الخميس، 13 نوفمبر 2014

أپرتهايد



كأنّنا يا بدر لا رحنا ولا جينا.

قبل أن يستفيق الـ”مفكّرون” والـ”منظّرون” ومن لفّ لفّهم واقتفى خُفّهم أو ضربَ دَفّهم، كنت قد أشرت إلى حالنا هنا، وحاولت التنبيه إلى ما يُحاك لنا في هذه البلاد.

أرشيف: مقالة نشرت في 10 ديسمبر 1993

*

سلمان مصالحة || 

أپرتهايد


إنّ مسألة تنصيب، أو عدم تنصيب، وزير عربيّ في حكومة إسرائيل هي قضيّة رُبّما تكشف ليس فقط عن الوجه البشع لحكومة إسرائيل الرّاهنة، إنّما هي تكشف عن التّوجّه المبدئي لحكومات إسرائيل والأحزاب الإسرائيلية على مرّ العقود الأخيرة. إنّ عدم تنصيب وزير عربي في الحكومة لا ينبع من عدم وجود شخصيّات عربيّة بوسعها إدارة شؤون بني البشر، إنّما هو ينبع من توجّه عنصريّ في الأساس يتلخّص في انعدام الرّغبة في أن يقوم شخصٌ عربيّ بإدارة شؤون المواطنين من اليهود في هذه الدولة. ولإثبات ما أرمي إليه، يكفي أن أذكر أنّه حتّى هذه المهازل من مثل منصب نائب وزير الذي تتصدّق به الحكومة على بعض العرب، يقتصر في النهاية على التّعامل مع شؤون المواطنين العرب. أيّ أنّ العربي ينفع فقط للعرب. وعلى هذا النّهج قس، فلا يمكننا أن نشير إلى عرب يتسنّمون مناصب عليا في شركات حكوميّة ولا في مجالس إدارة أو مكاتب وما إلى ذلك. إنّ وثيقة إستقلال إسرائيل التي ساوت بين المواطنين في الدولة قد أبقت هذه المساواة على الورق فقط. ولهذا السبب آن الأوان إلى كشف جميع الأوراق.

ما دامت
هذه الدولة دولة يهوديّة من ناحيّة تعريفها فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال للعرب في إسرائيل أن يحصلوا على حقّ المواطنة التامّ كأيّ فرد عاديّ في دولة عاديّة. وما دامت هذه الدولة يهوديّة من ناحيّة تعريفها المبدئي فلن تكون هذه دولة عاديّة كسائر الدّول. وما على العرب في هذه الدّولة إلاّ أن يواجهوا هذه الحقيقة وأن يتعاملوا معها بنوع من الجدّيّة اللائقة بقضيّة كبيرة كهذه، والتي يمكن أنْ نسمّيها كما تعوّدنا في بلاغتنا »أمّ القضايا«.

أمّا المكانة
التي وجد العرب الفلسطينيون، مواطنو إسرائيل، أنفسهم متربّعين فيها فهي: هامش الطّريق. فالقطار يمرّ ويلقي المسافرون فيه بعض الفتات على الأطراف ولم يتبقّ للعرب هنا سوى التّلويح للقطار ولمن فيه. ليس فيهم من يقوم بقيادة قطار، ولا حتّى بإدارة عربة مقهى تقدّم الخدمات للمسافرين. وحالهم في هذا الوضع كحال المسافرين الخفيّين الذين يختبؤون في مخازن السّفن وبين البضائع. غير أنّهم في النهاية بضاعة كاسدة لا يلتفت إليها أحد. والأنكى من ذلك أنّهم بضاعة يريد الجميع أن يتخلّصوا منها لأنّها تشكّل حملاً عليهم يعيق طريق تقدّمهم، فأوجدوا لهم وظيفة خاصّة بهم.

وهكذا
تحوّل العرب في هذه البلاد، بقدرة مقتدر، من أهل بلاد إلى سلعة كاسدة في مزاد. وأفلحت القيادات العربيّة المحلّيّة في تحويلهم إلى كتلة بشريّة حاسمة أي بلغة السياسة المحلّيّة ”چوش حوسيم“. غير أنّ هذه الفذلكة السياسيّة هي بدعة إسرائيليّة غايتها واحدة فقط لا ثانية معها؛ ألا وهي غاية سدّ الطّريق أمام عشرين بالمائة من مواطني هذه الدولة للاشتراك في عمليّة الادارة واتّخاذ القرارات. وهكذا تحوّل العرب في البلاد، بقدرة مقتدر وبغباء القيادات السياسيّة العربيّة المحلّيّة، من كتلة حاسمة إلى كتلة ”حسومة“. أيّ أنّ القيادات السياسيّة العربية قد أوقعت نفسها وشعبها في شراك هذه البدعة السياسيّة الإسرائيليّة. وهي تتخبّط الآن في كيفيّة الخروج من هذا المأزق، ويبدو أنّه لن تتعرّف على طريق الخلاص من هذه الشّباك. قد يكون للمواطن العربي في هذه البلاد بعض الفائدة من هذا الوضع، ألا وهي أنّ هذه القيادات ستستمرّ بالتخبّط، ووضعها أصبح شبيهًا بالباحث عن حتفه بظلفه، وربّما سيكون بذلك خلاص للمواطن العربيّ منها. وهكذا تنفتح الطّريق أمام خلق قيادات من نوعيّة جديدة بوسعها التّعامل مع وضع الأپرتهايد المستجدّ.

***
نشرت في “كل العرب” 10 ديسمبر 1993
***

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع