السبت، 19 أكتوبر 2013

سؤال الديمقراطية والعرب


حتّى الأحزاب، التي تتشدّق ليل نهار بالشعارات العابرة للقبائل والطوائف، هي في حقيقة الأمر أحزاب طائفيّة وقبليّة.

سلمان مصالحة || 

سؤال الديمقراطية والعرب



في المجتمعات التي لم تخرج بعد من الطور القبلي الّذي تتجذّر عصبيّاته في ذهنيّتها، هل تنفع معها الديمقراطية؟ إنّه سؤال لا مناص من طرحه ولا مناص من محاولة الإجابة عليه بصدق. إذ لا تكفي الشعارات التي تُسمع هنا وهناك عن نشود الديمقراطية، وما إلى ذلك من كلام معسول. فالديمقراطية ليست شعارًا شكليًّا. إنّها ذهنيّة وإيمان في آن معًا.

لا حاجة إلى التنظير، فبوسع الفرد العربي في مشارق العرب ومغاربها أن ينظر حوله، كلّ في موقعه الذي يسكن فيه، في البلد، في الإقليم، في المدينة والقرية، وأن يخرج من مشاهداته هذه برأي قويم في هذه المسألة. هل النّاس من حوله يضعون الوطن والشعب في سلّم الأولويّات أم إنّ ولاءَهم الأقوى والأمتن للطائفة والقبيلة؟ هل للفرد في بيئتهم مكانة، أم إنّه مجرّد برغي صغير في ماكينة القبيلة والطائفة؟

حتّى الأحزاب، التي تتشدّق ليل نهار بالشعارات العابرة للقبائل والطوائف، هي في حقيقة الأمر أحزاب طائفيّة وقبليّة. حينما ينظر الفرد ذو البصر والبصيرة في هذا المشرق إلى جوهرتركيبة هذه الأحزاب فما من شكّ في أنّه سيصل إلى قناعة مفادها أنّ هذه الأحزاب، على اختلاف مشاربها، ليست تختلف في تركيبتها عن تلك التركيبة الطائفية والقبلية التي تنهل من ذات الذهنية التي لم تتخطَّ بعد الطور البرّيّ الصحراوي.

وهكذا، بوسع كلّ فرد في هذا العالم العربي المترامي الأطراف أن يبدأ السير في طريق الديمقراطية من عالمه الصغير، من القرية، البلدة، المدينة، والإقليم. فإذا لم يكن باستطاعته أن يتقدّم خطوة إلى الأمام في هذا الحيّز الضيّق، فلن يكون لشعاراته الرنّانة الطنّانة التي تتحدّث عن العرب والعروبة أيّ معنى. وإذا لم يكن باستطاعته الخروج من الشرنقة الطائفية والقبليّة في حيّزه الضيّق، فكم بالحري في الحديث عن هذا الفضاء العربي الواسع؟

وإذا ولجنا عميقًا في سبر أغوار هذه الظاهرة الاجتماعيّة فلا شكّ أنّنا سنجد ما هو أدهى وأمرّ. فليست الذهنيّة القبليّة لوحدها هي المتحكّمة في هذا الكيان المجتمعي الغريب العجيب، بل وفوق ذلك إنّها ذهنيّة قبليّة ذكورية برّيّة تُحيّد نصف المجتمع - أي المرأة - عن لعب أيّ دور في حياة هذا المجتمع. وهكذا لا تبرح المجتمعات العربيّة مكانها، لأنّها تقف على رجل واحدة، هي رِجل الذكر، أمّا الرِجل الأخرى فهي رجل مشلولة. لهذا السبب لا يتقدّم العرب، وإذا أراد العربي أن يتقدّم خطوة للأمام، فهو بحاجة إلى عكّاز. وحتّى هذا العكّاز ليس من عنده، بل هو مصنوع في ”بلاد الكفّار“، كما يزعق ليل نهار.

إذن، والحال هذه، فقبل الحديث عن الديمقراطية يجب البدء ببناء مجتمع سليم. ولا يمكن بناء المجتمع إلاّ عندما تأخذ المرأة العربيّة دورها في قيادة هذه المسيرة. لقد فشل الرّجل العربي في مهمّته طوال قرون طويلة.

لهذا السبب، فقد آن الأوان لتبديل السائق. وبدل أن يقود الرّجل العربي هذه المركبة، يجب عليه أن يتنحّى، وأن يُسلّم دفّة القيادة للمرأة العربية. لقد كنت أطلقت أكثر من مرّة في الماضي دعوات مثل هذه. إذ إنّ الرّجل العربي هو المشكلة، وأمّا الحلّ فهو كامن في المرأة العربيّة. ولا حلّ آخر لنكبات العرب سوى هذا الحلّ.

والعقل ولي التوفيق!

*
مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات