الاثنين، 16 مارس 2015

حول التدخل العربي في الانتخابات الإسرائيلية


سلمان مصالحة ||

حول التدخل العربي في الانتخابات الإسرائيلية


لو كان الأمر مضحكًا لضحكنا. فجأة وفي ضوء الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها اليوم، بدأت منذ مدّة تُنشر تصريحات من هذا المسؤول أو من ذاك الزّعيم العربي موجّهة الكلام إلى المواطنين العرب في إسرائيل، حيث تحضّهم على المشاركة الكثيفة في الانتخابات. ليس هذا فحسب، بل تُسمّي لهم القائمة التي يجدر بهم التصويت لها.


لقد قرأنا أخيراً تصريحات مسؤولين في الجامعة العربية في شأن مشاركة العرب من مواطني إسرائيل في هذه الانتخابات، حيث ذكرت وسائل الإعلام: «أعربت جامعة الدول العربية عن دعمها الكامل للخطوة الإيجابية التي اتخذتها مجموعة من الأحزاب العربية والشخصيات الفلسطينية من عرب 48 بدخول انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقررة في مارس المقبل بقائمة موحدة، داعية كل المواطنين العرب إلى أن يذهبوا إلى صندوق الاقتراع لدعم هذه القائمة بكل قوة»، كما ذكرت وسائل الإعلام.

وفي هذا السياق، نودّ القول: كم هو غريب أمر هذه المؤسسة المسمّاة جامعة الدول العربية! فعلى ما يبدو، وبعدما انتهت من حلّ كلّ القضايا العالقة في العالم العربي، وجدت متّسعاً من الوقت للتطرّق إلى الانتخابات الإسرائيلية، ولشؤون المواطنين العرب في إسرائيل. والسؤال الذي لا مناص من طرحه هنا، كيف تجرؤ هذه الجامعة على التدخُّل في ما لا يعنيها من شؤون المواطنين العرب هنا؟ وهل تعتقد أنّ المواطنين العرب هنا قد بلغوا هذه الدرجة من الغباء، وهم ينتظرون بفارغ الصبر وصول إيحاءات هذه المؤسسة التي شبعت موتاً أصلاً، بغية تعريفهم بمصالحهم وبحقوقهم في وطنهم؟

ثمّ سؤالٌ آخر لا مناص من طرحه، إذا كانت مصالح الشعوب تعني هذه المؤسسة حقّاً، فلماذا لم نسمع منها تصريحات تطالب بإجراء انتخابات ديموقراطية مثلاً في البلاد العربية الممثّلة في جامعتها؟ ولماذا، مثلاً، لم نسمع تصريحات تطالب المصريين أو التونسيين أو غيرهم بالتصويت لهذا الحزب أو ذاك، لهذه الفئة أو تلك؟ أم إنّ هذا التدخُّل الفظّ محصور فقط في شؤون المواطنين العرب في إسرائيل؟

يجب أن نبلغ المسؤولين في هذه الجامعة العربية المأزومة بأنظمة دولها أن تكفّ عن التدخُّل في شؤون المواطنين العرب في إسرائيل، مثلما لا تتدخّل في الشؤون السياسية لأيّ من المواطنين العرب في أيّ من الدول العربية التي تنضوي تحت لوائها. فنحن أدرى بشعابنا وبشعوبنا، وبمصالحنا الوطنية وباختياراتنا السياسية، الثقافية والاجتماعية.

وقبل أيّام خرج علينا زعيم عربي آخر، تنطّح هو الآخر لهذا الشأن وأدلى بدلوه في أمور الانتخابات الإسرائيلية. لقد جاء التصريح هذه المرّة من الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، وكان التصريح موجّهاً حصريّاً إلى فئة معيّنة من المواطنين لدينا، إلى أبناء الطائفة الدرزية، حيث ناشدهم بالتصويت للقائمة المشتركة أيضاً.

وفي هذا السياق نقول: كم هو غريب أمر زعامات لبنان هذه! كأنّ لبنان انتهى من حلّ مشاكله المزمنة وانتخب رئيساً جديداً له، ولم يبق إلّا التدخّل في شؤون الجيران، من المواطنين العرب في إسرائيل؟ أنتم في لبنان، ومنذ شهور طويلة، لا تعرفون كيف تنتخبون رئيساً لدولتكم الفاشلة، بسبب طبيعة النظام الطائفي والقبلي في برلمانكم وأحزابكم. والآن توجّهون النصائح لأناس آخرين، كيف ينتخبون ومن ينتخبون. أليس حريّاً بكم أن تهتمّوا بترتيب أمور بيتكم السياسي والوطني قبل إعطاء النصائح للآخرين؟ هذه هي ذروة المهازل.

كما أنّ ثمّة ملاحظة في هذا السياق لا مناص من وضعها على الطاولة: لماذا هذا التوجّه الطائفي لفئة دون غيرها من المواطنين لدينا؟ فعلى رغم أنّنا هنا نرفض هذا التدخّل من الناحية المبدئية، فإنّنا نجد أنفسنا مضطرين لأن نسأل: أليس حريّاً بمن يعتبر نفسه زعيماً عربيّاً أن يتوجّه إلى أطياف المواطنين العرب كافّة؟ إن تخصيص فئة دون غيرها بهذه التصريحات جزء من المآزق العربية والأمراض التي نحاول الشفاء منها. ومن يعتبر نفسه عربيّاً لا يمكن أن يكون إلّا علمانيّاً، يؤمن بفصل الدين عن السياسة والدولة. الإيمان الديني شأن فردي فحسب، ومن شتّت المجتمعات العربية وأدّى إلى شرذمتها إلى طوائف هو وجود الأحزاب الطائفية والدينية، وعلى رأس هذه الأحزاب «الحركة الإسلامية». فهذا النوع من الحركات هو الذي عمل على شرذمة المجتمعات العربية، ليس عندكم فقط، بل عندنا أيضاً. والذي يعطي شرعية لوجود أجسام طائفية كهذه، سيفتح الطريق لوجود أجسام طائفية أخرى، مسيحية ودرزية أو غيرها، لا فرق. نحن هنا نرفض كلّ هذه التوجّهات الطائفية، مهما كان مصدرها، ونقول باختصار لكلّ من يحاول التدخّل في شؤوننا: نحن هنا على جميع طوائفنا، من مسلمين ومسيحيين ودروز، لسنا في حاجة إلى شهادة من أحد على وطنيّتنا. نحن أدرى بمصالحنا في وطننا، وبشقّ طريقنا إلى مستقبلنا في بلادنا. ومثلما لا نتدخّل في الشؤون الداخلية لديكم، ولم نطلب من أحد أن يصوّت لهدا الفريق أو ذاك في بلادكم، فأنتم مطالبون أيضاً بعدم التدخُّل في شؤوننا هنا في بلادنا.

ما نأمله منكم هو أن ترتّبوا أمور بلادكم وتخرجوا دولكم الفاشلة من مآزقها، وأن تنتخبوا رؤساءكم ونوّابكم في دول الطوائف والقبائل التي، على ما يبدو، لا تستطيعون الفكاك منها.
*

نشر: "الحياة"، 17 مارس 2015







مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع