عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شفاف. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شفاف. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

الشيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم


سلمان مصالحة ||

رسالة القمّة إلى القاع


الشّيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة، حاكم إمارة "من جهة أخرى" الافتراضيّة، يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة "دبيّ" الحقيقيّة.

ما بعد كترمايا

سـلمان مصـالحة

ما بعد كترمايا

"كترمايا أكثر من قرية"، يكتب خالد صاغية في "الأخبار" حول ملابسات الجريمة التي ارتكبت في قرية كترمايا اللبنانية، حيث نفّذ عامل مصريّ جريمة قتل بشعة بحقّ عائلة لبنانية. بعد أن قبضت قوى الأمن اللبنانية على المجرم وأحضرته لتمثيل الجريمة، جاءت ردّة فعل أهل القرية بأن اختطفوه بالقوّة من قوى الأمن ونفّذوا به جريمة بشعة هم أيضًا وجرجروه في شوارع القرية وعلّقوه على عمود كهرباء في ساحة القرية وسط هتافات الثأر. ويضيف الكاتب في مقالته: "كترمايا هي لبنان حين يتجرّأ على النظر إلى نفسه في المرآة." (الأخبار اللبنانية، الإثنين 3 أيار 2010).

لقد أخطأ الكاتب في اختزال لبنان بهذه القرية، فـ"كترمايا" ليست لبنان وحده. إنّها بغداد حيث يٍقتل الناس البسطاء في الأسواق تحت مسمّى "المقاومة". إنّها المغرب العربي. إنّها فلسطين حيث يُلقى البشر من الطوابق العليا. إنّها مصر كما تصل إلينا أخبارها بين فترة وأخرى. إنّها سورية حيث يُعلّق البشر في الساحات العامّة. إنّها قتل المرأة العربيّة بحجّة ما يسمّى زورًا وبهتانًا "شرف العائلة". إنّها في نهاية المطاف ثقافة الصحراء وذهنيّة الصحراء، إنّها "حضارة" كلّ شعوب هذه البقعة من الأرض، مشرقها ومغربها. فهي على هذه الحال منذ البدايات الأولى لظهور العرب على مسرح التاريخ بجاهليّتهم وإسلامهم.

لن نذكّر هنا بما أفتى ابن خلدون بشأن هذه الـ"حضارة" الصحراوية التي خرجت من جزيرة العرب. فقد خرجت هذه الحضارة من الجاهليّة حاملة معها كلّ موبقات الجاهليّة أنّى حلّت وأنّى ارتحلت، حتّى إلى ما وراء البحار. لا دولة ولا قانون ولا ما يحزنون، ما عدا قانون الثأر القبليّ البدائي المتجذّر كأذرع الأخطبوط في كلّ صقع من هذه الأصقاع.

يحقّ لنا بين فينة وأخرى أن ننظر إلى تاريخنا لكي نعرف حقّ المعرفة من أين يأتي كلّ هذا العنف. فلينظر القارئ إلى ما دوّنه لنا السّلف عن بعض الشّخوص الذين أضحوا رموزًا "تُحتذى" في ذهنيّات أهل هذه الحضارة، "حضارتنا" جميعًا. فها هو "القائد الرمز"، خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، يأمر بقطع رأس مالك بن نويرة ليجعل من رأسه المقطوع أثفية لقدر يُطبخ فيها الطّعام لعسكره. فلنقرأ معًا: "كان مالك من أكثر النّاس شَعْرًا، وأنّ العسكر أثّفوا القُدور برؤوسهم، فما من رأس إلاّ وصلت النّار إلى بشرته، ما خلا مالكًا فإنّ القدر نضجتْ وما نضجَ رأسُه من كثرة شَعْرِه، ووقَى الشّعْرُ البشرةَ من حَرّ النّار أن تبلغ منه ذلك". (تاريخ الطبري: ج 2، 503؛ أنظر أيضًا: الأغاني للأصفهاني: ج 15، 293-294؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 4، 10؛ الإصابة لابن حجر: ج 3، 482؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 5، 529).

ليس هذا فحسب، بل إنّ التّراث يعلّمنا أنّ خالدًا بن الوليد، المدعو سيف اللّه المسلول، قد فعل ذلك لأنّه رغب في امرأة مالك، الّتي تشير إليها الروايات: "كانَ يُقال إنّه لم يُرَ أحسنُ من ساقيها" (الأغاني للأصفهاني: ج 15، 296). وبالفعل، "يُقال إنّ خالد بن الوليد تزوّج بامرأة مالك ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهلُ العلم". (الفتوح لابن أعثم: ج 1، 26).

ولنقرأ معًا ما يرويه لنا الطّبري عن مقتل الخليفة عثمان: "وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أمّا ثلاث منهنّ فإني طعنتهن للّه، وأمّا ستّ فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه." (طبقات ابن سعد: ج 3، 74؛ أنظر أيضًا: تاريخ الطبري: ج 3، 424؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 39، 409). وبعد أن تمّ الإجهاز على عثمان، وهو خليفة المسلمين، فقد ألقي في دمنة لثلاثة أيّام، كما دوّن لنا السّلف: "عن مالك قال: لما قُتل عثمان رض أُلقي على المزبلة ثلاثة أيام." (الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: ج 1، 322؛ أنظر أيضًا: الفتوح لابن أعثم: الفتوح لابن أعثم: ج 1، 430)، وذلك حتّى جاءت الكلاب ونهشته على المزبلة.

على هذا التاريخ المليء بالجرائم البشعة منذ البدايات الأولى يترعرع ويكبر أطفال العرب. لذلك، فإنّ ما جرى في كترمايا ليس صورة لبنان وحده، إنّه صورة هذا التراث العربي بأسره.

لقد شاهدت التقرير في إحدى المحطّات اللبنانيّة، وهو موجود في الإنترنت أيضًاويستطيع العالم بأسره مشاهدته. في التلفزيونات المتحضّرة يقومون بإخفاء جزء من الصورة وتمويهها لكي لا تظهر بشاعة الجريمة على الشاشة. إنّهم يفعلون ذلك حفاظًا على نفسيّات المشاهدين، والأطفال منهم بخاصّة. غير أنّ التلفزيون اللّبناني، وقد تكون محطّات عربيّة أخرى أيضًا قد بثّت كلّ تلك الصور الهمجيّة دون التفكّر فيما تبقيه هذه المشاهد من أثر في نفسيّات الأطفال العرب.

وهكذا ورغم تقادم السنين فلا يزال أطفال العرب يكبرون على هذا العنف الوحشي البدائي منذ العصور القديمة وحتّى عصرنا الحاضر، دون رقيب أو حسيب. المشاهد البشعة من تاريخنا القديم قد دوّنها لنا السّلف، أمّا في هذا الأوان فإنّ الصورة المتلفزة هي التدوين المعاصر الأكثر خطورة على نفسيّات المشاهدين. فأين علماء النّفس العرب، وأين علماء الاجتماع العرب من كلّ هذا؟ وأين أهل الثقافة العرب ومنظّمات حقوق الإنسان العربيّة، إن وُجدت أصلاً، من كلّ هذا؟ وأين منظّمات حقوق الأطفال من كلّ هذا؟ ولماذا لا يرفعون أصواتهم لوقف هذا الاعتداء التلفزيوني الوحشي على نفسيّات الأطفال العرب؟

خلاصة القول، إنّ "كترمايا" هي حقيقة كلّ هذا الشرق المأزوم منذ قرون طويلة. والسؤال الجوهري الّذي لا مناص من طرحه هو: حتّامَ ستبقى الحال على ما هي عليه؟ وقد آن الأوان أن نجد بعض الجرأة الأخلاقية على النّظر إلى أنفسنا العربيّة في المرآة.

أليس كذلك؟
***
المقالة نشرت في: الأوان - منبر رابطة العقلانيين العرب

أيضًا في:
شفاف الشرق الأوسط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا استقبال "قبلة اليهود" بالذّات؟



سلمان مصالحة ||


لماذا استقبال "قبلة اليهود" بالذّات؟

بعد أن أسلفنا فيما مضى،
في مقالة "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"، من كون القدس - بيت المقدس - على التعميم، أو الصخرة بالتحديد، هي "قبلة اليهود" كما نستخلص من الروايات الإسلامية بشأن القبلة، سننظر فيما يلي في مسألة لا تقلّ عواصةً، ألا وهي: لماذا يتوجّه الرسول والمسلمون الأوائل إلى قبلة اليهود بالذّات بدل التوجّه إلى الكعبة، وهي محجّة العرب الجاهليّة منذ القدم ومن ثمّ المحجّة الإسلاميّة لاحقًا؟

وللإجابة على هذه الأسئلة لا مناص من النّظر في بعض الخلفيّات الّتي على ضوئها يمكننا أن نتحسّس طريقنا للوصول إلى صورة واضحة تجلو ما التبس من أمور في هذه القضيّة.
وبشأن هذه الخلفيّة، نبدأ فنقول: إنّ من أهمّ القضايا المتعلّقة بنبوّة محمّد يمكن الإشارة إلى مسألة الصفة التي أُضفيت عليه في القرآن في سورة الأعراف من المرحلة المكّيّة، حيث نعثر في هذه السّورة على التّعبير الضّبابيّ "النبيّ الأميّ" (الأعراف: 157-158)، وما يثيره هذا التّعبير من تساؤلات. إنّ هذه الصفة، كغيرها من الأمور المبهمة التي عادة ما تشتمل عليها النّصوص المقدّسة، ولا يشذّ القرآن عن هذه القاعدة، قد فتحت أيضًا الأبواب الواسعة لتفسيرات واجتهادات مختلفة.

فما هو المراد بـ"الأمّي" في هذه الآية؟
لقد ذهب أهل التّفسير إلى أنّ تعبير "الأمّي" في هذه السّورة هو إشارة إلى أمّة محمّد مستندين إلى ما تقدّم من سياق ذُكر في الآية التي سبقتها من قوله تعالى: "ورحمتي وسعتْ كلّ شيء"،(الأعراف: 156). وعلى ما يبدو فقد أثارت هذه الآية جدلاً كبيرًا بوسعنا أن نسمع أصداءه فيما يرويه لنا المفسّرون. إذ، مع نزول هذه الآية، تنطّح إبليس مستندًا إلى منطق الكلام الّذي يُفهم من نصّ الآية، بمعنى: إذا كان الأمر كذلك بشأن الرّحمة الّتي تسع كلّ شيء، فلكونه لا يخرج هو لآخر عن كونه جزءًا من الشيء، فقد "قال إبليس: أنا من كُلّ شيء، فنزعها اللّه من أبليس"، وذلك بواسطة إضافة قول جديد إلى القول السّابق، والقول الآخر الجديد هو: "فسأكتبها للذين يتّقون ويؤتون الزّكاة". فلمّا أضاف تعالى ذلك، قال اليهود مستندين هم أيضًا إلى منطق الكلام في النصّ المنسوب إليه تعالى: "نحنُ نتّقي ونؤتي الزّكاة ونؤمن بآيات ربّنا"، فلذلك لم يجد تعالى بدًّا من إضافة جملة أخرى لكي ينزع هذه الرّحمة من اليهود أيضًا بقوله: "الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّي"، وهكذا تستمرّ الرّواية فتقول: "فنزعها الله من إبليس ومن اليهود وجعلها لهذه الأمّة، أو وجعلها لأمّة محمّد." (تفسير الطبري: ج 6، 78؛ أنظر أيضًا: تفسير مقاتل: ج 2، 10؛ تفسير الثعالبي: ج 2، 57؛ تفسير القرطبي:ج 7، 261؛ تفسير البغوي: ج 1، 287).

وأمّة محمّد هذه
الّتي يذكرها المفسّرون إنّما المراد بها أمّة العرب، كما يُفهم من إشارات المفسّرين إلى معنى تعبير "الأميّين" الّذي ورد في سورة الجمعة: "هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم" (سورة الجمعة: 2)، وكذا قال مجاهد وسفيان وقتادة وابن عباس وغيرهم من أهل التّفسير، (تفسير الطبري: ج 12، 88؛ تفسير القرطبي: ج 18، 81؛ تفسير البغوي: ج 1 ، 113؛ تفسير البيضاوي: ج 1، 337؛ الوجيز للواحدي: ج 1، 1095).
أي أنّ محمّدًا، الرّسول المبعوث، ينتسب إلى هؤلاء "الأميّين" العرب على اختلاف قبائلهم وأفخاذهم. ولكي لا يُفهم الكلام تعميمًا على العرب بالإطلاق فقد تمّ استثناء النّصارى منهم، إذ: "ما من حيّ من العرب إلاّ ولرسول الله صلعم فيهم قرابة وقد ولدوه، قال ابن إسحاق: إلا حيّ تغلب فإن اللّه تعالى طَهّرَ نَبيَّه صلعم منهُ لنصرانيّتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادة." (تفسير القرطبي:ج 18، 81؛ تفسير اللباب لابن عادل: ج 15، 270؛ المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي: ج 2، 40).

غير أنّ البلبلة لدى المفسّرين
تظهر جليّة عندما ينتقلون للحديث عن صفة "الأمّي" الّتي وردت في الآية {الّذين يتبعون الرّسول النبيّ الأمّي}، فقد اختلف أهل التّفسير في المعنى المراد به من صفة الأُمّيّة الّتي أضيفت إلى الرّسول. فقد قال البعض إنّ الأميّ هنا تعني عدم معرفة القراءة والكتابة، وقالوا إنّ الأمّي نسبة إلى أمّ القرى - مكّة -، وقالوا إنّ الأمّي هي نسبة إلى الأمّ. وقد أجمل هذه التّفسيرات البهاء العاملي فقال: "الأمّي من لا يكتب، منسوب إلى أمّة العرب، المشهورين بعدم الخطّ والكتابة، ووصف نبينا صلعم بالأمّي لذلك، أو لنسبته إلى أمّ القرى، لأن أهلها كانوا أشهر بذلك. ويجوز ان يكون الأمّي نسبة إلى الأم. أي، هو كما ولدته أمه، أي باقٍ على حاله، لم يتعلّم الكتابة. فهذه ثلاثة أوجه في قولنا: النبي الأمّي." (الكشكول للبهاء العاملي:ج 1، 340؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 2، 35-36).

غير أنّ الغالبيّة تذهب إلى ترجيح دلالة عدم معرفة القراءة والكتابة، مستندين في ذلك إلى حديث نبويّ: "عن النبي صلعم قال: إنّا أمّة أمّية لا نكتب ولا نحسب..." (صحيح مسلم: ج 2، 759؛ تفسير الطبري: ج 2، 257؛ تفسير ابن كثير: ج 1، 723؛ تفسير البغوي: ج 3، 288؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 1، 4450؛ أحكام القرآن للجصاص: ج 5، 335؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 8، 152). وها هو النّووي يضيف شرحًا للحديث مُجملاً أقوال العلماء حول معنى أمّة أميّة في الحديث السابق قائلاً: "قال العلماء: (أمّية) باقون على ما ولدتنا عليه الأمهات لا نكتب ولا نحسب، ومنه النبي الأمّي، وقيل: هو نسبة إلى الأم وصفتها؛ لأن هذه صفة النساء غالبًا." (شرح النووي على مسلم: ج 4، 50). من هنا فإنّ معنى النبيّ الأمّي، كما ورد في الآية يدلّ على "الأمّي الذي لا يقرأ الكتاب ولا يخطّ بيمينه..." (سنن البيهقي الكبرى: ج 7، 42)، أو المنسوب إلى: "الأمّة الأمّية التي هي على أصل ولادتها لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها... وقال ابن عباس: كان نبيّكم صلعم أميًّا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب." (تفسير القرطبي: ج 7، 262؛ للاستزادة في هذه المسألة يمكن العودة إلى: تفسير مقاتل: ج 2، 10؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 3، 574؛ تفسير القشيري: ج 2، 449؛ معاني القرآن للنحاس: ج 3، 89؛ أحكام القرآن للجصاص: ج 5، 335).

إنّ ما يزيد المسألة تعقيدًا
هو ما يذكره ابن كثير في معرض حديثه تفسيرًا لـ "النبيّ الأمي" فيذكر: "وهذه صفة محمد صلعم في كتب الأنبياء بَشّروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم." (تفسير ابن كثير: ج 3، 483)، ولذلك وردت أيضًا الآية: فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأمّي... أي: الذي وُعدتم به وبُشرتم به في الكتب المتقدمة. فإنّه منعوت بذلك في كتبهم..." (تفسير ابن كثير: ج 3، 491). وهذا ما يُروى عن قتادة بشأن الآية: يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون، قال: "تشهدون أن نعت نبي الله محمد صلعم في كتابكم ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمّي." (الدر المنثور للسيوطي: ج 2، 240؛ تفسير الطبري: ج 6، 503؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، 531؛ تفسير ابن أبي حاتم: ج 13، 226).

ومعنى هذا الكلام
أنّ مصطلح "النبيّ الأميّ"، وبحسب الرّوايات الإسلاميّة ذاتها، هو مصطلح مأخوذ أصلاً من أسفار أهل الكتاب، أي بني إسرائيل، ومن معتقداتهم. جدير بالذكر هنا أنّ مصطلح بني إسرائيل في هذا السياق هو مصطلح يجمع عادة اليهود والنصارى، إذ أنّ "بني إسرائيل وهم حملة التوراة والإنجيل." (تفسير ابن كثير: ج 3، 497)، وهذا ما يُفهم من كلام ابن كثير عن عيسى: "فعيسى، عليه السلام، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشرا بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين،" (تفسير ابن كثير: ج 8، 109). أي أنّ أهل الكتاب، بحسب الرؤيا الإسلاميّة، هم أمّة واحدة، هي أمّة بني إسرائيل التي اختلفت فيما بينها: "إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابًا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه" (تفسير البغوي: ج 1، 175).

من هنا نخلص إلى النّتيجة
الّتي مفادها أنّ النّبيّ الأمّي، في نهاية المطاف، هو ما بشّر به الأنبياء السّابقون في التوراة والإنجيل. لقد شاعت هذه الرؤيا في أوساط المسلمين الأوائل، كما تشير إليه الرواية التّالية: "وقال الثعلبي قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة ومن طريق مجاهد يوم بدر أنّ يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله المشركين يوم بدر هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته..." (العجاب في بيان الأسباب - إبن حجر العسقلاني: ج 2، 665-666)، أو الرواية التّالية: "وقال مقاتل: إن اليهود أقرّوا ببعض صفه محمد صلعم وكتموا بعضًا." (الكشف والبيان للثعلبي: ج 1، 122)، أو التّالية: "وقال الضحاك: إن اليهود كانوا يقولون للملوك إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبيا في آخر الزمان يختم به النبوة." (تفسير القرطبي: ج 4، 297).

وكانت هذه الرؤيا من بين الحجج التي ساقها المسلمون في دعوتهم سائر الأمم المحيطة وخاصّة أهل الكتاب الذين كانوا يحيطون بالمسلمين إلى اعتناق الإسلام. وهكذا، عندما دخل دحية الكلبي موفدًا إلى قيصر يدعوه للإسلام، قال دحية لقيصر: "فإنّي أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له،... وأدعوك إلى هذا النبي الأمّي الذي بشّر به موسى وبشّر به عيسى ابن مريم بعدَه..." (الروض الأنف: ج 1، 424). وها هو شرحبيل بن حسنة يردّ على روماس بطريق الرّوم في بصرى، عندما خرج هذا الأخير إليه وسأله من أنتم، قال شرحبيل: "من أصحاب محمد صلعم النبي الأُمّي القرشي الهاشمي المنعوت في التوراة والإنجيل." (فتوح الشام للواقدي: ج 1، 17).

من هذا المنطلق نخلص إلى أنّ مصطلح "الأمّي" لا علاقة له بما اصطلح عليه العلماء المسلمون منذ القدم وحتّى الآن من كونه يدلّ على عدم معرفة القراءة والكتابة أو التّفسيرات الأخرى، وإنّما هو ذو أبعاد ومدلولات أخرى سنشرحها في المقالة القادمة.

والعقل وليّ التّوفيق!
***

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات هذه السلسلة:
 المقالة الأولى: "هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟"
المقالة الثانية: "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"
المقالة الثالثة: "لماذا استقبال قبلة اليهود بالذّات؟"
المقالة الرابعة: "من هو النّبي الأمّي؟"
المقالة الخامسة: "لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟"
المقالة السادسة: "المصير الذي آل إليه يهود جزيرة العرب"
المقالة السابعة: "إكسودوس بني النضير"
المقالة الثامنة: "محرقة بني قريظة 1"
المقالة التاسعة "محرقة بني قريظة 2"
المقالة العاشرة: "ماذا جرى مع يهود خيبر؟"
المقالة الحادية عشرة: "إجلاء اليهود من جزيرة العرب"
المقالة الثانية عشرة: "سبحان الذي أسرى"
المقالة الثالثة عشرة: "إلى المسجد الأقصى"
المقالة الرابعة عشرة: "سبحان الذي أسرى بعبده إلى الهيكل اليهودي"

***

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أمينة على الجسد


سلمان مصالحة || 

أمينة على الجسد

        (أمينة، ناشطة نسويّة تونسية: ”جسدي ملكي، ليس شرف أحد“)

لا تَسْأَلِي أَحَدًا
إنَّ الهَوَى شَرَفُ.
وَاسْتَمْتِعِي بِجَمالٍ
حَتَّى يَعْتَرِفُوا

بِأنَّ جِسْمَكِ مُلْكٌ
لِلَّتِي كَشَفَتْ عَنْ صَدْرِها
بِزَمانٍ جُلُّهُ قَرَفُ.

لا تَأْبَهِي بِرِجالٍ
بَاعَ كابِرُهُمْ أوْطانَهُ شَرَهًا
والعُهْرَ يَقْتَرِفُ.

إنَّ البِناءَ
الّذِي تَبْنِينَ مِنْ جَسَدٍ
أَرْكانُهُ صَمَدَتْ
فِي الرِّيحِ، والغُرَفُ.

مَهْما تَنَطَّحَ
مِنْ ناسٍ فَلا تَثِقِي
إلاَّ بِمَا أَنْتِ،
فَرْدٌ
زَانَهُ هَدَفُ.
*

نشرت أيضًا في: "شفاف الشرق الأوسط"

اقرأ أيضًا: "جسدي ملكي، ليس شرف أحد"

إكسودوس بني النضير

سلمان مصالحة

إكسودوس بني النضير


بعد مرور عدّة أشهر من وقعة أحد،
أرسل محمّد رجاله لدعوة أهل نجد إلى الإسلام، فكانت وقعة بئر معونة التي قُتل فيها غالبيةُ رجاله، بينما وقع أحدهم، وهو عمرو بن أميّة الضمري، في أسر عامر بن الطفيل. غير أنّ عامر بن الطفيل عفا عنه وأطلق سراحه. فانطلق عمرو بن أميّة هذا في طريقه حتّى وصل إلى موقع القرقرة في منطقة قناة، فجلس هناك يستظلّ تحت شجرة. وكان أن وصل إلى المكان رجلان من بني عامر وبعد أن سألهما من هما وتأكّد من هويّتهما، انتظر حتّى يناما فهجمَ عليهما وقتلهما غدرًا، كما تذكر الرواية: "حتّى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بنى عامر حتّى نزلا في ظلّ هو فيه، وكان مع العامريين عهد من رسول الله صلعم وجوار، لم يعلمه عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممّن أنتما؟ قالا: من بني عامر. فأمهلهما حتّى إذا ناما، عَدَا عليهما وقتلهما... فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلعم أخبره بالخبر، فقال رسول الله صلعم: لقد قتلت قتيلين لأَدِيَنّهُما... قد كنتُ لهذا كارهًا متخوّفًا." (سيرة ابن هشام: ج 4، 139-140؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 141-143؛ السيرة لابن حبان: ج 1، 234؛ مغازي الواقدي: ج 1، 364؛ تاريخ الطبري: ج 2، 81؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1، 301-302؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 2، 17؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 4، 84؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 1، 224).

بعد أن سمع عامر بن الطفيل بهذا الغدر من طرف عمرو بن أميّة الضمري، أرسل كتابًا إلى محمّد مطالبًا إيّاه بدفع دية هذين الرجلين من بني عامر: "وقيل إنّ عامر بن الطفيل كتب إلى رسول الله صلعم: إنّكَ قتلتَ رجلين، لهما منك جوار وعهد، فابعثْ بديتهما." (تاريخ الطبري: ج 2، 223؛ مغازي الواقدي: ج 1، 141؛ السيرة لابن حبان: ج 1، 234؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 8، 6058). وكما تفيد الرّوايات، فقد كان ثمّ حلف بين بني عامر، وهم قوم هؤلاء المغدورين، وبين بني النّضير: "وكان بين بني النضير وبين بنى عامر حلف وعقد." (مغازي الواقدي: ج 1، 141؛ تاريخ الطبري: ج 2، 224؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 189؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146؛ عمدة القاري للعيني: ج 17، 125). ثمّ تذكر الرّوايات أنّ الرّسول توجّه، عقب هذه الحادثة، إلى بني النّضير طالبًا منهم أن يدفعوا دية هذين الرّجلين المغدورين من بني عامر: "ثم أتى بني النضير فكلّمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري." (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، 57. أنظر أيضًا: تاريخ الطبري: ج 2، 223؛ مغازي الواقدي: ج 1، 141؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 189؛ دلائل النبوّة للبيهقي" ج 3، 48؛ تفسير الثعالبي: ج 1، 450؛ الكشف والبيان للثعلبي: ج 13، 183؛ الشفا للقاضي عياض: ج 1، 352؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 3، 36؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 11، 40).

والسؤال الّذي يطرح نفسه من تسلسل هذه الأخبار هو، لماذا يُضطرّ بنو النضير إلى دفع الدية على قتل العامريين، في الوقت الّذي يوجد فيه لبني النّضير حلف وعقد مع بني عامر، وذلك علمًا أنّ القاتل الغادر بهما هو من رجال محمّد أصلاً، ولا علاقة لبني النّضير به بأيّ حال من الأحوال؟

ربّما تكون هذه هي الخلفيّة
من وراء ما تذكره الرّوايات من محاولة بني النّضير التخلُّص من محمّد، كي "يرتاحوا منه"، بحسب لغة الروايات. وذلك إضافةً إلى ما كانوا يعلمون من فعله من قبل بإجلاء يهود بني قينقاع، كما أسلفت في المقالة السّابقة. وهكذا تذكر الروايات أنّه، وبعد أن توجّه محمّد إلى بني النّضير يطلب منهم أن يدفعوا دية الرجلين المغدورين من بني عامر، قالوا له: "نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنّكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله صلعم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد. فَمَنْ رجلٌ يعلو على هذا البيت فيُلقي عليه صخرةً ويُريحُنا منه؟" (السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146؛ أنظر أيضًا: تاريخ الطبري: ج 2، 224-223؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، 57؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 3، 428؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115؛ سمط النجوم للعصامي: ج 1، 301).

لقد حدث جدل بين يهود بني النّضير، كما تذكر الرّوايات، حول كيفيّة التّصرُّف إزاء كلّ هذه الضّغوط من طرف محمّد وجماعته، فبعضهم دفع إلى القيام بعمليّة التخلّص من محمّد بواسطة إلقاء الصخرة عليه من فوق أحد السّطوح، والبعض الآخر حذّر من مغبّة ذلك الفعل، حيث "نهاهم عن ذلك سلام بن مشكم وخوّفهم الحرب." (تاريخ الطبري: ج 2، 224. للمزيد من أخبار الجدل يمكن العودة إلى: مغازي الواقدي: ج 1، 364-372؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 4، 320-321). غير أنّهم لم يأخذوا برأيه.

وعندما تقرّر في نهاية المطاف المضيّ قدمًا بالعمليّة انتدب أحدهم، عمرو بن جحاش بن كعب، نفسه للقيام بذلك. وتضيف الرّواية أنّ محمّدًا عرف بالخطّة من السّماء، فعاد إلى المدينة: "فانتدبَ لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك. فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلعم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، فأتى رسولَ الله الخبرُ من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة." (السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146؛ تاريخ الطبري: ج 2، 224-223؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 189؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 3، 428؛ عمدة القاري: ج 17، 125؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115).

بعد أن علم محمّد بالخطّة،
دعا إليه محمّد بن مسلمة، وهو من بني حارثة بن الأوس، وحمّله رسالة إلى بني النّضير يقول فيها: "اذهب إلى يهود فقل لهم: اخرجُوا من بلادي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر". أمّا ردّ بني النّضير فقد كان استهجانًا لهذه الرّسالة الّتي يحملها إليهم رجل من الأوس، علمًا بما كان للأوس من حلف وعهد مع بني النّضير: "قال، فجاءهم محمد بن مسلمة فقال لهم: إنّ رسول الله صلعم يأمركم أن تظعنوا من بلاده. فقالوا: يا محمّد! ما كنا نظنّ أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس، فقال محمّد: تغيّرت القلوبُ ومحا الاسلامُ العُهودَ." (تاريخ الطبري: ج 2، 224؛ أنظر أيضًا: مغازي الواقدي: ج 1، 365؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146؛ السيرة لابن حبان: ج 1، 234؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 4، 320؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115؛ نهاية الأرب للنويري: ج 4، 434).

في هذه الأثناء وصلت أيضًا رسائل من قبل عبد الله بن أبيّ بن سلول، الذي كان أنقذ بني قينقاع من الموت الّذي أراد محمّد إنزاله بهم من قبل، يحثّهم فيها على البقاء واعدًا ايّاهم بتقديم العون لهم: "فأرسل إليهم عبد الله بن أبيّ يقول: لا تخرجوا، فإنّ معي من العرب ومن انضوى إليّ من قومي ألفين، فاقيموا فهم يدخلون معكم، وقريظة تدخل معكم". غير أنّ هذه الرّسائل أثارت لدى القوم شكوكًا بجدواها نظرًا للأحلاف التي كانت قائمة: "فبلغ كعب بن أسد، صاحب عهد بنى قريظة، فقال: لا ينقض العهدَ رجلٌ من بنى قريظة وأنا حيّ. فقال سلام بن مشكم لحيى بن أخطب: يا حيى، اقبلْ هذا الذي قال محمّد، فانّما شُرّفنا على قومنا بأموالنا، قبلَ أن تقبلَ ما هو شرٌّ منه. قال: وما هو شرٌّ منه؟ قال: أخْذُ الأموال وسَبْيُ الذّرية وقَتْلُ المقاتلة. فأبى حيي، فأرسل جدي بن أخطب إلى رسول الله صلعم: إنّا لا نريم دارَنا، فاصْنَعْ ما بدَا لكَ." (تاريخ الطبري: ج 2، 224-225؛ انظر أيضًا: مغازي الواقدي: ج 1، 365؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115).

وهكذا، وبعد أن رفض هؤلاء الرّضوخ لإملاءاته، أمر محمّد أتباعه بالاستعداد لمحاربة بني النّضير وحصارهم من أجل إخضاعهم: "فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم." (السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146). فتحصّن هؤلاء في مواقعهم، فما كان من محمّد إلاّ أن أمر بتقطيع النّخيل وإشعال الحرائق في مزارعهم: "فتحصّنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلعم بقطع النخل والتّحريق فيها، فنادوه: يا محمّد، قد كنتَ تنْهَى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بالُ قطع النخيل وتحريقها؟" (تاريخ الطبري: ج 2، 224؛ أنظر أيضًا: سيرة ابن هشام: ج 4، 144؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 147؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 2، 24).

واشتدّ الحصار المطبق على بني النّضير: "... عن ابن عباس قال: حاصرهم رسول الله صلعم، يعنى بنى النضير، خمسة عشر يوما حتّى بلغَ منهم كلّ مبلغ." (تاريخ الطبري: ج 2، 225؛ أنظر أيضًا: مغازي الواقدي: ج 1، 372؛ سيرة ابن كثير: ج 3، 147)، كما أنّ الإمدادات التي كان وعدهم بها الحلفاء لم تصلهم: "قاموا على حُصونهم معهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة فلم تُعِنْهم، وخذلهم ابنُ أُبيّ وحلفاؤهم من غطفان، فأيسوا من نصرهم." (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، 58؛ أنظر أيضًا: مغازي الواقدي: ج 1، 367؛ تفسير السعدي: ج 1، 848؛ الرحيق المختوم للمباركفوري: ج 1، 269؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 2، 25؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115).

في نهاية المطاف، لم يستطيعوا الصمود وقرّروا الاستسلام بشروط تضمن حقن دمائهم وخروجهم من أرضهم مع ما تحمله الإبل فقط، دون السّلاح: "فَصالَحَهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم... على أنّ لهم ما حَمَلت الإبلُ من أموالهم، إلا الحَلَقَة، ففعل." (تاريخ الطبري: ج 2، 225-226). وهكذا خرجوا من بلادهم إلى خيبر والبعض منهم خرج إلى الشّام: "فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشأم، فكان أشرافُهم، ممن سار منهم إلى خيبر، سلام بن أبى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها." (تاريخ الطبري: ج 2،226؛ أنظر أيضًا: سيرة ابن هشام: ج 4، 145).

مشاهد إكسودوس بني النّضير:
ها هي الروايات الإسلامية تصف لنا هذه المشاهد من إكسودوس بني النّضير، بينما النّاس مصطفّون على جانبي الطريق يشاهدون قوافل المهجّرين تمرّ أمامهم: "فجعلوا يحملون الخشب ونجف الأبواب... وحملوا النساء والصبيان فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبلية ثم على الجسر حتى مروا بالمصلّى، ثم شقّوا سوقَ المدينة، والنساءُ في الهوادج عليهنّ الحرير والديباج وقطف الخزّ الخُضْر والحُمْر. وقد صُفّ لهم الناسُ، فجعلوا يمرّون قطارًا في أثر قطار، فحملوا على ستمائة بعير..." (مغازي الواقدي: ج 1،372).

ومن بين النّساء اللّواتي شوهدن خارجات من المدينة في ركاب بني النّضير، تذكر الرّوايات صاحبة عمرو بن الورد: "قالوا: ومرّت في الظعن يومئذ سلمى، صاحبة عروة بن الورد العبسي." (مغازي الواقدي: ج 1،372؛ أنظر أيضًا: تاريخ الطبري: ج 1، 490؛ سيرة ابن هشام: ج 4، 145؛ الروض الأنف للسهيلي: ج 1، 326). وعلى ما يبدو فإنّ صاحبة عروة هذه، والتي كان سباها في إحدى غزواته وكان يؤثرها ويحبّها كثيرًا وولدت له أولادًا، هي يهوديّة أصلاً، إذ يُروى: "أنّ قومها افتدوها منه، وكان يظنّ أنّها لا تختار عليه أحدًا ولا تفارقه، فاختارت قَوْمَها." (الروض الأنف للسهيلي: ج 1،327؛ مغازي الواقدي: ج 1،372). وتزوّجت بعد ذلك رجلاً آخر من بني النّضير: "ثمّ تزوّجها بعدَهُ رجلٌ من بني النضير." (الروض الأنف للسهيلي: ج 1،327. وسبب اختيارها لقومها، على ما تذكره الرّوايات، هو ما كان من تعيير الأولاد بكون امّهم من السّبايا: "فكانت ذات جمال فولدت له أولادًا ونزلت منه منزلاً. فقالت له، وجعل ولده يُعَيّرون بأمهم: يا بني الأخيذة، فقالت: ألا ترى ولدك يُعَيّرون؟ قال: فماذا ترين؟ قالت: تردّني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوجونك، قال: نعم. فأرسلت إلى قومها أن: القوه بالخمر، ثم اتركوه حتّى يشرب ويثمل. فإنّه إذا ثمل لم يُسأل شيئًا إلا أعطاه. فلقوه، ونزل في بني النضير فسقوه الخمرَ، فلما سكر سألوه سلمى فردّها عليهم، ثم أنكحوه بعد..." (مغازي الواقدي: ج 1،372)، أو أنّ بنات عمّه كنّ يعيّرنها، كما كان أولادهما يُعيّرون، ولذلك قالت له: "وما كنت لأوثر عنكَ أهلي لولا أنّي كنت أسمع بنات عمّك يقلن: فعلتْ أمَةُ عروة وقالت أمَةُ عروة، فأجدُ من ذلك الموت. والله لا يجامعُ وجهي وجهَ غطفانية أبدًا، فاستوصِ ببنيك خيرًا." (الروض الأنف للسهيلي: ج 1،327).

وها هو عبد الله بن أبي بكر يروي لنا ما رأت عيناه من مشاهد: "استقلّوا بالنّساء والأبناء والأموال، معهم الدّفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم... بزهاء وفخر ما رُئيَ مثلُه من حَيٍّ من الناس في زمانهم." (تاريخ الطبري: ج 2، 226؛ أنظر أيضًا: سيرة ابن هشام: ج 2، 191؛ الروض الأنف للسهيلي: ج 1، 326؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 148). أو كما في هذا الوصف من رواية يوردها الواقدي: "ومرّوا يضربون بالدّفوف ويزمرون بالمزامير، وعلى النّساء المُعصفراتُ وحُليّ الذهب، مُظهرين ذلك تَجلُّدًا. قال، يقول جبار بن صخر: ما رأيتُ زَهاءَهم لقومٍ زالوا من دار إلى دار ... عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جدّه قال: لقد مرّ يومئذ نساءٌ من نسائهم في تلك الهوادج قد سَفَرنَ عن الوجوه، لَعَلّي لم أرَ مثلَ جمالهنّ لنساءٍ قط. لقد رأيت الشّقراء بنت كنانة يومئذ كأنّها لؤلؤة غوّاص، والرّواع بنت عمير مثل الشمس البازغة، في أيديهنّ أسورةُ الذهب والدرّ في رقابهن." (مغازي الواقدي: ج 1، 372).

لا شكّ أنّ أوصاف هذا الخروج الذي يرافقه غناء ورقص وضرب بالدّفوف وزمر بالمزامير يذكّرنا بصورة خروج بني إسرائيل من مصر بينما كان جيش فرعون في أعقابهم، تلك الصّورة الّتي على ما يبدو كانت قائمة في أذهان يهود بني النّضير. فها هي الصورة كما وردت في سفر الخروج: "إذْ وَلَجَتْ خَيْلُ فِرْعَونَ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ البَحْرَ، وَرَدَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَاءَ الْبَحْرِ، وَمَشَى بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى اليَابِسَةِ فِي وَسَطِ البَحْرِ. فَأَخَذَتْ مِريَمُ النّبيّةُ أُخْتُ أَهَارُونَ الدّفَّ بِيَدِهَا وَخَرَجَتْ كُلُّ النّساءِ وَراءَهَا بِالدُّفُوفِ وَالرّقْص. وَرَجَّعَتْ لَهُمْ مِريَمُ: رَنّمُوا لِلقَيُّومِ عَزَّ وَجَلَّ، الخَيْلَ وَرَاكِبَهَا قَدْ رَمَى في البَحْرِ." (سفر الخروج: فصل 15، 19-20. التّرجمة من الأصل العبري هي لي).

وهكذا خرج بنو النّضير
وتركوا أرضهم وأملاكهم: "وخلّوا الأموال لرسول الله صلعم. فكانت لرسول الله صلعم خاصةً، يضعها حيث يشاء. فقسمها رسول الله صلعم على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلاّ أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك ابن خرشة ذكَرَا فقرًا، فأعطاهما رسول الله صلعم." (تاريخ الطبري: ج 2، 226؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 191). كما استولى محمّد على أسلحتهم وأرضهم: "وقبض السلاح واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعًا، وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفًا." (زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115). فقط اثنان من اليهود، وابتغاء الحفاظ على أموالهما، فضّلا البقاء في المدينة والرّضوخ باعتناق الإسلام: "ولم يُسلم من بنى النضير إلا رجلان، يامين بن عمير بن كعب، بن عم عمرو بن جحاش، وأبو سعد ابن وهب، أسْلَمَا على أموالهما فأحرزاها " (تاريخ الطبري: ج 2، 226؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 191).

مشاعر الحزن الإنسانية على فراق بني النّضير:
لقد أثارت مشاهد خروج بني النّضير من ديارهم مشاعر الحزن والأسى لدى بعض أولئك الّذين اصطفّوا يشاهدون خروجهم من ديارهم على هذه الحال. وقد عبّروا عن مشاعرهم هذه تجاه هؤلاء القوم المنكوبين من يهود بني النّضير، معدّدين خصالهم الحميدة التي كانت دائمًا من مفاخر العرب: "وقال حسان بن ثابت وهو يراهم، وسراةُ الرّجال على الرِّحال: أما والله، إن لقد كان عندكم لَنائلٌ للمُجْتدي، وقِرًى حاضرٌ للضّيف، وسقيا للمُدام، وحِلْمٌ على من سَفهَ عليكم، ونَجْدَةٌ إذا استُنْجِدْتُم. فقال الضحاك بن خليفة: واصباحاه، نفسي فداؤكم، ماذا تحمّلتم به من السّؤدد والبهاء والنجدة والسخاء؟ قال، يقول نعيم بن مسعود الأشجعي: فدًى لهذه الوُجوه التي كأنّها المصابيح، ظاعنين من يثرب. مَنْ للمُجتدي الملهوف؟ ومن للطارق السَّغْبان؟ ومَنْ يسقي العقار؟ ومَنْ يُطعمُ الشّحمَ فوقَ اللحم؟ ما لنا بيثرب بعدكم مقام. يقول أبو عبس بن جبر وهو يسمع كلامه: نعم، فالحقهم حتّى تدخل معهم النار. قال نعيم: ما هذا جزاؤهم منكم، لقد استنصرتموهم فنصروكم على الخزرج، ولقد استنصرتم سائر العرب فأبوا ذلك عليكم. قال أبو عبس: قَطَعَ الإسلامُ العُهود... ولقي المنافقون عليهم يوم خرجوا حزنًا شديدًا. لقد لقيت زيد بن رفاعة بن التابوت وهو مع عبد الله بن أبيّ، وهو يناجيه في بني غنم وهو يقول: تَوحّشْتُ بيثرب لفقد بني النضير، ولكنّهم يخرجون إلى عزّ وثروةٍ من حلفائهم، وإلى حصون منيعة شامخة في رؤوس الجبال ليست كما هاهنا." (مغازي الواقدي: ج 1، 372).

وكالعادة، فإنّ القرآن يتابع الأحداث، حتّى إنّ سورة كاملة، هي سورة الحشر، قد أنزلت فيما جرى لبني النّضير، وكما يُروى فإنّ ابن عبّاس كان يسمّيها سورة بني النّضير: "غزوة بنى النضير وهى التى أنزل الله تعالى فيها سورة الحشر، في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان يسميها سورة بنى النضير... قال ابن إسحاق: فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته وما سلّط عليهم به رسوله وما عمل به فيهم." (السيرة النبوية لابن كثير: ج 3، 146، 148؛ سيرة ابن هشام: ج 2، 193؛ زاد المعاد لابن قيم الجوزية: ج 3، 115).

لقد تردّدت أصداء هذا الخراب
وهذا الذلّ اللّذين حلاّ ببني النّضير في أنحاء جزيرة العرب، ووصلت أخبارهم إلى بني قريظة: "لمّا خرجت بنو النضير أقبل عمرو بن سعدى فأطافَ بمنازلهم فرأى خرابَها. وفكّر، ثم رجع إلى قريظة فيجدهم في الكنيسة فينفخ في بوقهم، فاجتمعوا... قال: رأيتُ اليومَ عِبرًا قد عَبرْنا بها، رأيتُ منازلَ إخواننا خاليةً، بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع. قد تركوا أموالَهم ومَلَكَها غيرُهم، وخَرجُوا خُروجَ ذُلّ." (تاريخ الإسلام للذهبي: ج 1، 226؛ سيرة ابن كثير: ج 3، 155).

وهكذا طُويت صفحة بني النّضير في المدينة.

والعقل وليّ التوفيق.

***

في المقالة القادمة سنتطرق إلى محرقة بني قريظة.

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"
***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات هذه السلسلة:
 المقالة الأولى: "هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟"
المقالة الثانية: "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"
المقالة الثالثة: "لماذا استقبال قبلة اليهود بالذّات؟"
المقالة الرابعة: "من هو النّبي الأمّي؟"

 المقالة الخامسة: "لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟"
 المقالة السادسة: "المصير الذي آل إليه يهود جزيرة العرب"
 المقالة السابعة: "إكسودوس بني النضير" 
المقالة الثامنة: "محرقة بني قريظة 1" 
المقالة التاسعة "محرقة بني قريظة 2" 
المقالة العاشرة: "ماذا جرى مع يهود خيبر؟"
 المقالة الحادية عشرة: "إجلاء اليهود من جزيرة العرب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عدوان في حفرة واحدة

سلمان مصالحة

عَدُوّان في حفرة واحدة

إنّ إحدى أعوص القضايا
الّتي تواجه المجتمعات العربية التي يشكل الإسلام عمودها الفقري هي انعدام ثقافة حساب النّفس. تجدر الإشارة إلى أنّه، وبخلاف مجتمعات أخرى التي تشكّل آليات حساب النّفس ركيزة هامّة في حضارتها ما يمكّن من إجراء تصحيح ذاتي، لا نعثر في المجتمعات العربية على آليات من هذا النّوع. فلا الدّين يزوّد هذه الآليّات، ولا الأنظمة الفاسدة معنيّة بآليّات كهذه، ولا رجال الفكر العرب، ما عدا قلّة قليلة منهم، يزوّدون المجتمع بهذه البضاعة. لقد قضى الشاعر الفلسطيني محمود درويش نحبه منذ مدّة، ولن يستطيع التّطرُّق إلى حرب غزّة الآن. غير أنّه، وقبل أن يفارق الحياة، كان قد نشر، في تموز 2008، قصيدة بعنوان "سيناريو جاهز"، يرسم فيها خطوطًا لسيناريو مفترض عن عدوّين يجدان نفسيهما داخل حفرة. الأوّل هو الشّاعر ذاته الذي يرمز إلى الفلسطيني، والثّاني هو "العدو"، بـ أل التّعريف، دون أن يذكر هويّة هذا العدو. إذ أنّ القارئ سيعرف لوحده من هو العدو المقصود.

وها هي حفرة غزّة
تفغر فاها على مصراعيه ويسقط فيها العدوّان. وها هو الفلسطيني يجد نفسه عاجزًا أمام حالة الكذب على الذّات. ففي مقالة نُشرت في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة يستهجن الكاتب الفلسطيني هاني المصري شحوب ردّ الفعل الفلسطيني في الضفّة الغربيّة إزاء أهوال القتل والهدم في غزّة: "التحركات الشعبية التي شهدتها الضفّة حتّى الآن، ونحن في اليوم الرابع عشر للعدوان، لم ترتق الى مستوى التلاحم بين الشعب الواحد ولا الى مستوى شلال الدم النازف والمجازر اليومية، وكانت أشبه بالتضامن الذي يجري في أي بلد من بلدان العالم، بل ان الكثير من بلدان العالم تضامنت مع غزة بشكل أقوى من خلال المظاهرات المستمرة المليونية وباشكال متنوعة أوسع كثيرًا مما حدث في الضفّة"، كما يكتب هاني المصري (الأيّام، 10 يناير 2009).

مرّة تلو أخرى تتعالى أصوات
المراثي الفلسطينية على المصير الّذي آل إليه الفلسطيني دون أيّ محاولة لإجراء حساب نفس حقيقي. "نحن عاجزون.. نحن منهزمون.... فاعذرونا يا أطفالنا الموتى"، يكتب عبد الله عواد، في صحيفة "الأيّام" ويُطلق سهام النّقد باتّجاه القيادات الفلسطينيّة: "لماذا لا يذهب مشعل وعباس لغزة؟... هذا ليس سؤالاً خاصاً، وانما سؤال الشعب، سؤال الناس. وهو يقوم على فرضية ان القائد يكون بين شعبه.. دائماً وابداً. ليست شاشة التلفاز مكاناً للقادة ولن تكون، وإنما مكانهم بين شعبهم.. وناسهم.. ومقاتليهم. وحتى اللحظة لم يظهر اي قائد بين المقاتلين او بين الناس"، يصرخ عواد (الأيّام، 8 يناير 2009). أمّا الكاتب الفلسطيني علي الخليلي فيتأسّى على أنّ العرب والفلسطينيّين قد تركوا دور الضحيّة، وأنّهم تركوا هذا الدّور للقاتل الذي يمتلك كلّ هذه القوّة. "والأنكى من ذلك"، يكتب الخليلي هو: "أن يرى العالم، إلا القليل والمهمش منه، هذه الرؤية الإسرائيلية ذاتها، فينقلب الجلاد الواضح بكل جبروته المزلزل، والمتحفز لمزيد من القتل والإبادة، على مدار الساعة، إلى ضحية لا حول لها ولا قوة، إلى الحدّ الذي تستدر فيه العطف والرثاء." (الأيّام، 8 يناير 2009). ثمّ يعود الخليلي ويؤكّد على إنّه يريد استغلال "محرقة" غزّة من أجل إعادة دور الضحيّة إلى الفلسطيني، لأنّ هذا هو الدّور المخصّص بنظره للفلسطيني مقابل القتلة الإسرائيليّين: "الآن، في محرقة قطاع غزة، هل نشهد صحوة لهذا الهدف، فنرفع الضحية التي هي نحن، إلى منصة القضاة، في مواجهة القتلة والجلادين؟".

المثقّف الفلسطيني الوحيد
الّذي كتب نقدًا حادًّا ضدّ حماس هو الكاتب حسن حضر. للهجوم العدواني العنيف على غزّة، كتب حسن خضر، أهداف تتخطّى إحراز إنجازات عسكرية هنا وهناك يمكن لإسرائيل أن تصل إليها. إنّ الهدف من ذلك هو إجراء تجارب على الجيل الرّابع من الأسلحة وإجراء تجارب على تكتيكات حربيّة جديدة. كلّ هذه الظّروف للهجمة الإسرائيليّة قد وفّرتها حماس لإسرائيل. يعلم الإسرائيليّون أنّ اللّه حباهم بأعداء مثاليّين، يكثرون من الصخب والبلاغة، كتب حسن خضر، وأضاف: "لـم يكتمل نصاب الظروف الـمواتية نتيجة عطب أصاب الضمير في الإقليم والعالـم، أو حتى نتيجة شطارة الإسرائيليين،... بل اكتمل لأن ميليشيا حماس، لـم تُبق على حلفاء ولا أصدقاء للفلسطينيين شعباً وقضية، وفعلت كلّ ما من شأنه إقناع منْ لـم يقتنع بعد بأن الفلسطينيين هم، في الواقع، غولياث. وبالتالي فهم يحتاجون إلى تدبير أمرهم بالقوّة." (الأيّام، 6 يناير 2009).

السّطور الأخيرة من القصيدة-
السيناريو الّذي نشره درويش قبل رحيله تنتهي هكذا: "ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة / وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو / إلى آخره". وها هو، وعقب الحرب في غزّة، يأخذ شاعر فلسطيني آخر، سميح القاسم الذي يعتبر نفسه شاعرًا وطنيًّا قوميًّا - وهو مواطن إسرائيلي وفي قائمة المرشّحين الفخريّين لحزب الجبهة الديمقراطية لانتخابات الكنيست - على عاتقه إنهاء السيناريو. ففي قصيدة بعنوان "موعظة لجمعة الخلاص" يكتب: "أنا ملكُ القُدسِ. لا أنتَ، ريتشاردْ!.../ أنا ملكُ القدسِ. من أوَّلِ النقْبِ حتى أعالي الجليلِ.../ فلملِمْ سيوفكَ. واحزِمْ دروعكَ. ريتشارد / وباشِرْ رحيلَكْ. / ستنزلُ أنتَ.. لأصعَدْ... / ... أنا ملكُ القدسِ. دعْ لي الصليبَ / ودعْ لي الهلالَ. ونجمةَ داوودَ. وارحَلْ... / إذا شئتَ. حيًّا. سترحَلْ / وإن شئتَ. مَيْتًا. سترحَلْ". (عن: موقع حزب "الجبهة الديمقراطية" الإسرائيلي، 10 يناير 2009) في مواجهة هذه البلاغة المزيّفة والكاذبة، تنتصب كلمات الكاتب الفلسطيني حسن خضر كالمنارة: "وإذا كان ثمة من كوميديا سوداء، فمن تجلياتها أن غولياث الـمزيّف يهدد غولياث الحقيقي بالويل والثبور وعظائم الأمور، معلنًا أن نهاية إسرائيل أصبحت وشيكة، بينما يسدد الأخير إلى أجساد الفلسطينيين اللكمة تلو الأخرى، والطلعة الجوية تلو الأخرى، ويبكي"، يُجمل حسن خصر كلامه (الأيّام، 6 يناير 2009). في قصيدة كان درويش قد نشرها عقب سيطرة حماس العنيفة على قطاع غزّة، ثمّة تطرُّق إلى الكذب الذّاتي الفلسطيني: "كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! / أن تُصدّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك"، كتب درويش (الحياة، 17 يونيو 2007).

وفي هذه اللّحظة الّتي أخطّ فيها
هذه الكلمات لا زالت مسرحيّة الدّم مستمرّة. يبدو أنّ الممثّلين والجمهور في هذه البقعة من الأرض لا زالوا يطلبون الكثير من الـ "أكشن" في هذه التّراجيديا الغير المنتهية. لذلك، ومن أجل إنهاء هذا السيناريو السّيّء الّذي يكتبه أناس سيّئون في ربوعنا، فإنّ هذا المكان بحاجة ماسّة، وأكثر من أيّ شيء آخر، إلى مُخرج شجاع وحكيم، ليس من صنف المخرجين السينيكاليّين من فصيلة الزّعامات الإسرائيليّة والفلسطينيّة، وذلك من أجل أن يضع هذا حدًّا لعرس الدّم الإسرائيلي الفلسطيني. ولأنّه لا يوجد مسرحيّون ومخرجون حكماء في ربوعنا، فعلى هذا المخرج أن يأتي من خارج هذا المكان، على شكل ضغط دوليّ شديد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولإقامة دولة فلسطينيّة في جميع المناطق المحتلّة منذ العام 1967، ودفع الجانب الفلسطيني والعربي إلى تذويت حقيقي للاعتراف بدولة إسرائيل، وذلك من أجل وضع حدّ لهذا الصّراع الدّموي. لأنّه بدون ذلك، فأغلب الظنّ أنّ هذه المسرحيّة التّراجيديّة ستخرج في رحلة عروض دمويّة في أطراف العالم الواسع.


القدس 12 يناير 2009
***

للمقالة المنشورة في الصحيفة "نوي زورتشر تسايتونغ" باللغة الألمانية، اضغط هنا.

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"


*

للمقالة باللغة الإنكليزية، اضغط هنا.

للمقالة باللغة العبرية، اضغط هنا.

للمقالة بالألمانية، اضغط هنا.



شاهد عيان على هجوم الطليان

بيروت، ربيع 1912-


قصف عون الله 1912

سلمان مصالحة ||

شاهد عيان على هجوم الطليان


قبل نصف عام هزّ انفجار ضخم ميناء بيروت فاهتزّت منه المدينة بأَسْرِها وبكُلّ أُسَرِها، إذ لقي الآلاف مصيرًا من الموت والجراح، كما ضرب الهدم العمارات على امتداد مساحات واسعة. 

ولمّا كنت اعتدت منذ زمن على ترك أخبار هذا الأوان لدى سماعي خبرًا ما يهزّني في هذا العالم الواسع، وعلى وجه التحديد في هذا العالم العربي القابع في دهاليز لا يستطيع فيها رؤية بصيص من أمل، فقد ذهبت باحثًا عن أحداث من الماضي تعيدني إلى تلك الأماكن في أزمان غابرة. 

وبينما أنا غارق في أوهام وآلام الحاضر، رحت أحث النّفس على ركوب دفاتر الماضي بلغات الآخرين الذين كتبوا عن أحوال هذا الشرق. وهكذا سرعان ما وجدت نفسي قبل أكثر من قرن من الزمان، وفي فبراير من ربيع العام 1912 شاهدًا على انفجارات أخرى في ميناء بيروت، حين قصفت السفن الطليانية ميناءها وشاطئها. 

وهذه المرّة، أقرأ تفاصيل أخبار ذلك الزمان بصحيفة عبرية صادرة في تلك الأيام. ولكي تعمّ المنفعة على قرّاء لغة الضاد، فها أنذا أرويها عليكم مجدّدًا لما تحويه من أجواء تلك الأيام، وما تحويه من معلومات قد تكون مفيدة لمن ينوي الغوص في ملابسات تلك المرحلة.

لقد وردت هذه الأخبار في صحيفة ”هحيروت“ العبرية الصادرة في الأول من مارس سنة 1912. 
 

***
الخبر التي نشرناه في عددنا السابق بشأن الأحداث الأخيرة في بيروت أثار مشاعر المقدسيين لأنّ لدى الكثيرين منهم عائلات، أبناء وإخوان، أصدقاء ومعارف في بيروت، ولهذا كان القلق كبيرًا. كما نُشرت إشاعات مبالغ بها بخصوص محاولات هجوم جديدة من طرف العدوّ على سكان المدينة، وكذلك بخصوص محاولات قصف عكّا وحيفا وصيدا، وذكرت الإشاعات أنّ الجنود الطليان نزلوا إلى بيروت ، كما وصلت خمس سفن فرنسية من مرسيليا إلى بيروت، ووصلت إلى ميناء سعيد [بور سعيد] عشر سفن مدرّعة إنكليزية وهي تنتظر الأوامر من القيادة العليا... بالطبع لا نستطيع تصديق كلّ هذه الإشاعات قبل الحصول على تفاصيل رسمية من كلّ هذه الأماكن.

في هذه الأثناء، وصلتنا بالبريد الأخير أخبار لافتة من مراسلنا الخاصّ في بيروت، السيد يروشلمي [المقدسي]...


الرسالة الأولى من مراسلنا البيروتي:

(1)
”منذ يومين وصلت إلى لبنان، اليوم بعد الظهر خرجت للتنزّه مع بعض أصدقائي في السفوح الثلجية لجبال لبنان الجميلة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تكسو جبل لبنان.
فجأة، شاهدنا مجموعات من الناس تسرع في الطريق الصاعدة من بيروت إلى الجبل. ماذا جرى؟ ماذا حدث؟ لم نعرف شيئًا وفقط سمعنا الصراخ هنا وهناك والضجيج يملأ الأجواء. غذذنا الخطو وأسرعنا نحو الناس المذهولين.
”شو هادا“؟ سألت أحد العرب الذي وقف بجانب بيت-قهوة نصراني.
”حرب!، الطليان في بيروت“، أجاب.
ذُهلت، واضطرب جسدي وتصبّبت قطرات عرق باردة على جبيني. لم أصدّق ما سمعته أذناي، وفي خضمّ هذا الانفعال الذي يصعب وصفه أسرعت إلى الفندق بدل الوقوف بانتظار الهاربين من بيروت، أخذت مسدّسي وخرجت. حثثت أصدقائى للذهاب إلى الشرطة اللبنانية لمعرفة حقائق الأخبار. جئنا إلى الشرطة، وكان الشرطيّون هناك مذهولين ويتهامسون بنبرات غاضبة. تقدّمت إلى أحدهم وسألته بلطف، ماذا جرى في بيروت. نظر إليّ مُحدّقًا وقال: ”لا تخف! أسرع واجلس في بيتك لئلّا يهجم عليك الهاربون في ساعة غضبهم وانفعالهم...“. اضطررت لسماع نصيحة الشرطي وذهبت إلى الفندق بفرائص مرتعدة.  مرّت ساعتان بدتا بنظري طويلتين كما الأبد. كانت روحي مستعرة وفؤادي مضطربًا. كانت لدي رغبة بالتواجد في بيروت لأرى ما يحدث هناك بأمّ عيني... فجأة سمعت طلقات نارية... شحب وجهي وارتعد جسدي. هممت بالخروج غير أنّ أصدقائي منعوني من ذلك. وقفنا في الشرفة وشاهدنا مركبات وعربات كثيرة مليئة بالرجال والنساء والأطفال والعفش والأواني البيتية. لقد كانت وجوههم كوجوه الموتى، لقد انتحبت النساء، وشاهدتُ امرأة نصرانية يُغمى عليها في أحضان ابنتيها... أحد المسلمين، بيروتي، مرّ وكان جريحًا... بين هؤلاء اللاجئين كان يهود كثيرون، أغلبهم بيروتيون وحلبيّون. أحدهم، من معارفي، شاهدني من بعيد فصاح...
”اصعد، اصعد إلى غرفتي!“ قلت له، وأسرعت هابطًا لاستقباله. لقد كان وجهه شاحبًا كالكلس وارتعدت فرائصه خوفًا. صافحته فكانت يداه باردتين، صعدنا وبصوت مرتعد أخبرنا ما جرى في بيروت هذا الصباح.
وهذا ما رواه على مسامعنا الصديق الذي كان شاهد عيان على فظاعة الحدث في بيروت:
”... يوم السبت صباحًا كان كلّ شيء هادئًا في بيروت. في الشاطئ كانت هناك سفن تجارية وبعض السفن الأخرى التي أخبرت عن قدوم سفينتين حربيّتين من بعيد. أسرع كثير من الناس إلى الرصيف وفجأة سُمع صوت رعد هائل وانفجار أذهل المارّة االذين كانو في طريقهم لفتح أبواب حوانيتهم. لقد تعاظم الانفعال إثر الإشاعة بأنّ الطليان أطلقوا القذائف على بيروت، غير أنّ الطلقة الأولى كانت على التورپيد التركي «أنقرة» وعلى السفينة العثمانية «عون الله»، لقد دُمّر التورپيد وغرق فورًا، بينما السفينة كادت تتحطّم. في الساعة السابعة صباحًا كان الميناء فارغًا. كلّ السفن التجارية التي كانت راسية هناك هربت من العدوّ وأبحرت بطرق شتّى. في الساعة الثامنة أُغلقت كلّ الحوانيت وأسرع كثيرون إلى الرصيف، لمشاهدة السفن الحربية الطليانية التي حضرت مرّة أخرى ورست مقابل المدينة. لقد قام الوالي ورئيس المأمورين بإصدار الأوامر لإدارة الميناء لإيجاد حلول مع الأميرال الطلياني، فطلب هذا الأخير أن تُسلّم له الأسلحة. لقد رفض الوالي بالطبع هذا الطلب، إذ إنّه يتناقض مع القوانين. مع استلام الأميرال هذه الإجابة أمر بالقصف. فأطلق النيران على السفينة التركية وأُغرقت على من فيها من قوّادها وملّاحيها، كما أُطلقت النيران على مبنى الميناء الجديد، على البنك السالونيكي وعلى البنك العثماني. لقد قُتل وجرح الكثيرون. لقد عمّت الفوضى وتراكض الآلاف من الناس في الشوارع لا يعرفون إلى أين يهربون، وهم يسمعون أزيز الرصاص المتطاير فوق رؤوسهم ويصمّ الآذان. الصراخ والعويل ملأ الأجواء وكلّ يبحث عن إنقاذ نفسه وأبناء عائلته. لقد كانت المخازن مغلفة الأسواق مهجورة، وفقط في بعض الأماكن كان هناك بعض العرب البسطاء وبعض الشبّان الذين حملوا البنادق، المارتينات والسيوف؛ إذ إنّ الحكومة استجابت لطلب الشعب ووزّعت البنادق. بالإضافة إلى الحكومة فإنّ اثنين من العرب، هما عبودي وبيضون، والمعروفين في المدينة كلصّين كبيرين قد فرّقا البنادق على رجالهما، كما قاما بتحطيم أبواب الحوانيت التي تبيع البنادق وأخذوا منها البنادق. لقد أرسلت الحكومة فرقًا من الجنود إلى الشاطئ ليكونوا على أهبة الاستعداد عندما ينزل الطليان. كلّ بيت يمكث فيه أناس من الرعايا الأجانب علّق على البيت علمه القومي لكي لا يُصاب بيته بأذى. لقد هرب المئات راجلين وعلى عربات إلى جبال الدروز، وإلى سائر لبنان في عرض البحر، إذ إنّ العربات الكهربائية توقّفت عن المسير، كما إنّ العربات قلّت وكان من الصعب العثور عليها. الكثير من اليهود هربوا وجاووا إلى هنا، بينهم أحد معارفي الذي روى لي تفاصيل هذه الأحداث.
إنّه لمن الصعب وصف المخاوف التي دبّت في قلوبنا لسماعنا التفاصيل على فظاعتها. لقد اقترحت على أصدقائي أن نسافر إلى بيروت ... ”ماذا؟ هل جُننت؟“ أجابوني، ”لن نسمح لك أبدًا بالسفر إلى بيروت!...“. أمّا أنا فقد أصررت على الذهاب إلى هناك لرؤية ما جرى بأمّ عيني، ولمعرفة ما جرى لأصدقائي، غير أنّ أصدقائي حثّوني على البقاء حتّى الصباح، وهكذا بقيت حتّى اليوم التالي.
لقد قضينا الليلة والخوف يخيّم علينا، وأنا استغللت فرصة بقائى في المدينة لكتابة هذه التفاصيل لقراء ”هاحيروت“.
***
(2)
... ها أنا في بيروت. دقّات قلبي تتسارع. فرائصي ترتعد وعيناي تسرحان لمشاهد المدينة المهجورة. في البداية خفت من الذهاب، غير أنّ قوّة مجهولة دفعتني للتجوال في الشوارع. توجّهت إلى محطة الشرطة الأولى التي صدفتها في الشارع، عند المستشفى البلدي. لقد فرحت بوجود شرطي هناك، من زملائي، فسألته فورًا عن الشهداء الذين سقطوا إبّان الهجوم. لقد سلمّني قائمة الأسماء لكلّ القتلى والجرحى. لقد كانت غالبيتهم من المسلمين. المسيحيون واليهود كانوا قلّة. وها هي بعض أسماء القتلى: عمر شمالي، عبد الرحيم شعبان، الحاج سعيد مصطفى باشا، محمد أبو سليم الحملي، سليم يوسف صباغ، رؤبين بن سلومون (يهودي)، محمد شاني (شرطي)، جميل دريان (كوميسار)، يوسف واكد، إلياس أبو الماع، وغيرهم كثيرون. ستّة عشر من القتلى المجهولين أُحضروا إلى المستشفى العسكري. في البحر قُتل عشرون ملّاحًا وموظّفًا، عشرون آخرون اختفوا وعلى ما يبدو فقد غرفوا في البحر. ثمانية موظّفين قُتلوا وأربعة عشر ملّاحًا جُرحوا. من سكّان المدينة جُرح كثيرون وها هي بعض أسمائهم: خالد بن غفور آغا، نجيب متري بربور، يشعيا بن يوسف (يهودي)، رفيق بك وابنه (صيدليان)، جواد بك (طالب في كلية الطبّ)، إبراهيم أفندي (ملازم)، الحاج يوسف الحلبي، فهمي أفندي (كاتب محكمة الاستئناف)، وغيرهم كثيرون.

لقد روى لي الشرطي أيضًا أنّ الحكومة قد اتّخذت جميع الاحتياطات بغية الحفاظ على أمن الشعب، وقد قام الوالي بإرسال برقية إلى وزير الداخلية ووزير الحربية للوزارة العليّة والباب العالي وينتظر الجواب.
لقد عمّت الفوضى في المدينة أمس. عندما ذهبت السفن الطليانية بدأ المئات من أفراد االشرطة بالسير في الشوارع والأسواق للحفاظ على النظام. لقد دبّ الخوف في قلوب المواطنين من الشبّان الغوغائيين الذين حملوا المسدّسات واستخدمونها لمآربهم الدنيئة عندما شاعت الفوضى. الضحية الأولى التي سقطت كان يهوديًّا، الأدون شتاينهارد، كان واقفًا في الصباح عند باب المتجر الكبير «أوروزدي باك» حين مرّ أحد الأتراك مشهرًا مسدّسه ودون أن يشعر به السيد شتاينهارد أطلق الحقير النار عليه فسقط اليهودي المسكين مضرّجًا بالدماء. إنّه يرقد الآن في المستشفى والأطبّاء فقدوا الأمل من إنقاذه. لم يكتف الحقيرون بذلك، وحين لقوا صهر السيد شتاينهارد أطلقوا النار عليه أيضًا، لكن لحسن حظّه أُصيب بيده بجرح بسيط. أيضًا على أحد اليهود السفراديم أطلقوا النار بالخطأ، إذ كانوا يصوّبون نحو أحد العرب والذي قُتل بعد أن سقط اليهودي أرضًا. لقد أثارت هذه الأحداث مشاعر اليهود.
لدى هبوطي الآن إلى الشاطئ اقتربت من السفينة المحطّمة الغارقة في البحر. جزء من البناية الجميلة للبنك العثماني القريب من مكان رسو السفينة المحطّمة قد انهار، وتحطّم الزجاج والأبواب. مبنى بيت الجمرك الجديد الذي بني منذ سنة تحطّم كلّه تقريبًا. كما تضرّر جدًّا مبنى «بنك دي سالونيك» الذي يقع مقابل الشاطئ. فقد اخترقت قذيفة أحد الحيطان ولو أنّها اخترقت الحائط الثاني لتهدّم البيت كليًّا.
الخوف يخيّم على المدينة. ثمّة خوف من حصول تمرّد في المدينة أو حدوث مناوشات بين المسلمين والنصارى، إذ إنّ الكراهية بين الطرفين شديدة. النصارى يخشون من المسلمين لأنّ هؤلاء غاضبين جدًّا ويرغبون في ضرب كلّ من يضع قبّعة على رأسه. وهكذا جرى مع أخينا السيد بارزل إذ تقدّم نحوه هؤلاء الشبّان الغوغائيين ظانّين أنّه طلياني، وبعد أن وعدهم بالمضيّ معهم حيثما يريدون تركوه وأطلقوا سراحه. وهكذا، فإنّ غالبية الذين كانوا يعتمرون القبّعات يلبسون الآن الطرابيش. في الحيّ الرئيسي الذي يسكنه نصارى كثيرون يخافون جدًّا من المسلمين، ممّا حدا بمدير الجامعة الأميريكية بالسماح للنصارى  بالدخول وبالاختباء في الجامعة حتّى تمرّ هذه الغمامة.
لقد أثرت الأحداث بالطبع على الحركة التجارية فكانت غالبية المخازن مغلقة في اليومين الأخيرين.
***
(3)
أخينا المسكين، السيد شتاينهارد، الذي هاجمه الغوغائيون، توفي صباح اليوم في المستشفى.
من دمشق وصل جنود وفرسان. أمس وطوال الليل مرّ الـ«طرامواي» في كلّ المدينة مليئًا بالعساكر ورجال الشرطة، وهكذا حافظوا على النظام فلم يحدث شيء. كلّ المؤسسات الأجنبية كانت محاطة برجال العسكر لحراستها.
أمس وصلت برقية من وزير الحربية في القسطنطينية بإعلان حالة الحرب في بيروت. لقد فرح السكّان بهذا الأمر الذي يُهدّئ القلوب ويعزّز الحراسة جدًّا، فلن يستطيع الزعران مواصلة أفعالهم الدنيئة في الشوارع. في جميع الأسواق يتواجد الآن أفراد الشرطة بالعشرات، ووحدات من الجندرمة والپوليس تجوب الشوارع إضافة إلى الشرطيين الثابتين في مواقعهم.
لقد بعث الوالي إلى الصحافة المحلية بيانًا رسميًّا بخصوص إعلان حالة الحرب في المدينة. وفقًا لهذا البيان يُحظر حمل السلاح دون إذن من الحكومة، يُحظر الخروج في الليل بعد الساعة الثامنة مساءً، يُحظر حمل بنادق الصيد بدون إذن خاصّ، كلّ من بحوزته سلاح عليه تسليمه للحكومة؛ كلّ من يخالف هذه الأوامر سيلقى أشدّ العقاب.
حتّى هذه اللحظة نحن متأكّدون بعض الشيء من أنّ السفن الطليانية لن تعود ثانية، إذ ساعة قصف الطليان ظهيرة يوم السبت للسفينة التركية، وصلت سفينة خديويّة، وأعلمتها السفينة الطليانية أنّها تاركة المدينة وأنّ بإمكان السفينة الخديويّة أن تدخل دون خطر إلى الشاطئ. بعض الأشخاص الذين كانوا ينظرون إلى البحر بالنواظير يقولون إنّهم شاهدوا سفنًا حربية أخرى كثيرة. لقد رافقت السفينتين الحربيّتين اللتين قصفتا المدينة سفينة أخرى حملت الطعام للجنود. غير أنّ هذه لم تقترب ووقفت بعيدًا من المدينة.
هذا، إذن، مافعله الطليان بمدينتنا. باستثناء الملّاحين الذين كانوا في السفينة وأشخاص آخرين قتلوا بينما كانوا على الشاطئ لم يُقتل سوى مائة وخمسين. من اليهود قتل اثنان فقط وهما اللذين ذكرتهما في رسالتي. وبالطبع على المقدسيّين ألْا يقلقوا على أقربائهم. الطلّاب اليهود الذين يدرسون هنا كانوا واثقين من أنّ مدير الجامعة الأميركية سيتيح لهم المبيت في الجامعة.
***
(4)
أمس كان كلّ شيء هادئًا. غير أنّ حوانيت كثيرة كانت مغلقة، وتلك التي كانت مفتوحة أُغلقت في الساعة الرابعة بعد الظهر. لم تصدر الصحف يوم أمس لأنّ العمّال لم يحضروا للعمل لأنّ غالبيّتهم ذهبوا إلى جبل لبنان.  اليوم بعد الظهر صدر الصحيفة العربية المحلية ”لسان الحال“.
أمس حضر الوالي والقنصل الروسي إلى متجر ”أوروزدي بك“ وحقّقوا في مقتل اليهودي الأدون شتاينهارد الذي كان يحمل جنسية روسية.
يُقال إنّ القنصل الروسي أبرق إلى بطرسبورغ كي ترسل الحكومة الروسية سفنًا حربية بسبب مقتل المواطن الروسي وبسبب الإشاعة التي انتشرت في المدينة بأنّ الأتراك يريدون قتل نائب القنصل الروسي.
الآن، الساعة الثانية بعد الظهر، وصلت سفينة حربية فرنسية واسمها مارسيليير Marseilleuse.  
حتّى يوم أمس قاموا في الأسواق بإعلام الناس بألّا يخافوا من سماع إطلاق الرصاص لأنّ سفنًا حربيّة أجنبية من المتوقّع أن تصل إلى مدينتنا.
الوضع الآن هادئ، غير أنّ القلوب لا زالت مضطربة. غالبية أصحاب الحوانيت يغلقون حوانيتهم مبكّرًا والنساء والصبايا لا يخرجن من بيوتهن من الخوف.  الحراسة في المدينة ممتازة.
إذا حدث شيء جديد، سأسارع إلى إخبار قراء ”هحيروت“.

جريدة ”هحيروت“ 1.3.1912

***


نداء الحزب الشيوعي في إسرائيل - أكتوبر 1948

أرشيف - 1948

نقدّم للقارئ العربي عامّة، والفلسطيني خاصّة، هذه الوثيقة وهي النداء الذي وجّهه الشيوعيون العرب واليهود للجماهير العربية واليهودية بعد إعلان الوحدة بينهم. ويظهر في النداء افتخار الشيوعيين العرب واليهود بانخراطهم الفعلي في حرب استقلال إسرائيل ضدّ العدو المتمثّل بجامعة الدول العربية.
*

كلام في وداع صديق مغترب




سلمان مصالحة ||

كلام في وداع صديق مغترب



كعادتي هذا الصباح، كما في الصباحات الأخرى، وبعد الفراغ من قراءة الصحيفة الورقية العبرية في هذا البلد الفصامي دلفت إلى الحاسوب لتتبّع ما تنشره بعض الصحف العربية في هذا الفضاء الكبير. لقد وقع نظري على مقالة حملت عنوانًا غريبًا بعض الشيء هذه المرّة. كان في العنوان شيء من الحميمية، غير أنّه كان بمثابة طرف الخيط الذي شددته فاختلطت عليّ كلّ هذه الشبكة من الهواجس ولم أفلح في حلّ خيوطها وتتبّع تشعّباتها.


ليس من عادة الكاتب حازم صاغية أن يضع عنوانًا كهذا لمقالته. وما أن وقع نظري على العنوان الذي حمل الاسم حتّى أخذ الفأر يلعب في العبّ. عندما يحمل العنوان اسمًا لشخص فإنّ شيئًا ما قد حصل. كم وددت أن يُخطئ حدسي! ولكن سدى. وهكذا طفقت الأفكار تتشتّت بين الشرق والغرب، بين القدس وباريس. نعم، هناك في باريس وقبل سنوات كان اللّقاء الأوّل، ثمّ كانت لقاءات أخرى ومكالمات هاتفية ورسائل متبادلة تستفسر عن الأحوال وعن طول غياب.

من أين أبدأ هذا الكلام؟ ليس من السهل الإمساك بخيوط هذه الهواجس الداهمة في هذا الصباح هنا على تخوم الصحراء. فكلّما حاولت الإمساك بطرف خيط ومحاولة شدّه واقتفاء أثره في هذه الشبكة كلّما ازدادت تعقيداتها واشتباكاتها. هل أقول إنّه لبنان؟ قد يكون هذا القول صحيحًا لكنّه ليس كافيًا وافيًا. هل أقول إنّه الشام؟ وهذا أيضًا ليس وافيًا وكافيًا. إذن، هل هو المشرق العربي؟


وهل كلّ هذه التساؤلات التي تعلو وتتحلّق كحلقات دخان السيجارة في فضاء الغرفة في هذه البقعة من المشرق هي تساؤلاتك أنت بحثًا عن الذات، أم هي تساؤلات عن ذلك المشرق القاطن في الغرب، الحائر في الغربة.
لقاء في باريس

لقد كانت اللقاءات مع سائر الأصدقاء المغتربين عن أوطانهم، مكرهين لا أبطالاً، فرصة لجسّ نبض تلك الأوطان التي تلفظ الأنبياء وتلقي بهم على قارعة المقاهي في ذلك الغرب الفسيح. لقد كان بشير هلال واحدًا من هؤلاء الذين حملوا أوطانهم على أكتافهم وأنبتوها على ألسنتهم فأينعت كلامًا حزينًا وعميقًا. كم كُنت أرى ذلك الحزن الذي طالما حاول أن يخفيه خلف ستار كثيف من دماثة الأخلاق وبشاشة الوجه. لقد كان بشير يقطن في الغرب جسديًّا غير أنّه، ككثيرين من زملائه، كان يعيش في المشرق العربي حيثما سار بكلّ جوارحه. ولعلّ في هذه الرسالة التي أرسلها إليّ قبل سنوات ولا زلت أحتفظ بها ما يشي بعمق هذه الآصرة الوجدانية التي كانت تربطه بهذا المشرق الغارق في الظلمة.
*



”عزيزي سلمان

سلام على من جعل العقل منارته والحكمة دواته والتنوير يراعه

أخي العزيز،

حالنا كحال الذي يتنقل بين حلكة وظلمة وديجور. كأننا من فرط ملاحقتنا السراب غدونا ظله وشبحه نعيش كما لو كنا في قافلة ليس لها من راع ولا وجهة ولا قرار. وكأنما لم نعد نعرف حياة غيرها.

لا أعرف إذا كان يجب أن ننسى أو نتذكر. ولكني بكل بساطة أشعر أنه من الظلم الشديد أن يولد المرء لبنانيا أو فلسطينيا أو عربيا أو عبرانيا أو شرق أوسطيا أو ما شئنا في هذه الصحراء التي تحترق هوامشها الخضراء وحواضرها التي كنا نظن لبعض الوقت أنه بمستطاعها الانفكاك عن بداوة تقيم في أثنائها وتحاصرها .

أيها الصديق العزيز،
أود بمقابل هذه المشاعر الكئيبة الماكثة في النفس أن أعلن حبوري بقدومك الى باريس في نهاية نيسان.

أنا كما أسلفت لم أتفرنس في فاكانس أو سواه.

أنا واثق أنك ستحمل معك بعض الشمس أيضا.

بالانتظار

بشير” (6 مارس 2008)

*
هل كانت هذه الشمس التي يحلم بها هاجسًا يقضّ مضجعه في بلاد غربته؟ إنّه هناك، في باريس، يحلمُ بالشمس. غير أنّ نورها الذي كان يبحث عنه في المشرق كان يقلقه أيضًا. إذ أنّ الشمس في المشرق قد تُبشّر بمخاطر أخرى، مخاطر الحروب التي لها أوّل وليس لها آخر. الحروب هنا، كما تعوّدنا عليها، تنشب في الصيف، وليس في الشتاء. لهذا كان بشير قلقًا أيضًا من صيف هذا المشرق.
*



”عزيزي سلمان،

الشمس هنا مُقتّرة كأنها تخبىء إشعاعها في الأيام البيض لأيام سوداء. فيشعر القادمون من شمس قوية الحضور بيتمٍ طالما اعتقدوا أنهم لن يصادفوه باكرًا.

كان لنا أن لا نحزن لذلك لولا أننا نستقبل صيفًا لا ندري ما نفعله به وله وعنه.

كان الصيف سيبدو جميلا على تلال قرنايل وصنوبرها وبين كلام أهلها.
لكنّ لبنان، كما منطقتنا بأسرها، لا يقدم الا الاستعصاء تلو الاستعصاء. استعصاء السلام والدعة والهناء حتى لو كان مؤقتا. بشير“ (21 يونيو 2008)


*
وبعد،
ماذا أقول لربعه، أصدقائه ومحبّيه؟
ليس فقط أنّه لم يتفرنس ولم يتفكنس، بل ظلّ وفيًّا لروحه، لمشاريعه الثقافية والسياسية التي لم تتحقّق، لقد ظلّ وفيًّا لأحلامه الكبرى التي كانت مفتوحة على مصاريعها بانتظار النور الذي سيبزغ من المشرق على أهل المشرق لينتشلهم من هذه الظلمة التي طال أمدها.

مع بداية الهبّات والانتفاضات الشعبية في غير مكان من العالم العربي، كان متفائلاً بعض الشيء. لقد ظنّ بأنّ شيئًا ما جديدًا سيحلّ في هذه الربوع. غير أنّ السنين تمرّ والأجساد تخرّ بينما النّور لم يبزغ بعد في هذه البقعة من الأرض.

وها هو قد رحل عنّا الآن حاملاً على أكتافه أحلامه المتألّقة وأوطانه المتمزّقة.
كم كنت أودّ، قبل أن ترحل عنّا أيّها الصديق، أن أحمل لك شيئًا من هذه الشّمس، بصيصًا من نور يخرج من تخوم هذه الصحراء ليحطّ في مدينة الأضواء.

فماذا أقول؟
هل أقول لك: أنتم السابقون ونحن اللاحقون؟ أم أقول لك وأنت العارف أيضًا: أنت السابق وأنا التالي.
لكن، مهما يكن من أمر هذه الرحلة الأبدية بحثًا عن النّور خلف سدول هذا الديجور المحدق بنا، سيبقى العقل أبدًا وليّ التوفيق.
فَقِرَّ عَيْنًا وَسُرَّ بَيْنًا.
*
نشر أيضًا: شفاف الشرق الأوسط

ربيع الممالك العربية


سلمان مصالحة || 

ربيع الممالك العربية




ها نحن نقترب من نهاية العام الرابع على الانتفاضات التي ضربت أكثر من قطر في أنحاء العالم العربي مشرقه بمغربه. أقول انتفاضات ولا أقول ثورات عن سابق قصد، إذ إنّ ما جرى في الأعوام الأخيرة في كلّ تلك الأقطار لا يمكن بأيّ حال أن يُسمّى ثورة بما تعنيه هذه الكلمة في العلوم السياسية.

جذور الإرهاب الإسلامي


سلمان مصالحة ||

جذور الإرهاب الإسلامي


”أَفِيقُوا أَفِيقُوا يَا غُوَاةُ فإنَّمَا - دِيَانَاتُكُمْ مَكْرٌ مِنَ القُدَمَاءِ“- أبو العلاء المعرّي


مقدمة
”إنّ الإسلام في أزمة اليوم“، يقول محمد مجتهد شبسترى، أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين في جامعة طهران، ويضيف: ”إن دينًا لا يستطيعُ أنْ يعرض قِيَمَه بصورة سليمة هو دين يعيش في أزمة.“1

رسالة في فضل العقل على النقل

 

سلمان مصالحة ||

رسالة في فضل العقل على النقل


الكتابة، كلّ كتابة، ومنذ قديم الزّمان
هي من عمل هذا الحيوان النّاطق، بل هي مزية، من بين مزايا أخرى، تفرق الإنسان عن سائر المخلوقات. إنّها فعل هو نتاج تجريدي من مهمّات العقل، أمبدعًا كان العقلُ أم ناقلاً لما أبدع آخرون.

قبل وجود الكتاب درج الإنسان على التّدوين بالنّقش في الحجر أو النّقش في الألواح الطّينيّة، عبورًا بالكتابة على العظم والجلود وما إلى ذلك من وسائل تحمل نتاج العقل والنّقل لتبقى على مرّ الزّمن، لتكون ذاكرة وزادًا للأجيال القادمة.  هذه هي بالذّات وظيفة الكتاب منذ القدم وهذه وظيفته في يومنا هذا وستظلّ كذلك في المستقبل المنظور على ما يبدو، رغم الطّفرة الإلكترونيّة المعاصرة.  

ولمّا كان الكتاب وما يحويه من مضامين هو من عمل الإنسان العاقل والنّاقل فإنّه يحتمل الخطأ والصّواب، ولهذا أيضًا فإنّه يحتمل النّقد والنّقض. لا فرق في هذه القضيّة إن كان الكتاب حاملاً لمضامين العلوم الطّبيعيّة أو حاملاً لمضامين العقائد الدّينيّة على اختلاف مشاربها ولأيّ من الدّيانات والعقائد البشريّة كان انتماؤها.

إنّ العقائد البشريّة تعكس كلّ تلك المنظومات المعرفيّة الّتي يتوصّل إليها العقل البشري في مراحل تدرّجه على مرّ تاريخه. وفي الحقيقة فإنّ العقائد الدّينيّة لدى بني البشر تعكس في الأساس منظومات المجاهل وليس منظومات المعارف. إنّ بني البشر على العموم يحيلون الجهل بقوانين الطّبيعة والجهل بالظّواهر الطّبيعيّة إلى قوى أخرى خارقة تقع ما وراء حدود علمهم في مراحل تطوّرهم عبر التّاريخ.  هكذا ينتقل الإنسان من العادي المادّي ومحاولة معرفة علاقاته السّببيّة إلى مرحلة الإيمان. أي إنّ الجهل، على العموم، هو العنصر الجوهري الّذي يتأسّس عليه الإيمان على مرّ الزّمان.

هكذا وُلدت الآلهة عبر التّاريخ 
فلقد خلقها الإنسان لكي ينيط بها كلّ ما لم يقدر عقله على سبره وعلى فهم علائقه. وهكذا على مرّ التاريخ جاءت آلهة البشر على شاكلتهم، تحبّ وتبغض وتتزاوج وتتحارب ثمّ تتصالح إلخ، وبمدى عمق وثراء معارفهم تكون معارف آلهتهم على شاكلتهم. لقد لخّص الفيلسوف الإغريقي اكسينوفان هذه المسألة بالقول: لو كانت الحيوانات، أهليّة كانت أم وحشيّة، تعرف فنّ الرسم، لكانت رسمت آلهتها على شاكلتها، ولكان الحصان، على سبيل المثال، قد رسم إلٰهه على شكل حصان.

وهكذا أيضًا، عندما تذكر التّوراة، في قصّة الخلق، أنّ حوّاء قد خُلقت من ضلع آدم، فلا يمكن النّظر إلى هذه الخرافة إلاّ من باب الأسطورة الّتي تحاول الذّهاب بعيدًا والنّظر في المجهول من أجل وضع تفسير مبسّط لبدء الحياة البشريّة على هذه الأرض.  ولمّا كان العقل البشري منذ القدم قاصرًا عن فهم هذه الظّاهرة الّتي تدبّ على الأرض فإنّ الإحالة إلى الأسطورة تصبح الطريق المثلى لفكّ مجاهل هذه القضايا الشّائكة. وهكذا تتحوّل الخرافة إلى قصّة أسطوريّة تتداخل في فعل الإيمان، لأنّ القداسة على العموم هي أداة تُستخدَم لحفظ الذّاكرة الحضاريّة من خلال العودة مرّة تلو أخرى إلى تكرار وترديد الأسطورة. وبوصفها كذلك فهي لا تحتضر ولا تفنى مهما تناقضت مع المُكتشفات العلميّة لأنّ وظيفتها لا تنتهي باندفاع العلوم قدمًا، لأنّها من طبيعة مختلفة أصلاً.

ومن هذا المنطلق ستحمل الذّاكرة الحضاريّة التّوحيديّة، يهوديّة عبورًا إلى الإسلاميّة، كلامَ الله لموسى عبر عوسجة أو عليقة محترقة في الصّحراء. ومهما بدا الأمر مضحكًا في نظر الإنسان الّذي يعيش في هذا العصر غير أنّ هذه الخرافة تبقى حيّة وعالقة فاعلة في ذهنه لأنّها ترتبط بقضايا الإيمان والّتي لا مجال لوزنها بميزان العقل.

كذا هي الحال في ما يتعلّق بظواهر الطّبيعة
الّتي لم يسبر أغوارها العقل البشري في مراحل تطوّره البدائيّة. فكلّ ما يجهله بهذه الشؤون والقضايا ينسبه إلى الآلهة أو إلى عالم الغيب، عالم الخرافة. فلو نظرنا إلى ظاهرة غروب الشمس على سبيل المثال، فماذا نحن واجدون في الموروث العربي الإسلامي؟  من بين الأمور الّتي قد تثير الضّحك في عصرنا العلميّ هذا هو تلك الخرافات الّتي كان أسلافنا يؤمنون بها، وقد يكون من الصّعب على المؤمنين بالنّصوص المقدّسة التّخلّي عنها.  

مثال على ذلك ما ورد في القرآن بخصوص مغرب الشّمس.  فقد ذكر القرآن في سورة الكهف وفي سياق ذي القرنين: "حتّى إذا بلغَ مغربَ الشّمس وَجدَها تغربُ في عينٍ حمئة" (سورة الكهف: 86).

فلو ذهبنا إلى أحد أقدم التّفاسير القرآنيّة الّتي وصلتنا فماذا نجد في تفسير غروبها في ”عين حمئة؟ ها هو الصّحابي أبو ذر الغفاري يتطرّق إلى هذه المسألة: "قال أبو ذر الغفاري: غربت الشمس يومًا، فسألتُ النبيّ (صلعم)، أين تغرب الشمس؟ فقال النبي (صلعم): تغرب فى عين حمئة وطينة سوداء، ثم تخرّ ساجدةً تحت العرش فتستأذن، فيأذن لها..." (تفسير مقاتل بن سليمان، أنظر كذلك بخصوص ذات الرّواية باختلافات طفيفة في تفسير الطّبري، سنن أبي داود، تفسير القرطبي، تفسير البيضاوي، زاد المسير لابن الجوزي، الدّرّ المنثور للسّيوطي، وغيرها من المصادر).

فما هي، يا تُرى، هذه العين الحمئة؟
أوّلاً، لا يوجد إجماع على النّصّ القرآني بهذه الصّورة، وهذا ما يُخبرنا به الطّبري: "فاختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة والبصرة {في عين حمئة}، بمعنى: أنها تغرب في عين ماء ذات حمأة، وقرأته جماعة من قرّاء المدينة، وعامة قرّاء الكوفة {في عين حامية}، يعني أنها تغرب في عين ماء حارة." (نقلاً عن: تفسير الطّبري للآية).  فهذه الرّوايات والقراءات المختلفة هي خير شاهد على أنّ هذه النّصوص، ورغم قداستها، ليست ثابتة وإنّما هي من عمل البشر، من عمل ذاكرتهم الّتي لا يمكن أن تكون ذاكرة محكمة لا يعمل فيها تقادم العهود وتقادم الزّمان وتبدُّل المكان، وربّما الأهواء أيضًا، عمله.

الأمر الوحيد الّذي يُجمع عليه المؤمنون في هذا السّياق هو أنّ الشّمس تغيب. ولكن، كيف وأين تغيب هذه الشّمس فهذه القضايا مثار خلافات، إن لم نَقُل، مثار خرافات. فالبعض يقول إنّها تغيب في طينة سوداء والبعض يقول إنّها تغيب في عين ماء حارّة، وكما يذكر الطّبري: "واختلف أهل التّأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته".  ولهذا الغرض يستعينون بالأحاديث النّبويّة: "عن عبد الله، قال: نظر رسول الله (صلعم) إلى الشمس حين غابت، فقال: في نار اللّه الحامية، في نار الله الحامية، لولا ما يَزَعُها من أمر الله لأَحْرَقت ما على الأرض" (تفسير الطبري).

إنّ الطّبري لا يشكّك في المضمون المضحك للخرافة، بل يحاول التّوفيق بين القراءتين لا غير، فيقول: "والصوابُ من القول في ذلك عندي أن يُقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، ولكل واحدة منهما وجهٌ صحيحٌ ومعنًى مفهومٌ، وكلا وجهيه غيرُ مُفسدٍٍ أحدُهما صاحبَه. وذلك أنّه جائزٌ أن تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة وطين، فيكون القارئ {في عين حامية}  بصفتها التي هي لها، وهي الحرارة. ويكون القارئ {في عين حمئة}  واصفَها بصفتها التي هي بها، وهي أنها ذات حمأة وطين" (تفسير الطبري).

ثمّ تسلك الخرافة طريقًا جديدة، إذ تذهب إلى أناس تلك النّواحي لتسرد علينا أحوال معيشتهم.  فها هي الخرافة تتعاظم: "وروى قتادة عن الحسن قال: وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القُدور، ووجد عندها قومًا لباسُهم جُلودُ السّباع، وليس لهم طعام إلاّ ما أحْرَقت الشّمسُ من الدّواب إذا غربت نحوها، وما لفظت العَيْنُ من الحيتان إذا وقعت فيها الشمس." (زاد المسير لابن الجوزي، وتفسير البيضاوي).

غير أنّ هنالك أيضًا من بين السلف
من قام بمحاولات جدّيّة لدحض هذا الغباء الصّحْراوي البدائيّ. فها هو الرّازي ينظر في هذه المسألة في مؤلّفه "مفاتيح الغيب".  لقد تطرّق الرّازي في البداية إلى اختلاف القراءات وحاول، مثلما فعل الطبري من قبله، التّقريب بينها: "واعلم أنّه لا تَنافيَ بين الحمئة والحامية، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعًا" (الرّازي، مفاتيح الغيب).  لقد وفّق الرّازي بين الخلافات هذه، لأنّه رأى أنّ المشكلة لا تكمن في القراءة فحسب، بل هي في مضمون هذه المشاهدة أصلاً، وهي المشاهدة الّتي تسم اللّه بالغباء في نهاية المطاف.

ولذلك يستمرّ الرّازي في بحث المسألة، فيقول: "ثبت بالدّليل أنّ الأرض كرةٌ وأنّ السّماء محيطةٌ بها، ولا شكّ أنّ الشمس في الفلك...".  ولأنّ الأرض كرويّة، يضيف الرّازي مستعينًا بتفسير الجبائي: "إنّ راكب البحر يرى الشمس كأنّها تغيب في البحر إذا لم ير الشطّ وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر. هذا هو التّأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره... أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها، فالنّاظر إلى الشّمس يتخيّل كأنّها تغيب في تلك البحار".

غير أنّ الرّازي يشعر بأنّه قد وصل مبلغًا كبيرًا في نقد ونقض الرّوايات التّراثيّة حول نصّ مقدّس فيجنح إلى تخفيف الصّدمة المنوطة بذلك، ربّما، فيضيف: "ولا شك أن البحار الغربيّة قوية السّخونة فهي حامية وهي أيضًا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء فقوله: {تغرب فى عين حمئة} إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض، قد أحاط به البحر وهو موضع شديد السخونة".

ثمّ ما يلبث الرّازي أن يعود إلى دحض كلّ تلك الخرافات من خلال تتبّع المشاهدات الفلكيّة في الأصقاع المختلفة من الأرض، فيقول: "وذلك لأنّا إذا رصدنا كسوفًا قمريًا، فإذا اعتبرناه، رأينا أنّ المغربيين قالوا: حصل هذا الكسوف في أوّل الليل ورأينا المشرقيين قالوا: حصل في أوّل النّهار، فعلمنا أنّ أوّل اللّيل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس".

ولأنّ الرّازي يأخذ بالعقل لا بالنّقل،
ولأنّه يأخذ بالمشاهدات العلميّة لا بالخرافات النّابعة من جهل ومن أمّيّة، فهو يصل إلى القول الّذي لا بدّ منه: "وإذا كانت هذه الأحوالُ معلومةً بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أنّ الشّمس طالعةٌ ظاهرةٌ في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلامًا على خلاف اليقين، وكلامُ اللّه تعالى مُبرّأ عن هذه التهمة، فلم يبق إلا أن يُصار إلى التأويل الذي ذكرناه".

فهل نذهب نحن أيضًا، مثلما فعل من قبلنا، صاحب مفاتيح الغيب إلى العمل بالعقل بدل النقل؟
 
ففي نهاية المطاف، العقلُ وليّ التّوفيق.
***

نشرت أيضًا: شفاف الشرق الأوسط

من هو "النّبيّ الأمّي"؟


فإذا كانت هذه هي الحال بشأن هذا النّبي الموعود، بحسب ما تذكره الرّواية الإسلاميّة، فمن هو هذا "النّبيّ الأمّي" الّذي بشّرت به أسفار التّوراة وبشّر به الإنجيل؟

يأس، وي كان


سلمان مصالحة ||


يَأْس، وي كان 


شيء واحد لا يمكن تجاهله في انتخاب أوباما رئيسًا جديدًا للولايات المتّحدة الأميركيّة: على الرّغم من الثّغرات الكثيرة الّتي قد تنوجد في النّظام الدّيمقراطي إلاّ أنّ هذا النّظام لا يزال أفضل ما أوجده النّاس لتسيير أمور حياتهم المجتمعيّة. لقد مرّت قرون طويلة منذ أن وضع القدماء هذا المبدأ نبراسًا ينير درب المدينة الدّولة في العصر الإغريقي، وعلى مرّ القرون جرت على هذا النّظام تعديلات كثيرة. في الحقيقة، إنّ الدّيمقراطيّة الّتي نراها في هذه الأيّام، والّتي يتساوى فيها المواطنون في المواطنة دون اعتبار للجنس والعنصر، بكلّ ما يحمله هذان المصطلحان من معانٍ، هي جديدة. فحتّى أوباما ذاته وما يمثّله من خلفيّة إثنيّة، ما كان بوسعه قبل عقود ليست كثيرة أن يحلم بالوصول إلى هذا الموقع الّذي يملؤه الآن. 

ولكن، ورغم كلّ الثّغرات الّتي قد تنوجد في هذا النّظام، إلاّ أنّه يبقى الأفضل. فها هي الدّيمقراطيّة الّتي تتضمّن في جوهرها مبدأ المساءلة والحساب وآليّات التّغيير تضع على رأس السّلّم السّياسي في الدّولة الأعظم في العالم هذا الإنسان ذي الخلفيّة الاجتماعيّة والإثنيّة المعروفة من سيرته الذّاتيّة الّتي يعرفها الجميع ولا حاجة إلى تكرارها. لا أدري إن كان الرئيس المنتخب أوباما سينجح في قيادة هذه الدّولة العظمى أم لا، فهذه النّتائج ستظهر في الحلبة الدّوليّة عاجلاً، فكما هو معروف فإنّ الرئاسة الأميركيّة تدوم على الأكثر دورتين انتخابيّتين، أي ثماني سنوات فقط، وهي ليست بالطّويلة قياسًا إلى ما نعرفه نحن، بني يعرب، من توريث وتأبيد الرئاسات والسّلطنات والإمارات إلى آخر قائمة دول الطّوائف. 

هذا هو الفرق بين ما نراه في العالم الدّيمقراطي من حولنا وبين ما نراه من أحوالنا في أنظمة التّوريث والاستبداد الّتي تعيث في الأرض فسادًا وجهلاً. لقد شاهدنا نحن، مثلما شاهد العالم بأسره، كيف ألقى النّاخب الأميركي الّذي يعيش ويعمل في النّظام الدّيمقراطي بمرشّح الجمهوريّين من فصيلة بوش وأمثاله إلى سلّة المهملات. هناك، في سلّة المهملات السّياسيّة هذه، سيجري هؤلاء وأتباعهم وللأعوام الأربعة القادمة حساب نفس عسيرًا وطويلاً، وقد يزيلون الأوساخ والقاذورات الّتي علقت بهم من إدارة الرئيس بوش وبطانته السيّئة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًا. إنّهم يعرفون أنّ الطّريق الّتي تُفضي إلى عودتهم للسّلطة منوطة بتلك الحسابات الّتي يجرونها بينهم وبين أنفسهم، ولكن فوق كلّ ذلك منوطة بنجاح أو فشل الإدارة الأميركيّة الجديدة، ولذلك سيكونون لها بالمرصاد. إنّهم يعرفون قواعد اللّعبة، ويحترمونها إلى أبعد الحدود. 

لذلك، يستطيع الأميركيون أن يصرخوا بملء أفواههم: "Yes, we can" (نعم، نحن قادرون). يستطيع الأميركيّون أن يفرحوا بنظامهم الدّيمقراطي، وقد أثبتوا حقًّا على أنّهم قادرون على التّغيير. إنّ نظامهم الدّيمقراطي يسمح لهم بذلك ووسائل التّغيير مطروحة أمامهم على الطّريق، فما عليهم إلاّ أن يستغلّوا هذه الإمكانيّات من أجل إحداث التّغيير الّذي يطمحون إليه. كذلك، تستطيع سائر شعوب الأرض الّتي تعيش في أنظمة ديمقراطيّة أن تفرح مع الأميركيّين، لأنّ كلّ تلك الشّعوب تعرف أنّها هي الأخرى قادرة على التّغيير في بلادها، عبر صناديق الاقتراع. 
 
أمّا نحن، بني يعرب، فإنّنا ننظر إلى هذا العالم من حولنا مشدوهين بما يفعل بنو البشر فيه. قطار العالم يمرّ على مرأى منّا ولا نستطيع إليه سبيلاً. هذا القطار السّريع الّذي يشقّ العالم طولاً وعرضًا لا نعثر على محطّة واحدة له في منطقتنا العربيّة. لا يستطيع الفرد العربيّ أن يندسّ بين ركّاب هذا القطار العالميّ. لا يستطيع الفرد العربي أن يصعد للرّكوب في هذا القطار متوجّهًا فيه نحو المستقبل البشري. 

نعم، إنّنا ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ 
نعم، نرى الممالك المُطلَقَة بنسبٍ متفاوتة من الاستبداد، غير أنّ الاستبداد يظلّ هو السّمة الواضحة فيها. ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نعم، نرى كلّ تلك الأنظمة الّتي تدّعي أنّها جمهوريّة وثوريّة وما إلى ذلك من شعارات بليدة مزمنة، بدءًا من "الجمهوريّة الثّوريّة الاشتراكيّة العظمى" وعقيدها الّذي عقّدها تعقيدًا منذ أربعة عقود. نعم، ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نرى "جمهوريّة مصر العربيّة" (لاحظوا التّسمية، وكأنّ هنالك جمهوريّة مصريّة غير عربيّة يرغبون في الانمياز عنها)، ورئيسها الّذي يقترب من نهاية العقد الثّالث في الحكم. وكأنّ "أمّ الدّنيا" هذه لا تستطيع أن تجد من بين الثّمانين مليونًا رئيسًا يخلفه كلّ هذه العقود، فها هو يشقّ الطّريق للتّوريث من بعده. 
 
ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ 
ها هو الأسد الأب أورث الأسد الابن سدّة الحكم بعد عقود طويلة من الحكم. ومع أنّنا نتمنّى عمرًا مديدًا للأسد الابن، فهو لا زال في ريعان الشّباب، لكنّنا نقول مع ذلك، هل قُضيَ أمر الشّعب السّوري أن يعيش العقود القادمة مع هذا الرئيس الّذي يمثّل النّظام القبليّ العربيّ في أشدّ أوجهه سوءًا وفسادًا في الأرض؟ 
 
وفي فلسطين سبق فساد الزّعامات الفلسطينيّة حتّى قيام الدّولة وهذه حقيقة يعرفها ويشهد عليها كلّ فلسطيني. لا حاجة إلى الإطالة في هذا السّرد، فكذا هي الحال في مشارق العرب ومغاربها. 
 
إذن، وبعد كلّ هذا الّذي قيل، ماذا تبقى لنا نحن العربان أن نقول؟ على ما يبدو فإنّ الشّعار الوحيد الّذي نستطيع أن نرفعه إلى يوم يُبعثون هو: "يَأْس، وي كان"، أو "يَأْس، وين ما كان". 

نعم، نحن يائسون. أليس كذلك؟ 

***
 
***  
 
***

محنة لغوية عربية



سلمان مصالحة ||


محنة لغويّة عربيّة



كثيرًا ما يتغنّى العرب بأمجاد اللّغة العربيّة. ولا بأس في ذلك لو كان العرب حقًّا يحترمون لغتهم ويعملون على تطويرها وتطويعها لتشمل مستجدّات البحوث في جميع المجالات العلميّة والحضاريّة المتسارعة. غير أنّ نظرة سريعة على حال هذه اللّغة تُفضي بالمرء إلى الاكتئاب لما آلت إليه حال هذه اللّغة وحال أصحابها. مرارًا وتكرارًا يحاول العرب أن "يُطعموا أنفسهم جوزًا فارغًا" من خلال الاستهتار باللغة العبرية على سبيل المثال، مقارنة باللغة العربيّة. لا شكّ أنّ هذا الاستهتار نابع من الجهل التّام بهذه اللغة العبريّة وما تقدّمه لأهلها في جميع المجالات الحضاريّة علميّة وفكريّة وأدبيّة، إبداعًا أصيلاً بها أو ترجمة إليها من أبداعات الشّعوب الأخرى.

يكفي أن نذكر هنا في هذه العجالة أنّ ما يُكتب ويُترجم ويُنشر ويُباع في سوق هذه اللّغة العبريّة هو أكثر بكثير من كلّ ما يُنشر ويباع في العالم العربي بأسره من المحيط إلى الخليج. ليس هذا فحسب، بل إنّ جميع العلوم الطّبيعيّة والإنسانيّة تجد طريقها إلى هذه اللّغة كتابة وترجمة وفوق كلّ ذلك قراءة، بينما يركن العرب إلى دغدغة عواطفهم ببلاغة تليدة وبليدة في آن معًا مدّعين بكون العربيّة لغة غنيّة لا تضاهيها لغة أخرى. قد تكون العربيّة غنيّة حقًّا في كلّ ما يتعلّق بحياة البداوة والطّبيعة، غير أنّ هذا الغنى هو غنى قاموسي لا يعرفه أهل هذه اللّغة ولا يستعملونه أصلاً. فما فائدة هذا الغنى، إذن، إن كان مُكدّسًا في أكياس مهترئة ملقاة في المزابل لا يلتفت إليها أحد؟ ناهيك عن أنّ هذا الغنى الصّحراوي، على ما فيه من جماليّات بلا شكّ، لا ينفع النّاس واحتياجاتهم العلميّة والثّقافيّة في هذا الأوان.

وإذا حاول العرب تعريب مصطلحات أجنبيّة، فإنّهم يعرّبونها خطأ، وإذا نقلوها لفظًا إلى لغتهم فإنّهم ينقلونها خطأ أيضًا، فتشيع تلك المفردات المخطوئة في اللّغة العربيّة فيختلط حابل العرب بنابلهم. وهم، "ما شا اللّه"، مكثرون في مؤسّسات تسمّى مجامع اللغة العربيّة الّتي لا ندري ما تعمل وكيف تعمل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعرّب العرب المصطلح "پاسيڤي" (passive) كـ"سلبيّ"، فيكتبون مثلاً: تدخين سلبي، بدل تدخين پاسيڤي، وكأنّ هناك تدخينًا "إيجابيًّا" خلافًا للتّدخين السّلبيّ. ويكتبون "انتهت اللعبة بين فريقي كرة القدم القدم بالتّعادل السّلبي"، إذا انتهت المبارة بالنتيجة صفر:صفر لكلا الفريقين. فلماذا سلبيّ؟ وما علاقة السّلب والإيجاب بهذا السّياق؟ وإذا قاوم متظاهرون محاولات الشّرطة لتفريقهم مقاومة "باسيڤيّة"، يأتي جهلة العرب فيسمّون هذه المقاومة "مقاومة سلبيّة"، علمًا أنّ كلّ ما في هذه المقاومة ليس سلبيًّا بل إيجابيّ بالتأكيد.

ومن بين أعراض هذه المحنةأنّ العرب يخلطون الأمور دون وازع أو رادع فيستخدمون مصطلحات يجدونها في الصّحافة دون أن يفهموا المعنى الدّقيق لها، فيطفقون في دسّها في كلّ شاردة وواردة. وعلى سبيل المثال أيضًا، ها قد اكتشف جهلة العرب مفردة جديدة في السّوق، ويكاد المرء يجدها في كلّ صحيفة عربيّة من المحيط إلى الخليج، وأعني هنا مفردة "مقاربة". لا أدري من أين جاءت وكيف شاعت هذه المفردة في الكتابة العربيّة؟ لقد تعوّدنا عقودًا كثيرة على مصطلحات عربيّة تفي بهذا المعنى المقصود، وهو "تَوَجُّه" أو "نَهْج" أو "منهج" وما شابه ذلك. غير أنّ الفهلويّين من صحافيّي العرب والمترجمين في هذه الصحافة قد قرّروا أخيرًا ترجمة هذا المصطلح (approach) حرفيًّا، ومذّاك شاعت مفردة "مقاربة"، وصار كلّ شيء في حياة العرب وكتاباتاتهم "مقاربة"، وهم لا يفهمون أصلاً ما يعنيه هذا المصطلح. وصرنا نقرأ جملاً مثل: "وهنا يقارب ابن رشد المشكل مقاربة تسائلية لا مقاربة حاسمة..." (عن: محمد أركون، عن موقع ابن رشد). أو نقرأ عنوانًا مثل: "مقاربة الفساد صحفيًا مدخل لمحاصرته قانونيًا" (عن النور، نشرة الحزب الشيوعي السوري). مقاربة الفساد صحفيًّا! ما هذا الهراء؟ أمّا في مجلّة "العربي الحرّ" (لاحظوا التسمية البليدة للمجلّة)، فنقرأ: "الملاحظ أن هذه المداخل تتكامل فيما بينها بالشكل الذي يجعل مقاربة إشكالية التجديد في الفكر التربوي عملية مركبة ..."، فماذا يعني هذا الكلام، مقاربة إشكاليّة التّجديد؟ وفي المعهد العربي للثقافة العمالية نقرأ: "يُشكل مفهوم السوق في الاقتصاد السياسي عاملا لا بد من استحضاره إن أردنا إنجاز مقاربة للواقع الاقتصادي."، فأيّ شيء هذا "إنجاز مقاربة"؟

أمّا صحيفة "الزّمان" فتنقل على لسان أحد الجهلة من الكتّاب، آلينا ألاّ نذكر اسمه: "ويلوم (فلان الفلاني) الخطاب النقدي العربي لكونه ظل متردداً في مقاربة حقيقية للفضاء الروائي". أليس مضحكًا هذا الكلام؟ كُنّا مع مقاربة فأضحينا مع فضاء أيضًا: "مقاربة حقيقيّة للفضاء الروائي"، فازداد الطّين بلّة على بلّة. وانظروا إلى هذا العنوان: "مقاربة مريض بألم مفصلي...". هل يفهم القارئ هذا الكلام؟ وإن لم يفهم فلعلّه يفهم هذا الكلام: "مقاربة التدريس بالكفايات أو الكفاءات واستخدامها في تعليم اللغة العربية....". وإذا يئس فلعلّ في هذا الكلام ما يشرح صدره: "منهجية مقاربة القولة:... وفي هذا الإطار، وجب التنبيه إلى بعض الصعوبات، التي يمكن أن نجدها في مقاربة القولة...". فلا يسع القارئ سوى الرّكون إلى الحوقلة.

وأخيرًا، ومن أجل تلخيص هذه الحال اللّغويّة العربيّة، إليكم هذا المثال: "مقاربة حول محنة الأمة وضرورة مواجهة الذات العربية" (عن صحيفة الرأي السورية). حقًّا إنّها محنة، لقد تحوّلت مفردة "مقاربة" إلى محنة عربيّة، أو وباء عربيّ مردّه إلى الجهل. وهكذا، فقد أضحت اللّغة العربيّة فقيرة جدًّا في هذا العصر على أيدي أصحابها.
ومن بين المسبّبات لفقر العربيّةفي هذا الأوان يمكننا أن نشير إلى تلك النّظرة الأصوليّة في هذا الأوان حول كلّ ما يتعلّق بهذه اللّغة. إذ يعتقد كثيرون خطأ أنّ المعاجم العربيّة القديمة نقيّة من تأثيرات اللّغات المجاورة، غير أنّ النّاظر في هذ التّراث اللّغوي العربي يرى الكثير الكثير من المفردات والمصطلحات الأعجميّة الّتي دخلت على هذه اللّغة بطبيعة الحال. ويكفي، على سبيل المثال، أن نُذكّر القارئ العربيّ إنّه في حياته اليوميّة قد لا يجد مفردة عربيّة واحدة في مأكله ومشربه، في حلّه وترحاله، فلا الـ"بندورة"، ولا الـ"بطاطا" والا الـ"باذنجان" ولا الـ"خيار" الّذي يتناوله العربيّ يوميًّا يعود إلى اللّغة العربيّة. ولا الـ"فستق" ولا الـ"بندق" الّذي يقشره ويتسلّى به، يوميًّا أيضًا، يعود إلى العربيّة، ولا الـ"نموذج" الّذي يعبئه بين فينة وأخرى في معاملاته الإداريّة يعود إلى العربيّة، ولا حتّى الـ"قلم" الّذي يعبّئ به ذلك الـ"نموذج". وكلّ هذا ناهيك عن مفردات الحياة المعاصرة، فالعربيّ إذ ركب سيّارة فهو لا يعرف أجزاء تلك السيّارة باللّغة العربيّة، وإذا استمع إلى "راديو"، أو شاهد "برنامجًا" "تلفزيونًا"، فهي كلّها مفردات أجنبيّة. وإذا استخدم الحاسوب فهو لا يعرف لغة الحاسوب وبرمجاته باللّغة العربيّة، كما أنّه لا يعرف لغة البحوث والعلوم باللّغة العربيّة. وإذا رغب في شرب "فنجان" قهوه، أو "كوب" شاي، فهو لا يستخدم لغة عربيّة لأنّ الفنجان والكوب والإبريق كلّها ليست عربيّة، وغير ذلك الكثير الكثير.

وأخيرًا، سأصارحكم القول.أستطيع أن أؤكّد لكم أنّ التّرجمات والكتابات باللّغة العبريّة، أكانت هذه كتابات وترجمات علميّة أو ترجمات أدبيّة شعرًا وقصّة ومقالة، هي أكثر دقّة وأمانة وجمالاً من حال كلّ هذه الأمور في اللّغة العربيّة. وهنالك قواميس ومعاجم عبريّة معاصرة تتجدّد كلّ بضع سنوات، بينما لا يجد الطّالب العربي لا في الثّانويّة ولا في الجامعة ما يروي ظمأه في كلّ ما يتعلّق باللّغة العربيّة المعاصرة. لهذا، أشكّ كثيرًا إذا كان الطّالب العربيّ يفهم ما يقرأ أصلاً في هذه الصّحافة أو يفقه شيئًا من هذه التّعريبات. وإذا كان كلامي الصّريح هذا يثير حفائظكم وحفائظ مجامعكم اللّغويّة، فهذا شأنكم وشأنهم في تلك المجامع. أمّا أنا، فما عليّ إلاّ البلاغ.
والعقل وليّ التّوفيق


*
7 أغسطس 2008

المقالة في شفاف الشرق الأوسط

*

ماهية الأحزاب المنتخبة في كنيست إسرائيل

سلمان مصالحة ||


ماهية الأحزاب المنتخبة في كنيست إسرائيل




الكنيست - البرلمان الإسرائيلي

بمناسبة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستجري في الأسبوع القادم، يجدر بنا وضع هذه الحقائق أمام الذين يختارون دسّ الرؤوس في الرمال، وأمام بعض الذين أدمنوا تعاطي المزايدات وإطلاق الشعارات القومجية، أكانوا أفرادًا من مراهقي العروبة السياسية أو من بعض التيارات والأحزاب التي تعمل لاهثة وبكدّ متواصل لدخول البرلمان الإسرائيلي - الكنيست.


الحقيقة الأولى:
هنالك شروط قانونية لمشاركة الأفراد أو الأحزاب في الانتخابات الإسرائيلية، وفقط الأحزاب التي لا تنقض هذه الشروط يُسمح لها بالمشاركة. هذه الشروط القانونية ينصّ عليها قانون أساس الكنيست، وهو بمثابة قانون دستوري ملزم. ولكي لا يبقى القارئ هائمًا على وجهه في ظلام المزايدات نورد هنا النصّ القانوني الوصيل بالموضوع، والذي يتطرّق إلى منع أحزاب أو مرشّحين من خوض انتخابات الكنيست:

قانون-أساس الكنيست البند 7أ:

النصّ العبري:

”רשימת מועמדים לא תשתתף בבחירות לכנסת ולא יהיה אדם מועמד בבחירות לכנסת, אם יש במטרותיה או במעשיה של הרשימה או במעשיו של האדם, לפי הענין, במפורש או במשתמע, אחד מאלה:

(1) שלילת קיומה של מדינת ישראל כמדינה יהודית ודמוקרטית;

(2) הסתה לגזענות;

(3) תמיכה במאבק מזוין, של מדינת אויב או של ארגון טרור, נגד מדינת ישראל.“


ترجمة عربية:

”لا يُسمح لقائمة مرشّحين بالمشاركة في انتخابات الكنيست، كما لا يُسمح لشخص بأن يكون مُرشّحًا في انتخابات الكنيست، إذا انوجد في أهداف أو فعاليات القائمة أو أعمال الشخص، بمقتضى الأمر، بصورة واضحة أو بما قد يُفهَم منه، أيّ ممّا يلي:

(1) رفض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية؛

(2) تحريض على عنصرية؛

(3) دعم لكفاح مسلّح، لدولة أو لمنظّمة إرهابيّة، ضدّ دولة إسرائيل.“

***
الحقيقة الثانية:
حتّى بعد انتهاء عملية الانتخابات، فرز الأصوات والإعلان عن توزّع الأصوات بين قوائم المرشّحين والأحزاب التي عبرت نسبة الحسم، وعدد النوّاب لكلّ قائمة، تبقى هنالك خطوة أخرى مُلزمة لكلّ نائب تمّ انتخابه للكنيست. إنّها خطوة قسم ”يمين الولاء“ في الجلسة الأولى للكنيست بعد الانتخابات. إذ يتوجّب على كلّ نائب منتخب أن يُقسم يمين الولاء هذا، ولا يُعتبر نائبًا في البرلمان دون أداء اليمين.

هاكم نصّ يمين الولاء لدولة إسرائيل الذي يُلزم كلّ نائب بأدائه علنًا في الكنيست:

يمين الولاء لدولة إسرائيل -

النصّ العبري:

"אני מתחייב לשמור אמונים למדינת ישראל ולמלא באמונה את שליחותי בכנסת".


ترجمة عربية:

”إنّي أتعهّد بأن أحافظ على ولائي لدولة إسرائيل وأن أنفّذ بأمانة مهامّ رسالتي في الكنيست.“

*
خلاصة الكلام:
يجب أن تكون هاتان الحقيقتان أمام كلّ من يرغب في التطرّق إلى ماهية الأحزاب الإسرائيلية التي يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات.

إنّ هذه الشروط تسري على كافّة الأحزاب والأفراد، بما فيها الأحزاب العربية بالطبع. هذا يعني أيضًا أنّ كافّة الأحزاب الإسرائيلية، بما فيها الأحزاب العربية المشاركة، هي أحزاب تعترف قولاً، فكرًا وفعلاً بالأسس الأيديولوجية التي أُنشئت على ضوئها دولة إسرائيل. بل وأبعد من ذلك، تقوم بأداء يمين الولاء لإسرائيل على هذه الأسس.

هذه هي الحقيقة السياسية في إسرائيل، ومن الجدير أن يتذكّر الجميع ذلك لدى الحديث في هذه الشؤون، لكي لا تلتبس الأمور على أيّ من النّاس.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشر: شفاف الشرق الأوسط
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!