كأنّنا يا بدر لا رحنا ولا جينا.
قبل أن يستفيق الـ”مفكّرون” والـ”منظّرون” ومن لفّ لفّهم واقتفى خُفّهم أو ضربَ دَفّهم، كنت قد أشرت إلى حالنا هنا، وحاولت التنبيه إلى ما يُحاك لنا في هذه البلاد.
أپرتهايد
إنّ مسألة تنصيب، أو عدم تنصيب، وزير عربيّ في حكومة إسرائيل هي قضيّة رُبّما تكشف ليس فقط عن الوجه البشع لحكومة إسرائيل الرّاهنة، إنّما هي تكشف عن التّوجّه المبدئي لحكومات إسرائيل والأحزاب الإسرائيلية على مرّ العقود الأخيرة. إنّ عدم تنصيب وزير عربي في الحكومة لا ينبع من عدم وجود شخصيّات عربيّة بوسعها إدارة شؤون بني البشر، إنّما هو ينبع من توجّه عنصريّ في الأساس يتلخّص في انعدام الرّغبة في أن يقوم شخصٌ عربيّ بإدارة شؤون المواطنين من اليهود في هذه الدولة. ولإثبات ما أرمي إليه، يكفي أن أذكر أنّه حتّى هذه المهازل من مثل منصب نائب وزير الذي تتصدّق به الحكومة على بعض العرب، يقتصر في النهاية على التّعامل مع شؤون المواطنين العرب. أيّ أنّ العربي ينفع فقط للعرب. وعلى هذا النّهج قس، فلا يمكننا أن نشير إلى عرب يتسنّمون مناصب عليا في شركات حكوميّة ولا في مجالس إدارة أو مكاتب وما إلى ذلك. إنّ وثيقة إستقلال إسرائيل التي ساوت بين المواطنين في الدولة قد أبقت هذه المساواة على الورق فقط. ولهذا السبب آن الأوان إلى كشف جميع الأوراق.
ما دامت
هذه الدولة دولة يهوديّة من ناحيّة تعريفها فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال للعرب في إسرائيل أن يحصلوا على حقّ المواطنة التامّ كأيّ فرد عاديّ في دولة عاديّة. وما دامت هذه الدولة يهوديّة من ناحيّة تعريفها المبدئي فلن تكون هذه دولة عاديّة كسائر الدّول. وما على العرب في هذه الدّولة إلاّ أن يواجهوا هذه الحقيقة وأن يتعاملوا معها بنوع من الجدّيّة اللائقة بقضيّة كبيرة كهذه، والتي يمكن أنْ نسمّيها كما تعوّدنا في بلاغتنا »أمّ القضايا«.
أمّا المكانة
التي وجد العرب الفلسطينيون، مواطنو إسرائيل، أنفسهم متربّعين فيها فهي: هامش الطّريق. فالقطار يمرّ ويلقي المسافرون فيه بعض الفتات على الأطراف ولم يتبقّ للعرب هنا سوى التّلويح للقطار ولمن فيه. ليس فيهم من يقوم بقيادة قطار، ولا حتّى بإدارة عربة مقهى تقدّم الخدمات للمسافرين. وحالهم في هذا الوضع كحال المسافرين الخفيّين الذين يختبؤون في مخازن السّفن وبين البضائع. غير أنّهم في النهاية بضاعة كاسدة لا يلتفت إليها أحد. والأنكى من ذلك أنّهم بضاعة يريد الجميع أن يتخلّصوا منها لأنّها تشكّل حملاً عليهم يعيق طريق تقدّمهم، فأوجدوا لهم وظيفة خاصّة بهم.
وهكذا
تحوّل العرب في هذه البلاد، بقدرة مقتدر، من أهل بلاد إلى سلعة كاسدة في مزاد. وأفلحت القيادات العربيّة المحلّيّة في تحويلهم إلى كتلة بشريّة حاسمة أي بلغة السياسة المحلّيّة ”چوش حوسيم“. غير أنّ هذه الفذلكة السياسيّة هي بدعة إسرائيليّة غايتها واحدة فقط لا ثانية معها؛ ألا وهي غاية سدّ الطّريق أمام عشرين بالمائة من مواطني هذه الدولة للاشتراك في عمليّة الادارة واتّخاذ القرارات. وهكذا تحوّل العرب في البلاد، بقدرة مقتدر وبغباء القيادات السياسيّة العربيّة المحلّيّة، من كتلة حاسمة إلى كتلة ”حسومة“. أيّ أنّ القيادات السياسيّة العربية قد أوقعت نفسها وشعبها في شراك هذه البدعة السياسيّة الإسرائيليّة. وهي تتخبّط الآن في كيفيّة الخروج من هذا المأزق، ويبدو أنّه لن تتعرّف على طريق الخلاص من هذه الشّباك. قد يكون للمواطن العربي في هذه البلاد بعض الفائدة من هذا الوضع، ألا وهي أنّ هذه القيادات ستستمرّ بالتخبّط، ووضعها أصبح شبيهًا بالباحث عن حتفه بظلفه، وربّما سيكون بذلك خلاص للمواطن العربيّ منها. وهكذا تنفتح الطّريق أمام خلق قيادات من نوعيّة جديدة بوسعها التّعامل مع وضع الأپرتهايد المستجدّ.
***
نشرت في “كل العرب” 10 ديسمبر 1993
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق