عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شفاف. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شفاف. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

سخافات العربان

سلمان مصالحة

سخافات العربان

(كاريكاتير جديد)
بين فينة وأخرى نجد أنّه ما من مناص من الإشارة إلى بعض الكاريكاتيرات التي تحملها لنا الأخبار عن سلوكيّات العربان. والكاريكاتير هذه المرّة يأتينا من تلك الناحية التي تُعرف بالخليج.

وهذا الخليج كما هو معروف منطقة غنيّة بالنّفط والغاز، وبالإضافة إلى ذلك فهو يعجّ بالأمراء، بالشيوخ وأصحاب السموّ من كلّ ما هبّ ودبّ، ومن كلّ من شبّ وحاز وفاز. كما إنّه تكثر فيه الأحاجي والألغاز. أحاجي الوسواس وألغاز الخنّاس.

والأحجية هذه المرّة لها علاقة بصاحب سموّ فريد. لها علاقة بشيخ ليس كسائر الشيوخ. إنّه صاحب السموّ الشيخ حمد آل نهيان من سلالة أصيلة من ملّة العربان. ولمّا كان الشيخ حمد لا يعرف كيف يصرف كلّ تلك الأموال التي تأتيه من نفط أو من غاز، فقد عقد العزم أن يكتب اسمه في الصحراء ليخلّد ذكرًا له.

ولكي لا يشكّ أحد في هذا التخليد، فقد آلى على نفسه أن يحفر الاسم في الجزيرة بحروف كبيرة تمتدّ مئات الأمتار لدرجة أنّه يمكن رؤية اسمه الحميد من الفضاء. وهكذا كان.

لا ندري كم من الوقت والمال استثمر سموّه في هذا المشروع الذي يُعلي من شأنه ومن شأن أبناء جلدته من العربان. ولعلّه سيسجّل هذا فتحًا علميًّا عربيًّا فريدًا في كتاب چنيس، مثلما عوّدنا العربان في هذا الأوان. فمرّة يسجّلون أكبر صحن حمّص، ومرّة يسجّلون أكبر صحن كنافة. مرّة يسجّلون أكبر تبّولة ومرّة أكبر فقّوسة. وها هم ما شاء الله يسجّلون أكبر اسم محفور في الصحراء.

غير أنّ ثمّة أمرًا لا مناص من الإشارة إليه في هذا الكاريكاتير العرباني الجديد. لاحظوا مدى الاعتزاز بالانتماء لدى هؤلاء العربان. لو تغاضينا بعض الشيء عن المدى الأكبر من السخف الكامن في هذا المشروع أصلاً، فإنّنا أمام ظاهرة فريدة بلا أدنى شكّ. إذ يظهر على الملأ ومن الفضاء مدى عقدة النّقص لدى هذا النوع من العربان. فحتّى الاسم، اسمه لم يكتبه بحروف لغته، لغة العربان. بل بحروف لغة الإفرنج والرومان.

وعلى ما يبدو، فهذه هي الحال مع هذه الملّة. فلا يُملّ من تقليعاتها الغريبة العجيبة، ولا من عقليّاتها الرتيبة. كذا كان وكذا يكون إلى يوم يبعثون.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت أيضًا في: "شفاف الشرق الأوسط"
____________________

عنزة نتنياهو

سـلمان مصـالحة

عنزة نتنياهو

تروي الأمثال اليهوديّة عن أحد اليهود، وقد جاء إلى الرابي كائلاً على مسامعه الشكاوى عن الوضع الذي لم يعد بوسعه تحمّله في البيت، بسبب ضيق المكان وكثرة النّسل.

أنصت الرّابي لمن جاء يستشيره في أمور الدنيا والدين دون أن يقطع حبل كلامه. وبعد أن فرغ اليهودي من شكاواه على مسمع من الرّابي، صمت منتظرًا المشورة الحكيمة.

قال له الرّابي: "ما عليك إلاّ أن تُدخل عنزة إلى البيت".
- "كيف أُدخل عنزة إلى البيت في هذا الوضع المزري؟"، سأل اليهودي.
- "إفعل ما أقوله لك، ولا تُجادل في أمور لا تفقهها"، وبّخه الرّابي بحزم.
انطلق اليهودي، وعاج في طريق عودته إلى السّوق فاقتنى عنزة، مثلما أشار عليه الرّابي، ثمّ مضى بها إلى البيت لتعيش مع الأسرة.
فرح الأولاد لرؤية العنزة ومضى اليوم الأوّل على خير. غير أنّ الوضع سرعان ما تدهور فامتلأ البيت ضجيجًا على ضجيج، ثغاء على صياح وضاق بهم المكان أكثر فأكثر.

وهكذا، وبعد مضيّ أسبوع، لم يعد اليهودي يستطيع تحمّل الوضع، فهرول مسرعًا إلى الرّابي شاكيًا باكيًا على ما حلّ به وبالعائلة.
أطرق الرّابي مليًّا، ثم نظر إلى اليهودي وقال: "عُد إلى البيت فورًا وأخرج العنزة من البيت، ثم ارجع إليّ بعد أسبوع."
أسرع اليهودي وأخرج العنزة من البيت. وبعد أسبوع عاد إلى الرّابي.
سأله الرّابي: "كيف حالكم في هذه الأيّام؟"
أجاب اليهودي: "الحمد للّه، لقد تحسّن الوضع ونشعر بالرّاحة الآن."
***
تذكّرت هذه الحكاية الآن في سياق ما يجري بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة، بين نتنياهو وأبو مازن. والعنزة من الحكاية هي المطلب الجديد الذي أدخله نتنياهو إلى بيت الـ"قيادة" الفلسطينيّة، والمتمثّل بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل "دولة يهوديّة".

من الواضح أنّ هذه العنزة التي أُدخلت الآن، سيتمّ إخراجها لاحقًا. غير أنّ الـ"قيادات" الفلسطينيّة الّتي لا تفقه أصول اللّعبة، مثلما لا تفقه أبدًا في رعاية الماعز، ستشعر بنوع من الارتياح بعد أن يتمّ إخراج هذه العنزة - المطلب - من البيت الفلسطيني. عندها سيخرج كلّ هؤلاء "المسؤولين" الفلسطينيّين إلى الرأي العام وينشرون البيانات وسيعتبرون إزالة هذا المطلب من الطّاولة، كما لو أنّه انتصار على نتنياهو وحكومة إسرائيل وسيشعرون بالراحة، وربّما يوزّعون الـ"راحة" على المارّة.

إنّ المتتبّع، من صنف ذوي البصر والبصيرة، لما يجري في العقود الأخيرة، يلاحظ أنّ الجانب الفلسطيني أضحى يمتلك "شلعة معزى" من ماعز الحكومات الإسرائيليّة المختلفة.

كما أنّ الجانب الفلسطيني، من مسؤولين سلطويّين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسيّة والقبليّة، والّذين أدمنوا الفساد منذ سنوات طويلة، وخاصّة في العقدين الأخيرين، مضوا قدمًا في اختلاس الأموال المقدّمة للشعب الفلسطيني من الدول المانحة لبناء قصور لهم ولمقرّبيهم، بينما تركوا النّاس عراةً، فاضطُرّ هؤلاء للعمل في بناء المستوطنات الإسرائيليّة التي تكاثرت وقضمت الشّجر والحجر.

هكذا أوصلت هذه القيادات البائسة، بجميع أطيافها ولا أستثني من هذا البؤس أحدًا، الشّعب الفلسطيني إلى هذا الدّرك. إنّه الدّرك الّذي يتمثّل في امتلاك هذه الـ "شلعة" الكبيرة. غير أنّه، شعبًا وقيادة، لا يعرف رعاية الماعز، لا ثقافيًّا ولا سياسيًّا ولا نضاليًّا، لأنّه لا يفقه العالم أصلاً.

وفي هذه الأثناء لم تتبقّ أماكن رعاية لتسريح كلّ هذه الماعز فامتلأ البيت الفلسطيني ثغاء وبكاء.

ليس فقط أنّ من تناديه لا حياة له، إنّه لا يمتلك أيضًا ذرّة من حياء.

والعقل وليّ التّوفيق!
***

المقالة نشرت أيضًا في: شفاف الشرق الأوسط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأسرلة هي الحل

يتّضح بعد كلّ هذه العقود من رفع شعارات الـ«عربنة» أنّ هذه العربنة قد كشفت عن جوهرها الحقيقي المتمثّل بكلّ هذه الـ«عربدة» القبليّة الحمائلية والطائفية التي تشهدها البلدات العربية في إسرائيل.

صراط الفلسطيني المستقيم



سلمان مصالحة

صراط الفلسطيني المستقيم


هذا ما حدث لي
قبل عقد ونيّف من الزّمان. لقد حدث ذلك بالتّحديد في صيف العام 1996، حيث كنت مدعوًّا للمشاركة في مهرجان الشّعر العالمي الّذي يجري في مدينة روطردام الهولنديّة كلّ عام، وتلتئم فيه جمهرة من الشّعراء القادمين من أماكن مختلفة من العالم. وفي ذات العام أيضًا شارك في المهرجان صديقي الشّاعر الإسرائيلي يتسحاق لاؤور، وتصادف أيضًا أن شارك في تلك السّنة شاعر مصريّ (لن أذكر اسمه هنا، فليس هذا هو المهمّ) في ذات المهرجان في تلك السّنة. بعد يوم، على ما أتذكّر الآن، من المشاركة في أنشطة المهرجان أسرّ لي يتسحاق لاؤور بأنّ الشّاعر المصريّ يتهرّب منه ومن لقائه ومن الحديث معه، حتّى إنّه يترك المجموعة عندما يقترب لاؤور منها. بعد سماع ما جرى، قرّرت ألاّ أترك الأمور على هذه الحال، فبادرت إلى عقد جلسة ثلاثيّة تضمّني والشّاعر المصري ذاته إضافة إلى يتسحاق لاؤور.

سألت الشّاعر المصريّ: "لماذا تتهرّب من يتسحاق ولا تتحدّث معه؟" فأجاب: "هنالك قرار رسمي من اتّحاد الكتّاب بعدم الحديث مع الإسرائيليّين". سألته ثانية: "هل تعرف من هو يتسحاق لاؤور؟ هل قرأت شيئًا ممّا يكتب؟ ما هي مواقفه، آراؤه، أو شيئًا من هذا القبيل؟" أجاب حضرته: "لا، لا أعرفه، ومش مهمّ، لأنّ القرار هو قرار رسمي وهو ملزم". قلتُ له: "هل تعرف أنّ يتسحاق لاؤور هذا الّذي تتهرّب من لقائه هو أكثر فلسطينيّة من كثير من الفلسطينيّين الّذين تعرفهم، وقد يكون أكثر عروبةً وأكثر مناوءة للإمپرياليّة من كثير من كُتّاب "اتّحادات كتّابكم"؟ فردّ جنابُه: "القرار هوا قرار رسمي وهو ملزم للجميع". بعد أن يئست من هذا "المنطق" توجّهت إليه قائلاً: "إذا كنت ملتزمًا بالرّسميّات، إذنْ فالتزم بها للنّهاية ولا تتحدّث إليّ أنا أيضًا، فإنّي أخشى عليك أن تكون قد خالفت قرارات اتّحادكم الرّسميّة، فها أنذا أيضًا أحمل الجواز الإسرائيلي. ما العمل، فقد ولدت في إسرائيل وأحمل جواز السّفر الإسرائيلي، وربّما من النّاحية الرّسميّة لا يجوز لك الحديث معي أيضًا". في هذه اللّحظة رأيت الارتباك قد علا وجهه، وعندما تمالك نفسه قال: "أنت عربيّ وهذا أمر مختلف". قلتُ له: "يا أخ، قرّرْ ماذا تريد. إذا رغبت في الالتزام بالرّسميّات والشّكليّات وبنودها، فها هو جواز سفري الإسرائيلي، وإذا تصرّفت بخلاف ذلك معي فقط لمجرّد كوني عربيًّا، بخلاف يتسحاق لمجرّد كونه يهوديًّا دون أن تعرف من هو، ماذا يكتب وما يمثّله أصلاً، فإنّ تصرُّفك نابع من أسباب عنصريّة فقط. ولا يوجد أيّ تفسير آخر". وهكذا انتهى هذا الاجتماع الثّلاثي، وفهمت لاحقًا من يتسحاق لاؤور أنّ الشّاعر المصريّ قد غيّر سلوكه بعد تلك الجلسة ولم يعد يتهرّب منه.
تذكّرتُ هذه الحادثة الآن،
بعد أن قرأت عن هذا اللّغط العربيّ الجديد، حول كتاب صادر بالإنكليزيّة بعنوان "مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط" هو عبارة عن أنثولوجية قصصيّة مترجمة للإنكليزيّة موضوعها المدن، وقد أعدّته شاعرة وناشطة إيروسيّة لبنانيّة تعمل في مجال الصّحافة الأدبيّة. إنّ ما أثار هذا اللّغط الجديد -القديم، هو مشاركة الكاتب والشّاعر الإسرائيلي يتسحاق لاؤور بقصّة قصيرة ممثّلة لمدينة تل-أبيب في هذه الأنثولوجية المدائنيّة.

مرّة أخرى يقوم البعض الّذي يتزيّى على الملأ بوصفه حاملاً لمبادئ وأصول وثوابت وأشباه هذا الكلام، ومن خلال هذا البعبع الّذي يُطلقون عليه مصطلح "التّطبيع" للظّهور بمظهر المنافحين عن "الأمّة العربيّة" أمام هذا الخطر الإسرائيلي المتمثّل ليس فقط بترجمة أعمال أدبيّة عبريّة للّغة العربيّة، إنّما الوضع الآن هو مشاركة مع كاتب إسرائيلي في أنثولوجيا إنكليزيّة.
"تسلُّل إسرائيلي إلى اللاّوعي العربي"،
هذا هو العنوان الّذي تصدّر مقالة نجوان درويش، مراسل صحيفة "الأخبار" اللّبنانيّة، المقرّبة من حزب الله، يوم السّبت الفائت. قرأت المقالة غير أنّي لم أفهم كيف يكون هذا التّسلُّل، هذا اللاّ وعي. أحاول أن أفهم، هل اللاّوعي العربي هو لاوعي إنكليزي "واحنا مش فاهمين"، كما يُقال بعاميّتنا. وإلاّ كيف يكون التّسلُّل إلى هذا "اللاّوعي العربي" عبر ترجمة للإنكليزيّة؟ هذا ناهيك عن أنّ افتراض وجود "لاوعي عربيّ" يحمل في طيّاته افتراضًا آخر هو وجودُ وعيٍ عربيّ قبلُ، وهذا الافتراض أصلاً هو فرية كبيرة بلا أدنى شكّ.

على ما يبدو، لن تشفع للكاتب لاؤور مواقفه المعارضة للصّهيونيّة الفاضحة لممارساتها علانية وفي كلّ منبر متاح له، هنا في إسرائيل مثلما هي الحال خارج إسرائيل. لن يشفع له أيّ شيء لدى هؤلاء لسبب لا علاقة له بالتّطبيع وما شابه ذلك من هذه الشّعارات. وهكذا يمضي المراسل في خطابه: "لكنّ العجيب أنّ تقدّمية بعض الكتّاب الإسرائيليين أصبحت تُتخذ ذريعة لتمرير إسرائيل وإدخالها في الوعي العربي، كجزء طبيعي من المنطقة". أه، الآن فهمنا كلّ ما في الأمر. لقد تسلّلت إسرائيل في البداية إلى "اللاّوعي العربي" وها هي الآن تدخل في "الوعي العربي". يا لها من خيوط مؤامرة صهيونيّة إمپرياليّة شائكة تنقضّ على كلا الوعيين "الوعي واللاّوعي العربيّين"!

وإذا كان لا بدّ من كلّ ذلك، يحاول المراسل التّخفيف من حدّة الصّدمة الإسرائيليّة على "الوعي العربي"، فهو يضيف: "من الممكن مثلاً، أن يُشرك لاؤور في كتاب يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي أو إرهاب الدولة العبرية، أو فاشية المجتمع الإسرائيلي المتصاعدة؛ لا في كتاب عادي يتحدث عن «مدينة تل أبيب". ثمّ ينهي خطبته بالتّعبير عن قلقه الكبير إزاء هذه المؤامرات المُحاكَة: "ومن المقلق أيضاً أن يمرّ كتاب كهذا على وعي هذه النخبة من الكتّاب العرب الذين قبلوا بسرد قصص مدنهم مع قصة تل أبيب في إطار واحد يشي بقبولها مدينةً طبيعيةً في «الشرق الأوسط». (عن الأخبار: 25 أكتوبر، 2008)
نعم، الحقيقة أنّ تل أبيب
ليست "مدينة طبيعيّة في الشّرق الأوسط". إنّها تختلف تمامًا عن مدن الشّرق الأوسط الّتي تخشى ممّا تمثّله هذه المدينة من حريّة على جميع الأصعدة. لو كانت متطبّعة بطباع الشّرق الأوسط لكانت حظرت بيع كتب يتسحاق لاؤور وغيره، كما تفعل المدن العربيّة بكتب الكتّاب والشّعراء العرب. لو كانت مدينة طبيعيّة ومتطبّعة بطباع الشّرق العربي، على سبيل المثال، لما كانت خرجت فيها أكبر مظاهرة في الشّرق الأوسط إثر مجزرة صبرا وشاتيلا. وهاكم بعض المقاطع من قصيدة "أشلاء أرض" ليتسحاق لاؤور من حرب لبنان في ذات العام 1982: "والآن في هذا اللّيل في تل أبيب القاصفة أقوم / إلى المطبخ أفتحُ فيه الضّوء فأسمعُ الطّفل / يبكي في البيت المقابل وصوت أمّه الحنونة تُهدّئ روعَهُ / فأتنازلُ عن أصوات المُداعَبَة تحت في الشّارع وعن السّعال /... / أُغربلُ هذه الأصوات، حتّى صوتُ أنفاسِكِ / أبقى فقط مع صراخ / الأطفال في بيروت الغربيّة".

حقًّا، لو أنّ تل أبيب كانت متطبّعة بطباع الشّرق الأوسط لكانت صمتت على كلّ ذلك، مثلما صمتت وتصمت كلّ تلك المدن في الشّرق الأوسط في الماضي والحاضر على المجازر الّتي تُنفّذ في العراق، وفي دارفور أو تلك الّتي تنفّذ في لبنان ذاته، بلد الصّحيفة ذاتها، وشرقًا منها ومنه.

لست هنا بصدد الدّفاع عن تل أبيب، لأنّي في الحقيقة بدأت أخشى في السّنوات الأخيرة من انضمام هذه المدينة وغيرها هنا إلى هذه الذهنيّة العنصريّة لهذا الشّرق الآسن بعنصريّاته على اختلاف مشاربها. بذلك قد يكون هذا هو التّطبيع الحقيقي لهذه المدينة مع هذا الشّرق. وقد ورد في مقولاتنا الشّعبيّة "من عاشر القوم أربعين يومًا صار منهم"، فما بالكم وقد امتدّت الأيّام الأربعون فأضحت أربعين وستين عامًا وما ينوف؟
القضيّة الّتي نحن بصددها
في هذا السّياق هي أبعد من ذلك بكثير. فها هو الكاتب المصري جمال الغيطاني يسارع إلى التأكيد للصحيفة ذاتها، أنّه: "لم يكن على دراية بمشاركة كاتب إسرائيلي في الكتاب الجماعي الذي صدر أخيرًا". ثمّ يشير الغيطاني إلى أنّه "تلقّى ـــ بعد صدور الكتاب ـــ رسالةً إلكترونيةً من الكاتب الفلسطيني علاء حليحل يوضح فيها أنّ الكاتب الإسرائيلي متعاطف مع القضية الفلسطينية"، غير أنّ الغيطاني يمضي في تصريحه: "التعاطف والتحامل ليس لهما موقع هنا، لأنّ المسألة بالنسبة إليّ مسألة مبدأ. لو تم إخباري، كان من الممكن أن أعتذر عن عدم المشاركة، أو على الأقل أن أفكر في الأمر".(عن الأخبار: 27 أكتوبر، 2008) المهمّ أنّ القضيّة بالنّسبة إلى الغيطاني هي "مسألة مبدأ"، كما يصرّح. غير أنّ تصريح الغيطاني بأنّه لم يكن على علم بالموضوع، سرعان ما ينكشف لنا أنّه أقرب إلى الكذب منه إلى قول الحقيقة. إذ تنشر الصّحيفة ذاتها بيان دار النّشر "كوما پرس" الّتي أصدرت هذا الكتاب الإنكليزي الّذي يشكّل، يا للهول، تسلّلاً إسرائيليًّا إلى "الوعي" وإلى "اللاّوعي" العربيّين.

يتّضح من بيان دار النّشر أن طلب إدخال كاتب إسرائيلي كان من مؤسّس دار النّشر أصلاً. يذكر البيان: "يودّ الناشر أن يوضح أن طلب ورود قصة لكاتب إسرائيلي يعود إليه، لا إلى معدّة الكتاب جمانة حداد. وقد عارضت جمانة حداد بشدّة طلب الناشر هذا منذ البداية، وآثرت التخلي عن المشروع، مؤكدة أنها كموقف مبدئي ترفض حتى المشاركة في أمسيات شعرية عالمية إذا كان هناك بين الشعراء المشاركين إسرائيليون. فكم بالحري في كتابٍ من إعدادها وتقديمها. إلى أن اقترح الناشر عليها أخيراً اسم الكاتب اسحاق لاؤور، لأنه حظي بتوصية مجموعة كبيرة من المنظمات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ولأن طلب إدراج قصته نال أيضًا تأييدًا من الكاتب الفلسطيني المشارك في الأنطولوجيا علاء حليحل، وذلك بمعرفة جميع الكتّاب الآخرين المشاركين... وقد أبلغ الناشر جميع الكتّاب المشاركين في الأنطولوجيا بمشاركة هذا الكاتب الإسرائيلي معهم في المجموعة قبل طباعة الكتاب"، كما صرّح را بايج ، مؤسّس كوما پريس في بيانه (عن الأخبار: 27 أكتوبر، 2008).
ضريبة محاربة التّطبيع
ثم يسارع علاء حليحل إلى دفع الضّرائب الكلاميّة للعنصريّين العرب، ففي مقالة بعنوان "ليس بالضرورة! دفاعاً عن اسحاق لاؤور"، يعبّر عن استغرابه من مقالة زميله نجوان درويش، ثمّ يضيف الضّريبة الكلاميّة الّتي صارت ملازمة لكلّ حديث في هذه المواضيع، وأعني بها محاربة التّطبيع، وذلك ليشنّف بهذه الضّريبة آذان العربان: "التطبيع يسعى إلى تحويل إسرائيل... إلى جزءٍ شرعيٍّ من المشهد العربي، ولذلك نرفضه ونحاربه جميعنا". ويصرّح أنّ وضع الإسرائيليّين جميعًا في سلّة واحدة "ليس في مصلحة القضيّة الفلسطينيّة"، وليس في مصلحة من "يؤمن بمبدأ إدارة الصّراعات...". هكذا تتحوّل أنثولوجيا أدبيّة موضوعها المدن، وساذجة في الظّاهر، إلى مبدأ إدارة صراعات، ولأنّ المسألة هي مسألة تتعلّق بالمصالح وإدارة الصّراعات كما يراها وليست قضيّة مبدئيّة فإنّ "يهوديّة" لاؤور وأمثاله ليست عائقًا في نظره "بأن يكونوا مخلصين لقضيتي مثل فرنسيين أو أميركيين أو جنوب أفريقيين. مشكلتنا الأساسية مع الصهيونية لا مع اليهودية...".

لا أدري إن كان لاؤور مخلصًا لقضيّة حليحل أم لا، غير أنّي على يقين أنّ لاؤور مخلص لقضيّته هو، كإسرائيلي وكيهودي وكإنسان أوّلا وقبل أيّ شيء. وذلك بخلاف زعامات الحزب الّذي ينتمي إليه حليحل ذاته، تلك الزّعامات الّتي رضخت لضغوط من الحركة الإسلامية فأبعدته عن تحرير صحيفة حزبه قبل فترة وجيزة، بسبب مقالة نقديّة بسيطة عن سلوكيّات رمضانيّة.
لا حاجة إلى التّذكير
بأنّ هنالك أصواتًا أخرى ومواقف أخرى لدى كتّاب وشعراء عرب خارج جوقة النّشاز هذه. فأدونيس شارك وقرأ مع شعراء إسرائيليّين، والرّاحل محمود درويش شارك وقرأ مع شعراء إسرائيليّين، مثلما شارك كثيرون آخرون من عراقيّين ولبنانيّين ومغاربة وتونسّيين وغيرهم، وقرأوا مع شعراء إسرائيليّين وفي أكثر من مكان. لكن، وفي الوقت ذاته، هنالك الكثيرون الّذين يتذرّعون بالاحتلال الإسرائيلي لعدم المشاركة، غير أنّ حقيقة هؤلاء ليست الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، إذ لو أنّ احتلال أراض عربيّة هو ما يسيّرهم، لكانوا رفضوا مثلاً السّفر إلى بريطانيا وأميركا والمشاركة في مهرجانات ومنتديات هناك مع بريطانيّين وأميركيّين. أليست أميركا وبريطانيا وغيرهما من الدّول محتلّة للعراق؟ أم أنّ العراق شيء آخر وليس أرضًا عربيّة محتلّة؟
قد تكون مشكلة حليحل، مشكلتنا نحن هنا، مع الصّهيونيّة وليست مع اليهوديّة، غير أنّ مشكلة هؤلاء الآخرين هي معكوسة بالذّات. إذ أنّ مواقف هؤلاء لا علاقة لها بالاحتلال، لا من قريب ولا من بعيد. إنّها نابعة من نظرة عنصريّة بغيضة ومقيتة تجاه اليهود لمجرّد انتمائهم البيولوجي، وليس أي شيء آخر. لهذا السّبب، لن تشفع للكاتب والشّاعر يتسحاق لاؤور أفكاره ومبادئه ومواقفه لدى هؤلاء. فما دام يتسحاق لاؤور يهوديًّا فإنّه سيبقى وللأبد من "المغضوب عليهم"، في عرف هؤلاء العنصريّين "الضّالّين".
لذا، على الفلسطيني الّذي يعاني من العنصريّة الصّهيونيّة هنا، ويعاني من عنصريّة ذوي القربى تجاهه في كلّ مكان في هذا الشّرق، رغم شعارات الأخوّة العربيّة الزّائفة الّتي تملأ الفضاء، أن يضع حدًّا فاصلاً بينه وبين هذه التّوجّهات العنصريّة، لأنّه في نهاية المطاف سيعيش مع وإلى جانب جاره اليهودي، فكم بالحريّ إذا كان هذا الجار من أمثال يتسحاق لاؤور وما يمثّله!

هذا هو صراط الفلسطيني السّياسي والاجتماعي المستقيم.
أليس كذلك؟
*
نشرت في إيلاف، أكتوبر 2008

ماذا جرى مع يهود خيبر؟

 

ليس هذا فحسب، بل وبحسب رواية ابن عباس، فإنّ محمّدًا نفسه قد أرسل كتابًا إلى يهود خيبر يستجديهم ويناشدهم فيه أن يبايعوه بوصفه النبيّ الذي يجدونه في التّوراة...
حصن القموص - خيبر

سلمان مصالحة

ماذا جرى مع يهود خيبر؟

حرب إعلامية بين إسرائيل وحزب الله

"نشر الإعلام الحربي التابع لحزب الله صوراً من داخل المستوطنات الإسرائيلية على الحدود مع لبنان..." (موقع "المدن")

لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟

سلمان مصالحة



لماذا حُوّلت القبلة
من بيت المقدس إلى الكعبة؟


كما أسلفت في
المقالة السابقة "من هو النبيّ الأمّي؟"، فقد بذل محمّد وأصحابه جهودًا كبيرة في استعطاف واستجداء أهل الكتاب الذين يقطنون جزيرة العرب بعامّة، واليهود منهم بصورة خاصّة، لكي يعترفوا به بوصفه "النبيّ الأمّي" - أي المسيح المنتظر - الذي تتحدّث عنه كتبهم المقدّسة، كالتوراة والإنجيل. لقد حاول في البداية استمالة قلوب أهل الكتاب بصورة سلميّة، غير أنّ هؤلاء لم يرغبوا في ترك معتقداتهم وكتبهم والإنضمام إلى الرسالة الجديدة التي تدّعي أنها جاءت تكملة لتلك الرسالات القديمة، رسالات أنبياء بني إسرائيل في التوراة ورسالة عيسى في الإنجيل. فما عدا قلّة من بين أهل الكتاب الذين قبلوا برسالة محمّد وبايعوا رسالته، فقد باءت محاولات محمّد وأصحابه بالفشل لدى الغالبيّة العظمى. ولم تشفع له حقيقة كونه يتّجه بالصّلاة نحو الصخرة وبيت المقدس التي هي "قبلة اليهود"، كما يقول هو نفسه عنها، مثلما أشرت في مقالة سابقة أيضًا.
فها هم رؤساء مكّة يذهبون لاستشارة اليهود
في أمر دعوى محمّد أنّه النبيّ الأمّي ودعوى كونه مُبَشّرًا به في كتبهم، بينما اليهود ينكرون أمام رؤساء مكّة هذه الدّعاوى جملة وتفصيلاً، كما يروي ابن عبّاس: "أنّ رؤساء مكة أتوا رسول الله صلعم فقالوا: يا محمّد سألنا عنك اليهود وعن صفتك في كتابهم، فزعموا أنّهم لا يعرفونك." (تفسير البغوي: ج 2، 312)، أو برواية أخرى: "فقالوا سألنا اليهود عن صفتك ونعتك، فزعموا أنهم لا يعرفونك في كتابهم." (بحر العلوم للسمرقندي: ج 1، 443، وانظر أيضًا: أسباب النزول للواحدي: ج 1، 66؛ زاد المسير لابن الجوزي: ج 2، 257).
وها هم اليهود يقولون ذلك صراحة لمحمّد ذاته: "ودخل عليه جماعة من اليهود فقال لهم: إني والله أعلمُ إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله، فقالوا: ما نعلم ذلك." (تفسير الطبري: ج 9، 409؛ تفسير ابن كثير: ج 2، 476؛ تفسير البغوي: ج 2، 312؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 2، 750). غير أنّ محمّدًا لا يكتفي بذلك، بل يذهب بنفسه في أحد أيّام الأعياد اليهوديّة إلى كنيس اليهود باحثًا عن دعم وإقرار بدعواه دون جدوى: "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلعم وأنا معه، حتّى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلعم: يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلاً يشهدون إنه لا إله إلا هو، وأنّ محمّدًا رسول الله، يحبطُ اللهُ عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضبَ الذي غضب عليه. قال، فأسكتوا فما أجابَه منهم أحدٌ، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فانصرف وأنا معه." (تفسير الطبري: ج 22، 107؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7، 9)، وفي رواية أخرى، قبل أن ينصرف عنهم قال: "أبَيْتُم، فوالله لأنا الحاشرُ وأنا العاقبُ وأنا النبي المصطفى، آمنتم أو كذبتم! ثم انصرف و أنا معه..." (المعجم الكبير للطبراني: ج 12، 409؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، 469؛ جامع الأحاديث للسيوطي: ج 23، 424؛ صحيح السيرة للألباني: ج 1، 80-81).
وهكذا، وعلى ما يبدو،
فقد كان محمّد يحاول البحث عن أيّ بصيص أمل لاعتراف يهودي به، أو عن أيّ شكل من أشكال التّصديق لرسالته الجديدة. ولقد بلغ به الأمر أنّه كان يتوجّه لأيّ شخص يمرّ به ويسأله طالبًا منه هذا الاعتراف التوراتي بنبوّته، ومثال على ذلك ما تذكره الرّواية التّالية: "عن الفلتان بن عاصم قال: كنت جالسًا عند النبي صلعم، إذ شَخَصَ بَصرُه إلى رجل، فإذا هو يهودي عليه قميص وسراويل ونعلان، قال: فجعل النبي صلعم يكلّمه وهو يقول: يا رسول الله، فقال النبي صلعم: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا. قال رسول الله صلعم: أتقرأ التوراة؟ قال: نعم. قال: أتقرأ الإنجيل؟ قال: نعم. قال: والقرآن ولو تشاء قرأته. فقال رسول الله صلعم: فيما تقرأ التوراة والإنجيل، أتجدني نبيا؟ قال: إنّا نجدُ نعتَك ومخرجَك، فلمّا خرجتَ رجَوْنا أنْ تكونَ فينا، فلمّا رأيناكَ، عرفنا أنّكَ لَسْتَ به." (السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، 323؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 3، 415).
ليس هذا فحسب، بل إنّ محمّدًا وأصحابه يستنجدون ببعض اليهود، الذين كانوا قد بايعوه من قبل، بغية إقناع بني قومهم الآخرين، وذلك من خلال تقديم الوعود لليهود ببناء الهيكل اليهودي في بيت المقدس، كما نستنتج من الراوية التالية: "عن محمد بن كعب القرظي قال: أوحى الله إلى يعقوب أنّي أبعث من ذرّيتك مُلوكًا وأنبياء حتّى أبعثَ النبي الحرمي الذي تبني أمّته هيكلَ بيت المقدس وهو خاتم الأنبياء واسمه أحمد. (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، 163؛ سبل الهدى والرشاد للصاالحي الشامي: ج 1، 99).
والحقيقة أنّ اليهود ما كانوا ليؤمنوا بمحمّد
بوصفه النبيّ الأمّي - أي المسيح - الذي ينتظرون قدومه في آخر الزّمان، إذ أنّ هذا المسيح المنتظر، وبحسب ما تذكره التّوراة وكما أشرنا من قبل، يجب أن يكون يهوديًّا ومن نسل داود، فما بالُكُم الآن بمحمّد العربيّ النّسب. بل وأكثر من ذلك، فربّما حريّ بنا أن نذكر إنّه حتّى قبل قرون ستّة من ظهور محمّد على السّاحة في جزيرة العرب، كان قد ظهر شخص آخر، وهو شخص ينتسب إلى اليهود على وجه التّحديد، ومن نسل داود أبًا عن جد واسمه يسوع، حيث ادّعى هذا النبوّة أيضًا وأنّه المسيح الذي بشّرت به التّوراة، غير أنّ اليهود لم يؤمنوا به كما هو معلوم.
فإذا كانت هذه هي الحال مع يسوع، اليهودي المولد والنّسب، فما بالكم الآن بشخص عربيّ ليس يهوديًّا وليس من نسل داود، يجيء الآن ويقول أمورًا مشابهة، فهل سيؤمن به اليهود خلافًا لمعتقداتهم؟ ولهذا السّبب قال اليهود فيما يتعلّق بنبوّة محمّد: "إنّما كانت الرُّسُل من بني إسرائيل، فما بالُ هذا من بني إسماعيل؟" (تفسير الطبري: ج 2، 342؛ أسباب النزول للواحدي: ج 1، 8؛ العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني: ج 1، 284)، أي أنّ الرّسول الّذي ينتظره اليهود ليس من العرب بأيّ حال. وهذا التصوُّر هو ما تؤكّده رواية ابن عبّاس على لسان أحد بني النّضير: "فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفُه، وما هو بالّذي كُنّا نَذْكُر لكم." (السيرة لابن هشام: ج 1، 547؛ تفسير الطبري: ج 2، 333؛ تفسير ابن كثير: ج 1، 326؛ تفسير ابن أبي حاتم: ج 3، 490؛ أسباب النزول للسيوطي: ج 1، 11)، إذ أنّ الّذي كان يذكره اليهود للعرب في السّابق، على ما يبدو، إنّما هو المسيح اليهودي الّذي من نسل داود.
وهكذا، لم يقتنع اليهود بالرسالة
الجديدة، حتّى بعد أن قال لهم محمّد إنّه يؤمن بما أُنزل عليهم وعلى آبائهم: "أؤمن باللّه وما أُنزل إلينا، وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط، وما أُوتي موسى وعيسى... فلمّا ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به"، (تفسير الطّبري: ج 4 ص 631؛ الكشف والبيان للثعلبي: ج 5، 121؛ العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني: ج 1، 382؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 3، 108؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 1، 335)، بل وأكثر من ذلك، فقد أضافوا قائلين: "والله ما نعلمُ أهلَ دين أقلّ حظًّا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينًا شرًّا من دينكم." (تفسير الرّازي: ج 6، 97؛ تفسير النيسابوري: ج 3، 183؛ زاد المسير لابن الجوزي: ج 2، 386).
ولهذا السّبب بالذّات أيضًا، فقد وبّخ اليهودُ عبدَ الله بن سلام اليهودي بعد أن أسلم: "وقال حيي بن أخطب وكعب بن أسد وأبو رافع وأشيع وشمويل بن زيد، لعبد الله بن سلام حين أسلم: ما تكونُ النبوّةُ في العرب، ولكنّ صاحبَكَ مَلِكٌ..." (سيرة ابن هشام: ج 1، 568؛ الروض الأنف: ج 2، 430؛ التاريخ الكبير للبخاري: ج 1، 193، 225؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 1، 288).
تحويل القبلة:
وهكذا، وبعد أنْ لم ينفع محمّدًا أنّه يتوجّه بالصّلاة نحو بيت المقدس، "قبلة اليهود"، بهدف استمالة قلوبهم لرسالته، كما أسلفت من قبل، وبعد أن رفض اليهود دعوته لأنّها لا تتمشّى مع ما يؤمنون هم به، إذ أنّ التوجّه فقط بالصّلاة إلى قبلة اليهود لا يكفي: "قالت اليهود: يُخالفنا محمّد ويتبع قبلتنا ... والله ما دَرَى محمّد وأصحابُه أينَ قِبْلتُهم حتّى هَدَيْناهم. فكرهَ ذلك النبي صلعم ورفع وجهه إلى السماء..."، كما رُوي عن مجاهد (تفسير الطبري: ج 2، 22). وبعد أن يئس من إمكانية قبول اليهود وعامّة أهل الكتاب دعوته إلى قبوله بوصفه "المسيح المنتظر" الجديد، فقد بدأ يفكّر في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكّة، كما تكشفه لنا الرواية التّالية: "وذلك أن النبي صلعم لما قدم المدينة أراد أن يستألفَ اليهود فتوجّه إلى قبلتهم ليكون ذلك أدْعَى لهم، فلما تبينَ عنادُهم وأَيِسَ منهم، أحبّ أن يُحَوّل إلى الكعبة، فكان ينظر إلى السماء." (تفسير القرطبي: ج 2، 150). ولذلك أيضًا فقد رُوي عنه في الحديث النبوي أنّه بدأ يرغب في صرف القبلة عن "قبلة اليهود"، فقال: "وددتُ أنّ ربّي صَرَفَني عن قبلة اليهود إلى غيرها" (طبقات ابن سعد: ج 1، 241؛ تفسير مقاتل:ج 1، 92; تفسير الطبري:ج 2، 3؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343؛ بحر العلوم للسمرقندي: 1، 126).
على ما يبدو فقد رغب محمّد في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بسبب ردود فعل اليهود، كما يظهر في الرواية الإسلامية: "كرهَ قبلةَ بيت المقدس من أجل أنّ اليهود قالوا: يتبع قبلتنا ويخالفنا فى ديننا! ... والله ما دَرَى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي صلعم." (تفسير الطبري: ج 2 ص 22؛ تاريخ الطبري: ج 2، 18)، أو برواية الرازي يصف هذه الحال التي وجد الرسول نفسه فيها بالمحنة، بسبب ما يقوله اليهود: "إنه يخالفنا ثم إنّه يتبع قبلتنا، ولولا نحن لم يدر أين يستقبل، فعند ذلك كرهَ أن يتوجّه إلى قبلتهم." (تفسير الرازي: ج 2، 403).
وهكذا بدأ الرسول يجد نفسه في حيرة من أمره: "وكان رسول الله صلعم يقعُ في رَوْعِه ويتوقعُ من ربّه أن يُحوّله إلى الكعبة." (تفسير البيضاوي: ج 1 ص 42؛ تفسير أبي السعود: ج 1 ص 174)، فأخذ يبحث عن قبلة أخرى مختلفة عن قبلة اليهود: "واختلفوا في سبب اختيار النبي الكعبة علي بيت المقدس على قولين: أحدهما أنها كانت قبلة إبراهيم، روي عن ابن عباس. والثاني لمخالفة اليهود." (زاد المسير لابن الجوزي: ج 1، 156؛تفسير البيضاوي: ج 1، 42؛ كشف المشكل لابن الجوزي: ج 1، 462)، أو لأنّها "أقدم القبلتين وأدْعَى للعرب إلى الإيمان." (تفسير البيضاوي: ج 1، 42)، أو لأنّها "مفخرتهم ومزارهم ومطافهم" (تفسير النيسابوري: ج 1، 358؛ تفسير أبي السعود: ج 1، 174).
ومثلما كان الهدف من استقبال بيت المقدس في البداية هو استمالة اليهود في الأساس، فها هو يحوّلها الآن إلى الكعبة لأغراض الاستمالة أيضًا. لقد رغب محمّد في تحويل القبلة إلى الكعبة، كما يصرّح الرّازي، لأنّه "كان يُقدّر أن يصيرَ ذلك سببًا لاستمالة العرب ولدخولهم في الإسلام." (تفسير الرازي: ج 2، 403).
وهكذا، وبعد مضيّ ما يقارب سنة ونصف على هجرة الرسول إلى المدينة، تمّ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكما يجمع المفسّرون فإنّ هذا التّحويل يُعتبر أوّل نسخ في القرآن: "أوّل ما نُسخ في القرآن القبلة..." (تفسير الطبري: ج 2، 3 ؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343 ؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، 205؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: 370)، أو أنّ هذا التّحويل، كما يذكر ابن كثير، هو "أوّل نَسْخٍ وقعَ في الإسلام"، على الإطلاق (سيرة ابن كثير: ج 2، 372).
بلبلة المصلّين في تحويل القبلة:
لقد أثار صرف القبلة عن بيت المقدس وتحويلها إلى الكعبة بلبلة في صفوف المصلّين، كما تشير الروايات: "عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلعم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطرَ المسجد الحرام}، فمرّ رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلّوا ركعة، فنادى ألا إنّ القبلة قد حُوّلتْ، فمالوا كما هم نحو القبلة" (صحيح مسلم: رقم 527؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 3، 284؛ تفسير الطبري: ج 3، 135؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 2، 476؛ مستخرج أبي عوانة الإسفراييني: ج 2، 159). أو كما أخبرت نويلة بنت مسلم عن لحظة التّحوُّل إلى الكعبة، قالت: "صلّينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاسْتَقْبَلْنا مسجدَ إيلياء فصلّينا ركعتين، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلعم قد استقبلَ البيت الحرام، فتحوّل النّساءُ مكانَ الرّجال، والرّجالُ مكانَ النّساء. فصلّينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيتَ الحرام" (تفسير ابن كثير: ج 1، 263؛ وانظر أيضًا: الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 65؛ تفسير ابن أبي حاتم: ج 1، 126؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 18، 220؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، 54).
ليس هذا فحسب، بل كان هنالك بين المسلمين من أثار تساؤلات وجيهة بشأن أولئك الذين صلّوا من قبل نحو بيت المقدس وقد قضوا نحبهم قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فماذا يكون بشأن هؤلاء: "وقال المسلمون: ليتَ شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يُصلّون قبلَ بيت المقدس! هل تَقبّلَ اللهُ منّا ومنهم، أو لا؟ " (تفسير الطبري: ج 3، 157).
وعندما صُرفت القبلة من بيت المقدس
إلى الكعبة، كان اليهود يقولون له: "يا محمّد، ما هو إلا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك، فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ولو ثَبتَّ على قبلتنا لكُنّا نرجو أن تكونَ صاحبَنا الذي ننتظره؟" (تفسير البغوي: ج 1، 163؛ تفسير البيضاوي: ج 1، 422؛ الكشف والبيان للثعلبي: ج 1، 261؛ تفسير النيسابوري: ج 1، 364؛ الكشاف للزمخشري: ج 1، 101)، أو أنّهم عيّروا المسلمين بالقول: "ليستْ لهم قبلة معلومة، فتارة يستقبلون هكذا، وتارة هكذا." (تفسير البغوي: 1، 139؛ تفسير السراج المنير للشربيني: ج 1، 194).
حتّى إنّ مجموعة من رجالهم جاءت إلى محمّد تطلب منه أن يرجع إلى قبلة بيت المقدس وتعده بأنهم سيتبعونه إنْ فعل ذلك: "قال ابن إسحاق: ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة... أتى رسولَ الله صلعم رفاعةُ بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمّد ما ولاّكَ عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجعْ إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك..." (سيرة ابن هشام: ج 1، 549؛ تفسير الطبري: ج 3، 132؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، 477؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 344).
لقد استاء بعض اليهود جدًّا من تحويل القبلة إلى الكعبة بدل بيت المقدس والتوجّه بالصّلاة نحو قبلة أخرى غير قبلتهم: "لما صُرفت إلى الكعبة شقّ ذلك على اليهود لمخالفتهم." (تفسير النيسابوري: ج 2، 285؛ أسباب نزول القرآن للواحدي: ج 1، 73)، إذ أنّ محمّدًا قد أوشكَ أن يدخلَ في دين اليهود، كما قال المشركون من أهل مكّة لليهود بعد تحويل القبلة: "تُحُيّرَ على محمّد دينُه، فتوجّهَ بقبلته إليكم، وعلمَ أنّكم كُنتم أهْدَى منه، ويوشكُ أنْ يدخلَ في دينكم!" (تفسير الطبري: ج 3، 158؛ العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني: ج 1، 402؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 359).
لهذا السّبب، وبعد تحويل القبلة
من بيت المقدس فقد أقدم بعض اليهود، الذين كانوا أسلموا من قبل، على ترك الإسلام وعادوا إلى اليهوديّة، كما تُخبرنا الرواية التالية: "إن القبلة لمّا حُوّلت ارتدّ قومٌ من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمّد إلى دين آبائه" (تفسير البغوي: ج 1، 160؛ تفسير السراج المنير للشربيني: ج 1، 221).
خلاصة القول، قد يكون رفضُ أهل الكتاب بصورة عامّة واليهود على وجه التّحديد قبول رسالة محمّد بوصفه المسيح التوراتي المنتظر في ظهوره الجديد، وبالمصطلح الإسلامي بوصفه "النبيّ الأمّي"، هو نقطة التحوّل في التاريخ الإسلامي من مرحلة التقرُّب والتّألُّف لليهود بواسطة التوجّه بالصلاة نحو قبلتهم، إلى مرحلة العداء الشامل، وذلك على غرار ما حصل قبل ستّة قرون بين النصرانية واليهوديّة من عدم اعتراف اليهود برسالة يسوع. وقد أفضى هذا العداء، في نهاية المطاف، إلى قتل وتهجير أهل الكتاب بعامّة واليهود بخاصّة من جزيرة العرب. أليس كذلك؟
والعقل وليّ التّوفيق.

***

في المقالة القادمة سنتطرق إلى ما آل إليه مصير اليهود في جزيرة العرب.

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"
***
_______________________________________
مقالات هذه السلسلة: 
المقالة الأولى: "هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟"
المقالة الثانية: "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"
المقالة الثالثة: "لماذا استقبال قبلة اليهود بالذّات؟"
المقالة الرابعة: "من هو النّبي الأمّي؟ "
 
المقالة الخامسة: "لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟"
 المقالة السادسة: "المصير الذي آل إليه يهود جزيرة العرب" 
المقالة السابعة: "إكسودوس بني النضير" 
المقالة الثامنة: "محرقة بني قريظة 1" 
المقالة التاسعة "محرقة بني قريظة 2"
 المقالة العاشرة: "ماذا جرى مع يهود خيبر؟" 
المقالة الحادية عشرة: "إجلاء اليهود من جزيرة العرب"
__________________________________

دولتان للغتين، عبريّة وعربيّة


سلمان مصالحة || 
دولتان للغتين، عبريّة وعربيّة

لقد آن الأوان للحديث بصراحة وطرح الموضوع بجدّية. لن يذهب اليهود والعرب من هنا إلى أيّ مكان آخر. ليس بالضرورة أن يكون المرء عبقريًّا لكي يفهم أنّ الوضع الراهن لا يُطاق من الناحينين الأخلاقية والسياسية. كُلّ من يدّعي أنّ الصّراع هو صراع قومي، يجب أن يكون لديه ما يكفي من الاستقامة والشجاعة الفكرية ليعرض رؤياه للحلّ القومي.

أسباب إخفاق التلاميذ العرب في الاختبارات الدولية

ما هو السبب الذي يؤدّي إلى هذه الفوارق الشاسعة في القراءة الرقمية بلغة الأمّ؟ إنّ فوارق بهذا الحجم تستدعي تفسيرات مقنعة.

سلمان مصالحة ||
أسباب إخفاق التلاميذ العرب في الاختبارات الدولية

لو كنت من عُشّاق نظريّة المؤامرة لكنت سارعت إلى اتّهام بيل غيتس، شركة مايكروسوفت، نظام الويندوز ومتصفّح الاكسبلورر، على حدة ومجتمعين، بإفشال التلاميذ العرب من المحيط إلى الخليج.

عرب في مهب الريح

سـلمان مصـالحة

عرب في مهبّ الرّيح

سأبدأ الكلام برواية هذه الطرفة: قبل أعوام، وبينما كان الحديث يدور حول السّياسة والشرق الأوسط، ذكرتُ لصديق من أصل تركي المقولة القومويّة العربيّة الشّائعة على ألسنة الكثيرين من العرب والّتي تقول إنّ العالم العربي في وضع متخلّف لهذه الدرجة بسبب الحكم العثماني الذي استمرّ أزيد من أربعة قرون. وما أن سمع الصديق كلامي حتّى انفجر ضاحكًا. لم أفهم سبب ضحكه، فاستفسرت عمّا وراء هذا الضحك، فقال: في تركيا يقولون شيئًا مشابهًا، إنّهم يقولون هناك إنّ تركيا متخلّفة لأنّها حكمت العرب طوال هذه القرون.

تذكرت هذه النكتة الآن بينما كنت أتابع ما يجري على الساحة العربية الآن بعيد جريمة القرصنة العسكريّة الإسرائيلية على متن سفينة "مرمرة" التركية. وهكذا، بين ليلة وضحاها، أضحى أردوغان في نظر القومويّين حامي حمى العروبة. وبين ليلة وضحاها تناسى كلّ أدعياء القومويّة العروبيّة كلّ إرثهم الشعاراتي ضدّ العثمانيين الأتراك والذي رضعوه وأرضعوه ليل نهار لسامعيهم وقرّائهم وطفقوا يهلّلون لمسيحهم الجديد السلطان العثماني القادم من أسطنبول.

إنّ وضع كلّ أصحاب الشعارات هؤلاء من أدعياء العروبة لهو أشبه بمتسوّلي قشّة في عرض بحر متلاطم الأمواج. لا شكّ أنّهم سيرفعون أصواتهم مهلّلين للسّلاطين العثمانيين الجدد من ميكروفونات "قلب العروبة النابض" في أكبر قاعدة أميركيّة في الشرق الأوسط. إنّه "القلب النّابض" لذات السّلطنة التي كانت الصحافة العالمية قد أشارت قبل أسبوعين فقط إلى أنّ أميرها طلب أكثر من مرّة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مقابل السماح لقطر بإدخال مواد ومعونات لغزّة، ومقابل أن تقوم إسرائيل بتصريح إعلامي يشيد بدور قطر الإيجابي في المنطقة. وكالعادة، طبعًا لم تنبس ميكروفونات "قلب العروبة النابض" الجديد في استوديوهات امبراطورية قطر الشعبوية العظمى ببنت شفة حول كلّ هذه الأخبار.

هل نسي كلّ هؤلاء القوميين الجدد أنّهم طالما أشبعونا شعارات حول "لواء إسكندرون السّليب". فأين اختفى هذا اللّواء السّليب، وأين اختفت هذه الشّعارات؟ لقد بدأ اختفاء لواء الإسكندرون من الذاكرة السورية بعد حشد الأتراك الجيوش على الحدود السورية، فما كان من الرئيس الأسد الأب إلاّ أن لفلف القضيّة، وأخرج اللّواء "السّليب" من خارطة سورية، "قلب العروبة النابض"، على ما شنّفوا آذاننا به طوال عقود.

إنّ مشكلة كلّ هؤلاء ممّن يصنّفون في خانة "اليسار العربي"، إنْ كان هذا موجودًا أصلاً، ومشكلة كلّ هؤلاء القومويّين الشّعبويّين العرب هي أنّ كلّ هؤلاء جميعًا يعتاشون على ذات الطبخة التي تبدو ظاهرًا جميلة المظهر ولذيذة المذاق غير أنّها دميمة وقبيحة متخفّية خلف مساحيق الشعارات التجميلية التي تُطلى عليها، ومُقزّزة لكثرة ما أكل عليها الدهر وشرب. كلّ هؤلاء كانوا دومًا يتّسمون بالقبح. إنّه ذات القبح الذي شبّوا وشابوا عليه في تعاونهم الدائم مع أسوأ الأنظمة العربية الدكتاتورية المتعسّفة، ملكية كانت أم جمهورية.

فليتفكّر كلّ العرب قليلاً. ماذا جنى العرب من كلّ هذه الاستقلالات والحركات الوطنية بعد جلاء الاستعمار؟ لقد جنى العرب أنظمة ظالمة لشعوبها أسوأ بكثير من أنظمة الاستعمار ذاته. بل وأكثر من ذلك، فقد كان الاستعمار ذاته أرحم بكثير للمواطن العربي من كلّ هذه الأنظمة "الوطنية والقوميّة". وإذا كانت هذه هي الحال، فما الحاجة إذن إلى كلّ هذه الاستقلالات؟

كلّ الأنظمة العربية لا يعنيها شيء سوى الحفاظ على الامتيازات والبقاء القبليّ في السلطة، ولهذا فإنّ سياساتها تتبدّل من الألف إلى الياء إذا اقتضتها ضرورة البقاء. وفوق كلّ ذلك، فقد وجد المواطن العربي نفسه في آخر قائمة التخلّف على المستوى العالمي.

إنّ دعاوى العروبة الكاذبة، وإن كانت تُدغدغ عواطف المراهقين العرب، غير أنّها تبقى في سنّ المراهقة حتّى مع تقدّم أصحابها في السنّ. ما لم يطرح هؤلاء بديلاً حقيقيًّا بعيدًا عن أنظمة العسف العربية على كافّة تنويعاتها فلن تقوم لهم قائمة. كلّ شيء يتغيّر ما عدا شعارات العروبة الكاذبة، فهي تتغيّر من موقع إلى موقع، بانتظار منقذ مخلّص أو مسيح، كريشة في مهبّ الريح.

والعقل ولي التوفيق.
***
نشرت في "إيلاف"

***

عن أحوال مصر المحروسة والجيش

وهكذا نرى أنّ ما بدأ به محمّد علي من بناء مؤسسات مدنية غايتها خدمة سلطة العسكر، لا يزال ساري المفعول في مصر إلى يومنا هذا، رغم كلّ الهبّات الشعبية ورغم كلّ تقلّبات الأوضاع التي أعقبت ما سمّي بـ”الربيع العربي“...

كلّ يغنّي على لبنانه

إنّ هذا الخراب اللّغوي العربي يكشف عن ذهنيّات قبليّة طائفيّة تنخر عظام هذا البلد، مثلما نخرت وتنخر هذه الذهنيّات في أصلاب هذا الشّرق.

ما الذي يشغل الأجيال العربية الناشئة؟

سلمان مصالحة ||
ما الذي يشغل الأجيال العربية الناشئة؟

أتابع بين الفينة والأخرى استطلاعات الرأي التي تُجرى في هذا البلد أو ذاك. ولأنّ الأقربين أولى بالمعروف، كما يُقال، فإنّي أميل إلى متابعة هذه الاستطلاعات في البلاد العربية. وبالرغم من مساحات الخطأ في هذا النوع من الأبحاث الميدانية، إلاّ أنّها تبقى إحدى الوسائل الهامّة للوقوف على بعض الأمور التي يتوجّب على المهتمّين، وخاصّة أصحاب القرار، أن يضعوها نصب أعينهم.

طبخة القرن الشائطة


ها هي فرصة قد سنحت الآن لتحقيق هذا التهديد. إنّها الورقة الأخيرة التي ستتبقّى في أيدي قيادة فلسطينية حقّة وجديرة

عرب-إسرائيل، كسائر العربان


سلمان مصالحة ||

عرب-إسرائيل، كسائر العربان


لقد ورد في المأثور
أنّ الأقربين أولى بالمعروف. ولمّا كان المعروف الّذي أعنيه هنا هو النّقد بما يحمله من اهتمام بأحوال النّاس، فقد رأيت أن أتطرّق في هذه المقالة إلى شؤون هؤلاء القوم من الفلسطينيّين الّذين بقوا في الوطن بعد النّكبة وصاروا إثر ذلك الحدث مواطنين إسرائيليّين. لقد مرّت ستّة عقود من الأعوام على هذه المواطنة، على هذه التّجربة العربيّة الفريدة. وأقول تجربة فريدة وخاصّة، إذ رغم كلّ الإشكاليّات المرتبطة بها إلاّ أنّ أبناء هذه الأقليّة بخلاف سائر المجتمعات العربيّة من المحيط إلى الخليج تعيش، وعلى الأقلّ من النّاحية النّظريّة والقانونيّة، تجربة ديمقراطيّة طوال هذه العقود. ليس هذا فحسب، بل وعلى مرّ الزّمن فقد أنشأ هؤلاء القوم أحزابًا، بعضها يدّعي القومجيّة، وبعضها يدّعي الشّيوعيّة، وبعضها الآن يدّعي الإسلامويّة، فأدخلت جميع هذه الأحزاب نوّابًا في الكنيست الإسرائيلي، حيث أقسموا جميعًا، على اختلاف تيّاراتهم، يمين الولاء لدولة إسرائيل من على منصّة الكنيست وعلى الملأ.

والولاء لإسرائيل لم يكن
مجرّد يمين يُتلى من على منصّة الكنيست، بل رافقته دعوات لاتّخاذ خطوات عمليّة ذات مدلولات كبرى. وهذا الولاء لإسرائيل لم يأت فقط من جانب مخاتير الحمائل والطّوائف الّذين ارتبطوا بالأحزاب الصّهيونيّة ابتغاء الوصول إلى كراسي النّيابة في الكنيست، بل تعدّاه إلى أحزاب وتيّارات من صنف أولئك الّذين تُسبغ عليهم في هذه الأيّام تعابير "الوطنيّة" وغيرها من الشّعارات. فها هو الزّعيم الشّيوعي "الوطني"، توفيق طوبي، والّذي كان نائبًا لعشرات السّنين في الكنيست عن الحزب الشّيوعي، وبالتّحديد في يناير من العام 1950، أي بعد عامين فقط على النّكبة، يطالب بتجنيد الشّباب العرب في الجيش الإسرائيلي، فيوجّه كلامه إلى رئيس الحكومة ووزير الدّفاع الإسرائيلي من على منصّة الكنيست قائلاً: "لماذا تستثني الحكومة المواطنين العرب في سنّ الخدمة العسكريّة، مع أنّ الكثيرين عبّروا عن استعدادهم للقيام بواجباتهم كمواطنين يطالبون بالتّمتّع بكامل الحقوق؟ لا شكّ أنّ هذه هي إحدى الظّواهر البارزة للتّمييز العنصري في سياسة الحكومة، الّتي تتعارض مع كلّ جهد لاستمالة صداقة الجماهير العربيّة".

والولاء لإسرائيل لم يتغيّر
رغم تغيّر الظّروف وتبدّل الشّعارات بعد كلّ هذه العقود، فالشّعارات الطنّانة الرّنّانة شيء والحقيقة شيء آخر مختلف تمامًا. وإذا كان يظنّ البعض أنّ هنالك من يريد الإنضمام إلى دولة فلسطينيّة مستقبلاً فظنّه لا يستند إلى أيّ شيء ملموس قولاً وفعلاً على أرض الواقع. فحتّى أقطاب الحركة الإسلاميّة، غلاتها ومعتدليها، شمالها بجنوبها، يعبّرون ليل نهار عن رفضهم الانضمام إلى دولة وطنيّة فلسطينيّة. إنّ هؤلاء الإسلامويّين كغيرهم من مراهقي العروبة الذّاهبين للحجّ بينما النّاس قافلة في رحلة العودة، يجدون أنفسهم في مأزق كبير حقًّا. فعندما يدور الحديث في السّنوات قيام دولة فلسطينيّة وطنيّة وحلّ للقضيّة يتضمّن تبادل للأرض، وترفع بعض الأحزاب الإسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة إمكانيّة التّنازل عن وادي عارة لضمّه إلى دولة فلسطينيّة، يسارع هؤلاء الإسلامويّون ومن لفّ لفّهم من مراهقي العروبة إلى رفض اقتراحات من هذا النّوع. فلماذا يرفض هؤلاء اقتراحات كهذه، إذا كانوا حقًّا فلسطينيّين وعروبيّين؟ ألا يريدون أن يكونوا هم وأرضهم جزءًا من دولة وطنيّة عربيّة فلسطينيّة؟ إنّه مأزق كبير لا يجرؤون حتّى على الخوض في دلالاته العميقة وأبعاده السّحيقة أبدًا، وبدل ذلك يتزنّرون بشعارات طنّانة رنّانة كعادتهم. فإذا كان هؤلاء الإسلامويّون ومراهقو العروبة يريدون أن يكونوا جزءًا من الدّولة الإسرائيليّة، ولا يريدون أن يكونوا جزءًا من الدّولة والعلم والنّشيد الوطني الفلسطيني، على ما يعنيه هذا الأمر وما له من أبعاد، فليقولوا ذلك علانية ودون لفّ أو دوران، ودون التّزنُّر بشعارات الوطنيّة الفلسطينيّة الكاذبة!

هل طبع عرب إسرائيل يغلب تطبّعهم؟
لقد كنت كتبت في الماضي في أكثر من مكان وأشرت إلى أنّ نشوء الحركة الإسلاميّة بين ظهراني "عرب إسرائيل"، "عرب الـ 48"، "فلسطينيّي الدّاخل" وما إلى ذلك من تسميات شائعة لدى العربان، هو من بين أهمّ الأسباب الّتي أدّت إلى "تطييف"، أي إلى تفريز طائفي، في صفوف هؤلاء العرب، ومن هنا خطورة هذه الحركة على المجتمع العربي في إسرائيل بأسره. فلكون هذا المجتمع متعدّد الطّوائف فإنّ نشوء أيّ تيّار أو حزب على أسس دينيّة بحتة، أيًّا ما كانت تلك الدّيانة، فهذا يعني أنّه يعزل نفسه عن سائر الطّوائف، وهذا يعني أيضًا أنّه حزب عنصريّ بالقوّة وبالفعل. وفي الواقع كان لنشوء هذا التّيار تأثير كبير على تذرّر هذا المجتمع إلى طوائف، ومن ثمّ إلى قبائل وحمائل، كما يظهر ذلك جليًّا في الانتخابات المحليّة والقطريّة. وهذه هي الحال الّتي نشهدها في صفوف هذه الأقليّة رغم مرور ستّة عقود من تجربة ديمقراطيّة عربيّة فريدة، غير أنّ الطّبع على ما يبدو يغلب التّطبُّع.
إنّ سوسة الطّائفيّة والقبليّة تنخر عظام جميع الحركات "السّياسيّة" القائمة بين عرب إسرائيل، بدءًا من الحزب الشّيوعي وجبهته غير الديمقراطيّة، مرورًا بحزب مراهقي العروبة الّذين تيتّموا بعد فرار زعيمهم إلى أكبر قاعدة أميركيّة في الشّرق الأوسط، وانتهاءًا بهذه الحركة الإسلاميّة الّتي تقوقعت في الدّين قاصمة بذلك ظهر هذه الأقليّة المنكوبة بشعارات سياسيّيها البلهاء. وهكذا، وبعد عقود ستّة، لم يتغيّر شيء في ذهنيّة هؤلاء القوم.
ألم أقل لكم بأنّ الأقربين أولى بالمعروف؟

والعقل وليّ التّوفيق
*

المقالة في إيلاف

المقالة في شفاف الشرق الأوسط




إخراج المجتمعات العربية من الظلمات إلى النور

هل المرأة العربية عورة؟



سلمان مصالحة ||

إخراج المجتمعات العربية من الظلمات إلى النور


لفهم عمق وضع التخلُّف العربي لا حاجة إلى الذهاب بعيدًا إلى أنحاء العالم العربي؛ يكفي أن ننظر هنا في الداخل إلى حارتنا نحن، إذ إنّها ميكروكوسموس، أي هي عالم مصغّر عن ذلك العالم العربي المترامي الأطراف. إنّ أحد العوامل الأساسية للتخلّف المزمن في العالم العربي هو ذلك التهميش المزمن للمرأة  وعزلهاعن فضاء اتّخاذ القرارات، التي تُحدّد مصير المجتمع بكلّ مجالات الحياة. إنّه تهميش صارخ وواضح للعيان.

القيادات العربية كانت دائمًا محصورة بالرجال. إذ لم نشاهد على مرّ العصور أبدًا ملكة عربية، رئيسة دولة عربية، أو رئيسة عربية لحكومة ما، ولا حتّى رئيسة بلدية. إنّ المجتمع المعافى يقف ويخطو قُدمًا برجليه الاثنتين، الرِّجل الأنثوية والرِّجل الذكورية. إنّ الرِّجل الأنثوية للمجتمعات العربية هي رجل مشلولة منذ قديم الزمان، ولذلك فما من عجب في أنّ المجتمعات العربية هو مجتمعات عرجاء، ودائمًا ستكون في عوز إلى عكاكيز خارجية.

هاكم مثالًا على الفشل الاجتماعي العربي. في الأسبوع الماضي نظّم رؤساء عشائر وحمائل في جبل الخليل مهرجانًا طارئًا، وذلك احتجاجًا على مصادقة السلطة الفسطينية على الميثاق العالمي “سيداو” (CEDAW) الذي يدعو إلى القضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة. لقد دعا المؤتمرون، وكلّهم من الرجال طبعًا، السلطة الفلسطينية إلى التراجع عن مصادقتها على الميثاق. ولقد دعوا في البيان الذي نشروه عقب المهرجان إلى حظر نشاطات كلّ المنظمات النسائية - “المشبوهة” على حدّ تعبيرهم - وإلى منع دخول هذه المنظمات والجمعيات إلى المدارس وإلى حظر إيجار المكاتب لهذه المنظمات. بالإضافة إلى ذلك فقد حذّر هؤلاء في البيان قضاة المحاكم من استصدار أحكام على ضوء هذا الميثاق. لقد استثار الميثاق غضب هؤلاء لتحديد سنّ الزواج بالثامنة عشرة، وذلك بدعوى أنّ هذا يتناقض مع الأعراف والقوانين الإسلامية.

إنّ هذه الأعراف والقوانين الإسلامية قد ضربت في الآونة الأخيرة الأولاد في غزّة. مواطنو غزّة الذين يرزحون من جهة تحت طائلة الحصار الإسرائيلي-المصري، ومن سلطة الإسلامويين من الجهة الأخرى، قد شهدوا حظرًا على تنظيم عرض احتفالي موسيقي لطلبة معهد إدوارد سعيد الموسيقي. لقد جاء الحظر إثر فتوى نشرها أحد مشايخ الإسلامويين ضدّ العرض وذلك لكون العرض الموسيقي مختلطًا يظهر فيه الأولاد والبنات معًا على المنصّة.

لقد وصلت هذه الروح السيّئة في المجتمع الفلسطيني إلى الجامعات، وليس في غزة الواقعة تحت سلطة الإسلامويين فقط، وإنّما في نابلس وفي جامعة النجاح الواقعة تحت السلطة الفلسطينية. فداخل الحرم الجامعي تمّ وقف عرض مسرحي يتطرّق إلى وضع النساء في العالم العربي - على يد بروفسور وعميد كلية الفنون. لقد اعتلى العميد المنصة قائلا إنّ العرض لا يتمشّى مع ثقافة وقيم المجتمع. إنّ الذي أثار غضبه هو أنّ الممثلة عشتار معلم، خلعت خلال العرض بعد الثياب.

هكذا يحدث في غزة، في الخليل وفي نابلس، وهكذا يحدث أيضًا في البلدات العربية داخل إسرائيل. الإسلامويون من مواطني إسرائيل يستشيطون غضبًا بين فينة وأخرى ويحتجّون، بل ويوقفون عروضًا فنية مختلطة ويندّدون بمنظمات نسائية تناضل لأجل حقوق المرأة، ويصفون النساء ومنظّماتهنّ بأقذع الأوصاف ويتّهمون القائمات والقائمين على تلك الفعاليات بالتعاون مع منظمات أجنبية بغية تكريس أجندات غريبة في المجتمعات العربية.

إذا كانت المجتمعات العربية هنا وفي كلّ العالم العربي ترغب حقًّا بالخروج من التخلّف الذي وجدت نفسها فيه طوال قرون طويلة، فيتوجّب على المثقّفين العرب أن يرفعوا بشجاعة شعار ومشعل المساواة الجندرية. إن لم يفعلوا ذلك فإنّهم يخونون الرسالة التي يفترض أنّهم يحملونها. على جميع هؤلاء أن يعلنوها صراحة وعلى مسمع من الإسلامويين والذكوريين العرب على أصنافهم، بأنّ مبدأ المساواة الجندرية ليس أجندة غريبة أو أجنبيّة. بل على العكس من ذلك، إنّ المساواة الجندرية هي المبدأ الوحيد الذي بوسعه أن يخرج المجتمعات العربية من الظلمات إلى النور.

*

نشر أيضًا: شفاف الشرق الأوسط


For English, press here
For Hebrew, press here

"سبحان الذي أسرى"


سلمان مصالحة ||

"سبحان الذي أسرى"

لا شكّ أنّ حدث الإسراء  
كما ورد ذكره في الآية: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" والتي تفتتح السورة القرآنية التي سُمّيت به، هو أحد أهمّ الأحداث التي رافقت بدايات نشوء الدّعوة الإسلاميّة. كما أنّه يندرج في صلب التّصوّرات الّتي انبنت عليها هذه الدّعوة منذ البداية في جزيرة العرب. فمثلما كنّا أسلفنا من قبل، في معرض حديثنا عن القبلة والتوجّه بالصّلاة نحو بيت المقدس، والوقوف على أنّ هذا التوجّه نحو بيت المقدس كان بهدف استمالة قلوب اليهود، لأنّ محمّدًا كان يعتقد في قرارة نفسه أنّه هو النبيّ الأمّي - المسيح اليهودي المنتظر - الّذي يؤمن اليهود بأنّه سيعود في آخر الزّمان. يمكننا القول أيضًا، إنّ قصّة الإسراء من مكّة إلى بيت المقدس تندرج ضمن هذه المحاولات التي هدفت إلى التأكيد على هذه الرؤيا الإسلاميّة، وتشير إلى عمليّة البحث الحثيثة عن شرعيّة يهوديّة لدعوته، في الوقت الّذي رفض فيه اليهود القبول به بوصفه هذا "النبيّ الأمّي" التّوراتي، بحسب الرواية الإسلامية.

لقد جاءت رحلة الإسراء إلى بيت المقدس بالذّات، التي هي "قبلة اليهود" كما أشار إليها محمّد نفسه، مثلما فصّلنا الحديث في هذه المسألة من قبل، للتأكيد على شرعيّة هذه الدعوة التي كانت ستضفيها عليها رحلة الإسراء إلى "قبلة اليهود" على وجه التّحديد.لقد نزلت سورة الإسراء بمكّة كما تذكر الروايات، كما أنّ اسمها الأصلي يعكس تلك التوجّهات الأوليّة، إذ يذكر المفسّرون بشأن هذه السّورة أنّ اسمها هو "سورة بني إسرائيل"، كما أنّها تُسمّى بأسماء أخرى: "تسمّى الإسراء وسبحان أيضًا" (روح المعاني للألوسي: ج 14، 238؛ أنظر أيضًا: تفسير القرآن للصنعاني: ج 4، 3؛ تفسير النسفي: ج 2، 277؛ فتح القدير للشوكاني: ج 3، 293؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، 181). ليس هذا فحسب، بل وكما تفيد الرّوايات فإنّه حتّى بعد أن خُتمت "سورة بني إسرائيل"، فقد نزلت بضع آيات في المدينة لها علاقة بالموضوع، وألصقت بهذه السّورة لتصبح جزءًا منها، ما يشير إلى عمق هذا التوجّه الإسلامي باستجداء الاعتراف اليهودي بنبوّة محمّد. حيث يذكر الرّواة بشأن الآية 76 من سورة الإسراء {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا}، أنّها نزلت بعد أن قال بعض اليهود للنّبي: "إنّ أرض الأنبياء أرض الشّام وإنّ هذه ليست بأرض الأنبياء"، أو كما ورد في رواية أخرى أنّهم قالوا له: "إن كنت نبيا فالحَقْ بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام". وتضيف الرّواية أنّ هذه الأقوال كانت السّبب من وراء غزوة تبوك لأنّ محمّدًا كان ينوي الوصول إلى الشّام جريًا وراء ما قالت له اليهود من أنّ الشّام هي أرض الأنبياء، فقد ذكرت الرّوايات: "فصدّق رسول الله صلعم ما قالوا، فغزا تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة... فأمره بالرجوع إلى المدينة وقال: فيها محياك وفيها مماتك وفيها تبعث." (الدر المنثور للسيوطي: ج 5، 320؛ أنظر أيضًا: تفسير الثعالبي: ج 2، 354؛ زاد المسير لابن الجوزي: ج 5، 69-70؛ فتح القدير للشوكاني: ج 3، 293).أمّا بشأن سورة بني إسرائيل - الإسراء - فيُروى عن ابن عبّاس أنّه قال: "إن التّوراة كلّها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل، ثمّ تلا: ولا تجعلْ مع الله إلهًا آخر." (تفسير الطبري: ج 17، 590؛ أنظر أيضًا: الدر المنثور للسيوطي: ج 5، 287؛ روح المعاني للألوسي: ج 15، 2). وهذه الآية التي تلاها ابن عبّاس بحسب الرّواية، "{ولا تجعلْ مع الله إلهًا آخر}"، ليست سوى ترجمة من اللغة العبريّة لإحدى الوصايا العشر التّوراتية: "لا يَكُنْ لكَ إلهٌ آخرُ سِوَاي!" (سفر الخروج، فصل 20، 3). وعلى ما يبدو، فلم يكن ابن عبّاس ليصرّح بأنّ التّوراة كلّها في سورة الإسراء ثمّ يتلو هذه الآية لولا علمه ويقينه بأنّ هذه الدعوة الجديدة إنّما هي دعوة يهوديّة توراتيّة في الأساس.
 مهما يكن من أمر، فإنّ قصّة الإسراء تشير إلى تلك الرحلة التي اقتاد بها جبريل محمّدًا، بحسب الروايات الإسلاميّة، على ظهر تلك الدابّة الأسطوريّة المُجنّحة، البراق، من مكّة إلى بيت المقدس ومن ثمّ التّعريج به للسموات ولقاء الأنبياء السابقين، وإيحاء الله له بما أوحى له به. حتّى أنّ هذه الدّابّة الأسطوريّة، البراق، كما تفيد الرّواية الإسلاميّة هي دابّة سليمان بن داود: "كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر." (تفسير مقاتل: ج 2، 247)، وذلك من أجل إضفاء شرعيّة يهوديّة نبويّة عليها من خلال ركوبه على دابّة سليمان بن داود الّذي تنظر إليه الرّواية الإسلاميّة بوصفه نبيًّا بخلاف النّظرة اليهوديّة الّتي تراه ملكًا ليس إلاّ. يشار هنا إلى أنّ كون الدّابّة مُجنّحة يندرج أيضًا ضمن الخرافات الإسلاميّة التي تفيد بأنّ سليمان بن داود كانت له خيول مُجنّحة، قيل إصابها وقيل ورثها عن أبيه داود، وقيل أخرجت له من البحر: "عن عوف رضي الله عنه قال : بلغني أن الخيل التي عقر سليمان عليه السلام كانت خيلا ذات أجنحة أخرجت له من البحر لم تكن لأحد قبله ولا بعده." (الدر المنثور: ج 7، 177؛ أنظر أيضًا: تفسير الطبري: ج 21، 193؛ تفسير البغوي: ج 7، 88؛ الكشف والبيان للثعلبي: ج 11، 386؛ تفسير القرطبي: ج 15، 193؛ تفسير الألوسي: ج 17، 331). 
قصّة الإسراء: يذكر مقاتل في تفسيره بشأن الإسراء: "أنّ النبى صلعم أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة، فقال لأم هانئ ابنة أبى طالب، وزوجها هبيرة بن أبى وهب المخزومى: لقد رأيت الليلة عجبًا، قالت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: لقد صليت فى مصلاي هذا صلاة العشا، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما فى بيت المقدس، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: أتاني جبريل، عليه السلام، وقد أخذت مضجعى من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدى وأخرجنى من الباب وميكائيل، عليه السلام، بالباب ومعه دابّة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس... لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافرها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها، كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذا يزفان بي حتّى أتيت بيت المقدس، ومُثّل لي النبيون، فصلّيت بهم، ورأيت ورأيت..." (تفسير مقاتل: ج 2، 247-248؛ أنظر أيضًا: تفسير الطبري: ج 17، 332-333؛ تفسير البغوي: ج 5، 55-62؛ تفسير القرآن للصنعاني: ج 4، 3؛ تفسير القرطبي: ج 10، 180؛ تفسير ابن كثير: ج 5، 5-7؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5 ص 182).

