الأحد، 10 فبراير 2013

”كلب العروبة النابح“


وعندما سأل نزار قبّاني: متى يعلنون وفاة العرب؟ فها هي الإجابة الدامية تأتي من بلده، من الشام. وها هم العرب يتوفّون ويموتون في الشام يوميًّا….


سلمان مصالحة ||


”كلب العروبة النابح“



قريبًا من عامين
لا يجد هذا النّزيف السوري المتواصل من يضع له حدًّا أو يوقفه. ”الربيع العربي“، كما جاء توصيفه في الكواليس الغربية فتلقّفته الصحافة العربية والكثير من الكتّاب العرب من ذوي النوايا الحسنة بالطبع، دون تمحيص في معنى هذا ”الربيع“ في حال المجتمعات العربية، يتبدّى الآن للقاصي والداني على حقيقته الدموية.


فها هو الوضع السوري يكشف على الملأ خواء هذا الربيع في ”قلب العروبة النابض“، وربّما الأصحّ وسمه بـ”كلب العروبة النابح“. فطوال عقود طويلة من الزمن العربي الرديء أتخم نظام البعث المُستبدّ باسم أيديولوجية عروبية مُتوهَّمة أسماع العرب بشعارات دغدغت عواطف المراهقين من أبناء هذه الأمّة المغلوب على أمرها. لقد شكّلت كلّ هذه الشعارات ستارًا على حقيقة هذا النّظام القبلي والفئوي، في كلّ من العراق وسورية سابقًا ولاحقًا. لقد أضحت هذه الشعارات الرنّانة ”كواتم عقول“ على رؤوس أجيال جرّارة من العرب الواهمين بأمور لا أساس لها في أرض الواقع العربي.

وها هم العرب الآن
قد وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم إزاء النّزيف السوري. فالذين يُطالبون بتدخّل الدّول الغربيّة ومجلس الأمن لوضع حدّ للجرائم التي يرتكبها النّظام، فإنّهم بمطالبتهم هذه يُعلنون ضمنًا فشل هذه العروبة المتوهّمة، وفشل شعارات الأخوّة العربية. إذ ما الّذي يمنعهم من إرسال جيوشهم هم لوقف هذا النّزيف البشري في الشام؟ كما إنّ الّذين يرفضون التّدخُّل الأجنبي، فإنّ هؤلاء برفضهم يعلنون ضمنًا أنّهم لا يأبهون بكلّ هذه الأعداد من الموت السّوري، وبكلّ هذه الدّماء السورية التي يسفكها سفّاح الشام على مذبح الحفاظ على سلطة قبليّة فئويّة، بعد أن ورث صناعة كلّ هذا الموت وكلّ هذا الاستبداد فأكثر منه وزاد.

هنالك بالطبع من يُذكّر
بأنّ أيادي كثيرة تلعب في مسرح الأزمة السورية، وفي ذلك الكثير من الحقيقة. ولكنّ هذه الحقيقة هي حقيقة هذا العالم من حولنا. للمصالح شأن في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وهذا ليس جديدًا، إذ أنّ تقسيم هذه المنطقة ووضع حدود لدولها، وحتّى تحديد أعلامها الوطنية، بل وتشكيل جامعتها العربية قد تمّ من قبل الدول الاستعمارية لأهداف تخدم مصالح تلك الدول ليس إلاّ.

انظروا مثلاً كم من اللقاءات، الاجتماعات والمؤتمرات التي انعقدت بهذه الجامعة العربية طوال عقود منذ نشأتها. فما الّذي جاءت به كلّ تلك المؤتمرات غير الكلام. فمنذ إنشائها لم تُقدّم الجامعة العربية شيئًا ذا قيمة للعرب، لا على الصعيد العربي الداخلي، ولا على صعيد العلاقات العربية بسائر العالم. كما إنّها لم تُقدّم شيئًا يُذكر في أيّ مجال من مجالات الحياة، أثقافية كانت أم اجتماعية، أم اقتصادية. إذن، والحال هذه، فما الحاجة إلى جامعة من هذا النّوع؟ إذا كانت مجرّد منتدى لنشر بيانات الاستنكار وما إلى ذلك من ترّهات، فبوسع أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ أن يتواصلوا عبر البريد الإلكتروني والتوقيع على البيان دون أن يُجهدوا أنفسهم للالتقاء في حفلات التنكّر بألبستهم الوطنية، ثم الانكباب لاحقًا على المناسف الوطنية. 

وهذا الكلام نافع أيضًا للحديث عن مؤتمرات القمم الإسلامية الّتي انعقد آخرها في ”أمّ الدنيا“ قبل أيّام. فما الّذي رَشَح منه غير الكلام الّذي يُغيّر من حال العرب والمسلمين قيد أنملة، وغير تلك النّكات بخصوص التّلعثم الفلسطيني بأسماء الرؤساء والملوك ”الأشقّاء“؟ كذلك، فقد أشيع أنّ الّذي أثار كلّ هؤلاء المتزعّمين هو شخصيّة وزيرة خارجية الباكستان،أوّلا لوسامتها وأناقتها، وثانيًا لكونها المرأة الوحيدة في مؤتمر إسلامي ذكوري بامتياز.

على ما يبدو فإنّ العرب والمسلمين
قد خُلقوا شعوبًا وقبائل ليتفارقوا وليس ليتعارفوا، كما ورد في النصّ المُقدّس. فإذا كانت هذه هي الحال، فحريّ بكلّ هؤلاء أن يعودوا إلى بلادهم وأن يهتموّا بشؤون رعاياهم، كلّ على حدة. إذ لا يجمع بين هؤلاء شيء سوى الكلام المعسول، والمقفّى كثيرًا في حال العرب. 

وعندما سأل نزار قبّاني: متى يعلنون وفاة العرب؟ فها هي الإجابة الدامية تأتي من بلده، من الشام. وها هم العرب يتوفّون ويموتون في الشام يوميًّا. لقد مضى قرابة عامين على موتهم المتواصل وما من معين لهم، وما من مجيب لاستنجادهم بـ“أشقّاءهم“ من مُدّعي العروبة. نعم، كلّ يوم يُعلنون وفاة العرب في شاشات الفضائيّات.

فماذا أقول؟

لا شَـيْءَ يَجْمَعُ بَينَ الشَّـحْمِ وَالنّـارِ
فِي أمُّـةٍ جُـبِلَــتْ مِنْ طِـينِ أَشْـرارِ

الشَّحْمُ مِنْ بَشَرٍ أَنْحَـوْا عَلَـى صَنَـمٍ
يَسْتَبْشِـرُونَ بِخَيْـرٍ كـانَ فِي الـدّارِ

لكِنَّـهُ صَنَــمٌ مِـنْ مَعْـدِنٍ نَجِــسٍ
قَدْ أَدْمَنَ الحَرْقَ لا يَحْنُو عَلَـى جَـارِ

وَإنْ سَـأَلْـتَ عَنِ الأَخْبـارِ فِي عَـرَبٍ
لا تَنْتَظِــرْ أَحَـدًا يَأْتِـي بِأَخْيـارِ


نشر: “إيلاف”، 10 فبراير 2013



مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع