خواطر من الثورة المصرية:
حمدي الجزّار يتذكّر صلاح عبد الصبور
أحلام الفارس القديم
1
في عام 1993، كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، أعمل مصححًا للروايات البوليسية، المُترجَمة للعربية، أتقاضي خمسين قرشًا، فقط لا غير، عن كل ساعة عمل، وكان تحت زجاج منضدة عملي الصغيرة قصاصة ورق، كتبتُ عليها كلمات صلاح عبد الصبور:
” في بلد لا يحكم فيه القانون
يمضي فيه الناس للسجن بمحض الصدفة
لا يوجد مستقبل
في بلد يتمدد فيه الفقر
كما يتمدد ثعبان في الرمل
لا يوجد مستقبل
في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل
لا يوجد مستقبل”.
2
بعد ذلك بعشرين عامًا، في مطلع فبراير هذا، لم أضع على وجهي قناع بنديتا، ولم ألبس زيًا أسود، وأخفي وجهي بقناع أسود كواحد من البلاك بلوك، كي أخرج مع الناس. فقد خرجتُ بوجه جديد نبت لي، وجه أسمر جميل، له شارب أسود، وعيون واسعة متألمة، وجه حزين لكنه رائق الجمال، وجه صلاح عبدالصبور.
بهذا الوجه خرجتُ للناس، وصرت أُلقي الأشعار في الشوارع، والميادين، وأنشد:
“عبثٌ والأيام جِد
لا أدري كيف ترعرع في وادينا الطيب
هذا القدر من السفلة والأوغاد”.
الحق أقول لكم..
“ما يُولدُ في الظلمات يفاجئه النور فيعريه”.
3
“الحرية والعدل
ينصب شعاعها في أعيننا فيثير جنونًا كجنون العشاق
يتحول ما يتكسر من نورهما موجًا تنحدر عليه الأشواق
نحو المستقبل
المستقبل
الزمن الآتي بالنجمين الوضائين على كتفيه
الحرية والعدل
الزمن الكاسر للذلة، والظلم، كما تنكسر زجاجة سُم.
4
ليس العدل تراثا يتلقاه الأحياء عن الموتى
أو شارة حكم تلحق بالسلطان إذا ولى الأمر
كعمامته أو سيفه
مات الملك العادل
عاش الملك العادل
العدل مواقف
العدل سؤال أبدي يطرح كل هنيهة.
5
رعب أكبر من هذا سوف يجئ
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالى جبال الصمت
أو ببطون الغابات
لن ينجيكم أن تختبئوا في حجراتكم
أو تحت وسائدكم أو في بالوعات الحمامات
لن ينجيكم أن تلتصقوا بالجدارن إلى أن يصبح كل منكم
ظلاً مشبوحًا عانق ظلاً
لن ينجيكم أن تقصر هاماتكمو حتى تلتصقوا بالأرض
أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكم في سم الإبرة.
*
0 تعليقات:
إرسال تعليق