ نظام عربيّ أن يكسرها أو يمحوها مهما تجبّر واستبدّ.
*
الحياة، 2 يناير 2018
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!