وعندما روى محمّد على مسامع قريش عن رحلته هذه حاولت قريش استجوابه حول أمور تتعلّق ببيت المقدس، لم يعرف الإجابة عليها فاغتمّ لذلك كثيرًا، حتّى مثّل اللّه له بيت المقدس أمامه فطفق محمّد يصفه لهم بالتّفصيل: "روى الصحيح عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلعم: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربتُ كربًا ما كربت مثله قط. قال فرفعه الله لي أنظرُ إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به." (تفسير القرطبي: ج 10، 180؛ أنظر أيضًا: تفسير البغوي: ج 1، 57). 
وكالعادة، فيما يتعلّق بالأحداث الإسلاميّة، هنالك اختلاف حول حيثيّات الرّحلة كما تظهر في الرّوايات. فمن خلال النّظر في الرّوايات الإسلاميّة لا نستطيع الجزم بتاريخ الإسراء ولا الموقع الّذي انطلقت منه هذه الرّحلة الأسطوريّة ولا أين نزل وحلّ في الطّريق، إلى آخر هذه القضايا التي عادة ما تثير الكثير من الاختلافات.لقد شهدت الرّوايات على كلّ تلك الاختلافات في تاريخ ونقطة انطلاق الإسراء: "وقد اختُلف أيضًا في تاريخ الإسراء فروي أنّ ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة، وروي أنّ الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام." (فتح القدير للشوكاني: ج 3، 295؛ حول اختلاف الروايات بشأن تاريخ الإسراء، انظر تفسير البغوي: ج 1، 57؛ تفسير مقاتل: ج 2، 247؛ تفسير القرطبي: ج 10، 180؛ تفسير الألوسي: ج 10، 356-357). كما أنّ ثمّة روايات تذكر أنّ الإسراء حدث من بيت أمّ هانئ ابنة أبي طالب، وهنالك روايات تقول إنّ الإسراء قد حدث من المسجد الحرام (تفسير الطبري: ج 17، 331-332؛ أنظر أيضًا: الكشاف للزمخشري: ج 1، 673-674؛ تفسير البيضاوي: ج 1، 429). وهنالك خلاف أيضًا حول ما إذا كان الإسراء قد تمّ بالجسد أم بالرّوح، أم بكليهما، وقد وقف القدماء على هذه القضايا الخلافية: "وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلعم مع روحه أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق... وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالرّوح." (فتح القدير للشوكاني: ج 3، 295؛ أنظر أيضًا: تفسير الطبري: ج 17، 348-351؛ تفسير القرطبي:ج 10، 180؛ شرح البخاري لابن بطال: ج 20، 187؛ تفسير الرازي: ج 9، 494).ولا تتوقّف الاختلافات عند هذا الحدّ، بل تتعاظم بحسب الرّوايات حيث نشهد اختلافات فيما إذا كانت الرحلة مباشرة إلى بيت المقدس أمّ أنّه كانت له محطّات نزل فيها في الطّريق. فبينما الروايات القديمة تذكر الإسراء من مكّة إلى بيت المقدس مباشرة، تأتي روايات لاحقة فتذكر محطّات أخرى يهوديّة ومسيحيّة على الطّريق، نزل فيها وصلّى بأمر من جبريل: "فأتاني جبريل عليه السّلام بدابّة... ثم حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا... حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني فقال: صلِّ، فصليت. ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. فانطلقت... ثم بلغنا أرضًا فقال: انزل، فنزلت. ثم قال: صلِّ، فصليت. ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. ثم انطلقت... ثم بلغنا أرضًا، بدت لنا قصور، فقال: انزل. فنزلت، فقال: صلِّ، فصليت. ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله." (تفسير ابن كثير: ج 5، 26؛ أنظر أيضًا: الكشف والبيان للثعلبي: ج 7، 452؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، 185-186؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 3، 80-81).حتّى مسألة الصّلاة في المسجد لا يوجد إجماع عليها. فبينما تذكر الرّوايات دخول الرسول المسجد الأقصى والصّلاة فيه، إلاّ أنّ ثمّة من يرفض هذه الأقاويل استنادًا إلى القرآن ذاته، كما رُوي عن هزء حذيفة بن اليمان بمن يقول بدخول الرسول المسجد والصلاة فيه: "عن زر بن حبيش، قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث، عن ليلة أسري بمحمد صلعم، وهو يقول: فانطلقنا حتى أتينا بيت المقدس. فلم يدخلاه. قال: قلت: بل دخله رسول الله صلعم ليلتئذ وصلّى فيه. قال: ما اسمُكَ يا أصْلَع، فإني أعرفُ وجهك ولا أدري ما اسمُك؟ قال: قلت: أنا زر بن حبيش. قال: فما علْمُك بأنّ رسول الله صلعم صلّى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآنُ يخبرني بذلك. قال: من تكلم بالقرآن أفلح، اقرأ. قال: فقلت: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}، قال: يا أصلع، هل تجد "صلّى فيه"؟ قلت: لا. قال: والله ما صلّى فيه رسول الله صلعم ليلتئذ. ولو صلّى فيه لكتب عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق. والله ما زايَلا البراقَ حتّى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع، ثم عادَا عودهما على بدئهما. قال: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه." (تفسير ابن كثير: ج 5، 21؛ أنظر أيضًا: تفسير الطبري: ج 17، 349).وفي رواية أخرى يهزأ حذيفة أيضًا من الرّواية القائلة بأنّ الرسول ربط الدابّة في الحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء. إذ عندما قيل لحذيفة إنّ الرسول ربط البراق بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، قال حذيفة: "أوَكانَ يخاف أن تذهب وقد آتاه الله بها؟" (مصنف ابن أبي شيبة: ج 7، 335؛ أنظر أيضًا: مسند أحمد بن حنبل: ج 51، 58؛ مسند الصحابة في الكتب التسعة: ج 35، 1؛ أخبار مكّة للفاكهاني: ج 3، 296؛ الردّ على الجهمية للدارمي: 62؛ المسند الجامع لأبي المعاطي النوري: ج 11، 215؛ الإسراء والمعراج للألباني: ج 1، 63).***
في المقالة القادمة سنتطرق إلى المسجد الأقصى وسنجيب على السؤال، ما هو هذا المسجد؟والعقل ولي التوفيق
***

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"

***

مقالات هذه السلسلة:المقالة الأولى: "هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟"
المقالة الثانية: "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"
المقالة الثالثة: "لماذا استقبال قبلة اليهود بالذّات؟"
المقالة الرابعة: "من هو النّبي الأمّي؟"

 المقالة الخامسة: "لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟"
 المقالة السادسة: "المصير الذي آل إليه يهود جزيرة العرب"
 المقالة السابعة: "إكسودوس بني النضير"
 المقالة الثامنة: "محرقة بني قريظة 1"
 المقالة التاسعة "محرقة بني قريظة 2" 
المقالة العاشرة: "ماذا جرى مع يهود خيبر؟"
 المقالة الحادية عشرة: "إجلاء اليهود من جزيرة العرب"

القصر السرّي في كفر جوز

أرشيف: بيروت،  ديسمبر 1938 -  

 

نزاعات الفلسطينيين الهاربين من فلسطين في الثلاثينات تحتدم في بيروت.

جادة الفرنسيين، بيروت - ثلاثينات القرن العشرين
خدمة للقارئ العربي نواصل تقديم هذه الشهادات الصحافية العبرية التي تكشف الكثير من أجواء الأحداث التي عصفت بالبلاد في سنوات الثلاثينات من القرن المنصرم.

من يغئال عمير وحتى احتجاج الدروز

ترجمة عربية لمقالة "هآرتس":

قانون القومية بصيغته الحالية هو استمرار مباشر لنفس التحريض. هو استهدف أن يسبق علاج الابرتهايد من مدرسة اليمين المتعصب..

أحمد بيضون || ”دكتور أخمد أنا أيضًا شيوعي“

 مختارات -


أحمد بيضون

توجّهنا إلى بيتِ أختي زينب في البلدةِ لأنّ بيت أهلي كان مهدومًا جزئيًا من جرّاءِ القصفِ في 1977- 1978 ثمً من جرّاءِ النسفِ الذي أودى بمبنَيينِ كبيرينِ مجاورَينِ لهُ في أيّامِ الاحتلالِ الأولى. وكانَ ما تبقَى من الطابقِ السُفْلِيِّ فيه محتاجًا إلى إصلاحٍ ليعودَ صالحًا للسّكَن.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!